تبنّت "جبهة النصرة" تفجير سيارة مفخخة، يوم الأحد الماضي، في قرية مزرعة خريس، غربي مدينة السَلَمية في ريف حماة الشرقي، وأسفر التفجير عن مقتل شخصين، وجرح عشرة آخرين، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا".
وتزامن التفجير مع إعلان ناشطين من مدينة السَلَمية سحْب النظام قواتِه وأسلحتَه الثقيلة من بعض مواقعه في المدينة، وسط تخوف الأهالي من اقتحام تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مناطق فيها وفي ريفها، والتي تسكنها غالبية من الطائفة الإسماعيلية.
وشكّلت الانتهاكات، وأعمال العنف التي ارتكبها تنظيم "داعش"، في الأيام الماضية، في المناطق التي تسكنها الأقليات الدينية والأثنية في العراق، هاجساً لدى الأقليات التي تعيش في سورية أيضاً.
وبات ذلك الهاجس الشغل الشاغل لأهالي السَلَمية مع تواتر أنباء سحب النظام السوري لقواته من كتيبة المدفعية، في قرية بري، مع عدد من القطع الثقيلة، وجرى إفراغ كامل لمحتوى مستودعات الجبال الغربية، الموجودة بالقرب من القرية، وإخلاء معظم مقرّات قوات النظام من السلاح الثقيل، والإبقاء على عدد من عناصر اللجان الشعبية، ممن وصفتهم "تنسيقية مدينة السلمية" بأنهم "يحترفون التشليح والسرقة، والهروب مع أول طلقة".
وما زاد أيضاً من مخاوف أهالي السلمية من اقتحام تنظيم "داعش" لمدينتهم، إعلان التنظيم عن سحب عناصره من ريف حمص الشمالي، باتجاه مدينة الرقة، وحذر ناشطون من أن التنظيم أعاد انتشار قواته في مناطق جب الجراح وعقيربات بريف السلمية الشرقي.
ويشير ناشطون إلى أن عناصر "داعش" يتمركزون في منطقة عقيربات التي تبعد حوالى 25 كيلومتراً إلى الشرق من مدينة السَلَمية، حيث يسيطرون على مساحات واسعة وبلدات عديدة في تلك المنطقة، إذ أن المدينة بالنسبة لعناصر التنظيم هي هدف سهل في حال قرروا اقتحامها والسيطرة عليها.
وتقع المدينة على بعد 30 كيلومتراً إلى الشرق من حماة وسط سورية، وقد شهدت حراكاً ثورياً مع انطلاقة الثورة السورية، وشهدت العديد من أحيائها تظاهرات مطالبة بإسقاط النظام، ما أسفر عن تعرض ناشطيها، أسوة بغيرهم، إلى أشدّ أنواع القمع، ما اضطرهم إلى الخروج من المدينة لتجنيب أهلها غضب النظام السوري.
لكن اليوم وبحسب ما "ذكرت تنسيقية مدينة السَلَمية"، تستعدّ المدينة لهجوم محتمل من قبل عناصر تنظيم "داعش"، خصوصاً بعد اتهام تلك التنسيقية النظام السوري بـ"العمل على تسهيل دخول قوات التنظيم إليها عبر سحب قواته مع أسلحتها الثقيلة من المدينة، في حين تم تعزيز مواقعه في المناطق التي تسكنها الطائفة العلوية".
فقد قام النظام بإرسال تعزيزات إلى قرية "بري شرقي" وهي قرية موالية له، وذلك عبر تحصين دفاعات البلدة وإمدادها بأسلحة ثقيلة، إضافة إلى مدها بأعداد كبيرة من الجنود وعناصر الدفاع الوطني المعروفين باسم "الشبيحة".
وفي محاولة من شعبة الحزب (مركز تابع لحزب البعث العربي الاشتراكي) في السَلَمية من أجل تشكيل مجموعات مسلّحة تضم ضباط متقاعدين عن الخدمة، كي يشاركوا في عمليات الدفاع عن المدينة إلى جانب ما يُسمّى "وحدات الدفاع الوطني"، عقد اجتماع بتاريخ 30 أغسطس/آب الماضي، ضمّ عدداً من الضباط المتقاعدين.
وأكدت تنسيقية "نساء مدينة السلمية" أن أحد الضباط المشاركين في ذلك الاجتماع رفض الانضمام إلى تلك الوحدات، بعد رفض طلبه في تسلّم القيادة، وذلك عبر تشكيل مجلس عسكري مهمته حماية المدينة، بشرط أن لا تتدخل أي جهة كانت في موضوع تشكيله وعمله، إضافة إلى سحب كافة الأسلحة والسيارات بكل أنواعها ممن وصفتهم التنسيقية بـ"الشبيحة".
وأوردت تنسيقية "نساء مدينة السلمية" عن عقد اجتماع أمني في الأول من سبتمبر/أيلول الجاري في المركز الثقافي في المدينة، ضمّ محافظ مدينة حماة، بالإضافة إلى من وصفتهم التنسيقية بزعماء التشبيح في المدينة، انتهى دون أن يتم اتخاذ أي قرارات ملموسة على الأرض من أجل تعزيز مواقع قوات النظام، واستعيض عنه بنشر المزيد من حواجز وحدات الدفاع الوطني.
ومع اقتراب جحافل "الدولة الإسلامية" كما يسميها ناشطون من المدينة، توجه وفد من وجهاء المدينة للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، منذ حوالى عشرة أيام، وذلك على أمل أن يقدم لهم الدعم ويؤمن لهم الحماية من أي هجوم مفاجئ، وكان الرد صادماً حسب "تنسيقية السلمية".
ونقلت التنسيقية عن أحد أعضاء الوفد، قول الأسد له، إن "هناك أكثر من عشرين ألف شاب من السَلَمية متخلف عن الخدمة العسكرية، وعلى هؤلاء التسلّح ليحموا مدينتهم من داعش"، كما أكدت التنسيقية أن رد وزير المصالحة الوطنية علي حيدر، كان مشابها لما سمعوه من الرئيس السوري.
ويتهم ناشطون النظام السوري بأنه يحاول رمي المدينة التي تسكنها غالبية من الطائفة الإسماعيلية، إضافة إلى عدد من الطوائف الأخرى، في أحضان "داعش" لكي يتاجر بهم على الصعيد الدولي، عبر إظهار تنظيم الدولة بأنه يقوم بقتل وتشريد الأقليات الدينية والعرقية في سورية، على غرار ما حدث في جبل سنجار، وما تعرضت له الطائفة الأيزيدية من قتل وتهجير على أيدي عناصر التنظيم، الشهر الماضي.
كما يتهم ناشطون النظام بأنه يحاول معاقبة السَلَمية، كونها اتخذت موقفاً محايداً مما يجري من أحداث في سورية، ما جعل المدينة لا تظهر بمظهر المؤيدة للنظام، وبالتالي تم إهمالها من قبل النظام عمداً، حيث أنها لا تشكل أي عمق بشري أو استراتيجي لقوات النظام في مواجهة كتائب المعارضة المسلحة.
بل على العكس يحاول النظام اليوم استثمار وجود أقليات فيها من أجل استجرار تدخل دولي تحت ذريعة حماية الأقليات ومحاربة الإرهاب، حسبما أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن استعداد حكومته للتنسيق مع المجتمع الدولي بخصوص ذلك.