ليس بالنفط وحده يحيا "داعش"، ولا بترهيب الناس على الأرض ولا بترغيبهم بالسماء فقط، هناك منظومة اقتصادية يعتاش منها هذا التنظيم، في محاولة أصبحت واضحة للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، تحقيقاً لهيكل "دولة". منظومة تقوم على الاستيلاء على المرافق وتطويع المقدرات، وكذلك السيطرة على قطاعات الإنتاج والخدمات والضرائب وصولاً إلى ترسيخ الوجود... يستعرض ملف "الاقتصاد الجديد" الدورة الاقتصادية الداعشية، في تحليل لحجمها وقدراتها على الاستمرار
"داعش" في سورية: تمويل ذاتي وثروة تتزايد
هو ليس فقط التنظيم الإرهابي الأكثر ثراءً على مر العصور، ولكنه أيضاً التنظيم الوحيد الذي استطاع إنشاء آلية منضبطة للتمويل الذاتي. تعمل منظومة داعش الاقتصادية حالياً بمحركين اثنين يعتبر استخراج النفط وبيعه أولهما، فيما يتمثل المحرك الثاني باستغلال السكان وقطاع الأعمال المتواجدين ضمن الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم وذلك عن طريق جباية الرسوم والضرائب (الزكاة) والغرامات. هذا، وتتخذ إيرادات الجباية في منظومة داعش الاقتصادية أهمية متزايدة، حتى أن بعض التقديرات باتت تشير إلى تفوّقها على الإيرادات النفطية التي أضحت هدفاً للقصف الجوي، وهو ما يطرح تساؤلات حول إمكانية استمرار منظومة داعش الاقتصادية وفرص تعطيلها.
يمكن ملاحظة أن التحركات العسكرية للتنظيم ارتبطت بصورة كبيرة بالموارد الاقتصادية في المدن والأرياف السورية حيث سيطر على مناطق إنتاج النفط والغاز والحبوب ومحطات توليد الكهرباء فضلاً عن المناطق التي تحتوي قطع أثرية ثمينة. يتواجد تنظيم داعش في مناطق: دير الزور وريفها، الرقة وريفها، ريف حلب، ريف حمص، وريف الحسكة. ويتيح له هذا التواجد الواسع، والذي يقدّر بنصف مساحة سورية، التحكّم بموارد متنوعة، يمكن عرضها بحسب توزعها الجغرافي.
موارد داعش من المناطق
* الرقة وريفها: يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الرقة وريفها على بئر الطبقة النفطي، الذي ينتج نحو 1600 برميل يومياً، يباع البرميل بسعر يراوح بين 15-20 دولاراً، ما يجعل عائدات النفط في هذه المنطقة تراوح بين 24-32 ألف دولار يومياً، بما يصل إلى حوالي مليون دولار شهرياً.
كما يسيطر التنظيم على كل من سدي الطبقة والبعث، وهو ما يتيح له توليد الطاقة الكهربائية التي يمكن أن يستفيد منها في مناطقه فضلاً عن استخدامها في الصفقات التبادلية مع النظام السوري. وقد بلغت مساهمة هذين السدين بالإضافة إلى سد تشرين في ريف حلب والذي يقع أيضاً تحت سيطرة داعش، من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة في سورية بنحو 9.2 في المئة في العام 2013.
كما يسيطر داعش في الرقة على صوامع البوعاصي وعين عيسى للحبوب، ويتحكّم بالتالي بمخزون كبير من القمح كان يقدّر بنحو 600 ألف طن، تستهلك منه المدينة سنوياً في ظل النزوح السكاني الكبير أقل من مئة ألف طن، بحسب الناشط السوري فراس محمد، الذي يقول لـ"العربي الجديد"، إن التنظيم "يبيع كميات محدودة من القمح المخزّن في الرقة، ويعمل على تشجيع إنتاج القمح، وذلك بعد أن انخفض الإنتاج إلى حدود 300 ألف طن، في حين بلغ نحو 600 ألف طن قبل الثورة".
وفضلاً عن إيرادات النفط والقمح والطاقة الكهربائية، يدير داعش خطاً تجارياً ضخماً يصل الرقة بالموصل وينقل مختلف أشكال البضائع بما في ذلك الخضار والفواكه، ومنها ما هو آت من الأردن، حيث تدفع الشاحنات تعرفة مرور لداعش من أجل تأمين وصولها إلى العراق، وذلك وفقاً لـ"المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية". وبحسب المركز، فإن التعرفة التي يتلقاها داعش على كل شاحنة تراوح بين 200-600 دولار بحسب حجم الشاحنة وحمولتها، وهو ما يوفر له إيرادات تبلغ نحو نصف مليون دولار يومياً.
* ريف دير الزور: منطقة الإنتاج النفطي الأكبر لدى التنظيم، وتحتوي على حقل العمر الذي يعتبر من أكبر الحقول النفطية في سورية والذي بلغت طاقته الإنتاجية قبل اندلاع الثورة نحو 30 ألف برميل. لكن أحد سكان المدينة يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن التنظيم لا يستطيع حالياً أن يستخرج أكثر من 8 آلاف برميل من هذا الحقل. يضاف ذلك إلى حقول نفطية أخرى يسيطر عليها التنظيم في دير الزور وتمكّنه من إنتاج ما يراوح بين 20-30 ألف برميل يومياً. يباع البرميل بأسعار تختلف من حقل إلى آخر، ولكن السعر الوسطي هو 30 دولاراً للبرميل. هكذا تراوح إيرادات التنظيم النفطية في هذه المنطقة بين 600-900 ألف دولار.
* ريف الحسكة: يسيطر تنظيم داعش على حقل الجبسة الذي ينتج نحو 2500 برميل يومياً، يباع البرميل بنحو 25 دولاراً، وهو ما يجعل الإيرادات تتجاوز 62 ألف دولار يومياً. كما أعاد التنظيم تشغيل معمل الغاز في حقل الجبسة، وهو ما يمكّنه من تعبئة أسطوانات الغاز وإعادة بيعها. كما يحصل التنظيم على تعرفة مرور من شاحنات النظام السوري التي تنقل الحبوب ومنتجات زراعية أخرى من الحسكة إلى مناطق أخرى في سورية.
* ريف حمص: حاول داعش السيطرة على حقل الشاعر للغاز ونجح في ذلك مرتين قبل أن تستعيده قوات النظام السوري. لكن التنظيم تمكّن في منتصف هذا العام من السيطرة على مدينة تدمر وحقول آراك والهيل التي تنتج الغاز بطاقة تتخطى 3 ملايين متر مكعب يومياً. كما استطاع داعش السيطرة على منجم فوسفات بالقرب من تدمر. "قد لا يتمكن داعش من إنتاج الغاز والفوسفات في هذه المنطقة في ظل ضعف التقنيات والخبرات اللازمة، لكنه قد يوظّف ما بحوزته لعقد صفقات مع النظام السوري"، يقول الباحث معن السكري لـ"العربي الجديد".
كما فتحت سيطرة التنظيم على مدينة تدمر الباب واسعاً لتجارة الآثار التي "تدر أرباحاً طائلة"، بحسب السكري، إذ "نهب داعش مئات وربما آلاف القطع الأثرية الصغيرة والكبيرة التي تعود للحقبة الإسلامية والحقبة الرومانية".
* ريف حلب: يسيطر التنظيم على عدد من صوامع الحبوب التي يستخدمها لإنتاج الطحين والخبز وبيعه. أما الصوامع التي يسيطر عليها في هذه المنطقة فهي صوامع تل حاصل، دير حافر، مسكنة، صرين، الراعي، اخترين، الباب، منبج، وكفرجوم. ويسيطر على سد تشرين ومحطة الكهرباء.
السيطرة على النفط والحبوب
بدأ تنظيم داعش باختراق تجارة النفط مطلع العام 2013 وذلك بالتزامن مع نجاحه في السيطرة على مدينتي الرقة ودير الزور. واليوم يسيطر على 80 في المئة من آبار النفط في سورية، بحسب المنتدى الاقتصادي السوري. يعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي، أن القدرات المالية "الكبيرة" لتنظيم داعش تعود إلى عمليات السلب والاستيلاء على ثروات البلاد من نفط وغاز.
ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التنظيم "يسيطر في سورية على 60 حقلاً نفطياً (من أصل 67)، وستة حقول غاز (من أصل 18) وثمانية حقول نفط - غاز (من أصل 11)". الأمر الذي يعني تحكّمه بثروة هائلة جداً، إذ بلغت مساهمة إيرادات النفط في إجمالي الإيرادات العامة السنوية للدولة السورية قبل اندلاع الثورة نحو 20 في المئة.
يفتقد التنظيم للمعدات والتقنيات اللازمة، فضلاً عن العمالة الماهرة، ما يجعله عاجزاً عن الوصول إلى مستويات إنتاج عالية تقارب الإنتاج في العام 2011. مع ذلك، تبقى إيرادات التنظيم كبيرة وتصل إلى 650 مليون دولار سنوياً، إذا اعتبرنا أن التنظيم ينتج نحو 60 ألف برميل يومياً، بحسب معهد "تشاتام هاوس" البريطاني، ويباع البرميل بسعر وسطي يبلغ 30 دولاراً.
مصادر عديدة تؤكد تراجع قدرة التنظيم على الاستفادة من الثروة النفطية، إذ يبدو أن جهود إضعاف منظومته النفطية قد لاقت بعض النجاح في الأشهر الماضية وذلك بسبب "استهداف المصافي النفطية والشاحنات التي تنقل النفط، وعدم قدرة التنظيم على إصلاح الأعطال وافتقاده بصورة متزايدة للمعدات الضرورية لمتابعة الإنتاج"، يقول الناشط السوري خليل شفيع لـ"العربي الجديد". وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال جو دانفورد قد أعلن مطلع شهر كانون الأول/ ديسمبر الحالي تراجع إيرادات تنظيم داعش النفطية بنسبة 43 بالمئة بسبب الضربات الجوية التي قادتها الولايات المتحدة على مدى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر.
الرسوم والخوّات على السكان
انخفاض الإيرادات النفطية دفع التنظيم للتركيز على الجباية من السكان وقطاع الأعمال لتشكل حالياً أهم مصادر دخل التنظيم. وتقدّر مصادر أميركية لصحيفة نيويورك تايمز إيرادات داعش غير النفطية بعشرات ملايين الدولارات شهرياً، وهو ما يقارب دخلاً سنوياً يقدّر بنحو مليار دولار سنوياً.
يشير الباحث معن السكري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن تنظيم داعش "نجح في تطوير نظام اقتصادي مرن يستطيع تجاوز آثار تراجع عائدات النفط بالاستفادة من المساحات الشاسعة التي يسيطر عليها. وإن وقف هذه المنظومة يحتاج إلى دحر التنظيم من مناطق سيطرته، إذ لا تنفع العقوبات الاقتصادية على المتعاملين مع التنظيم ولا الطائرات الحربية".
يجبي داعش الرسوم من كل السكان في مناطق سيطرته، وإن كان لا يفرض رسوماً كبيرة، بحسب الدكتور القاضي، إذ "تتم جباية 200 ليرة سورية فقط في مناطق سيطرته في ريف حلب من أجل المياه وسعر الصهريج (10 براميل) بـ500 ليرة سورية، وأما فاتورة الهاتف فهي 200 ليرة سورية شهرياً". ويضيف أن "أجواء الأمان النسبي التي حققها في مناطقه، بالتنسيق مع النظام السوري، انعكست إيجاباً على الحركة الاقتصادية". لكن التنظيم يجني رسوماً أعلى من ذلك في محافظة الرقة، بحسب تقرير خاص بحملة "الرقة تُذبح بصمت"، إذ قال التقرير إن الرسوم هي على الشكل التالي: "كل منزل في مدينة الرقة يجب أن يدفع 800 ليرة سورية فاتورة كهرباء و400 ليرة فاتورة هاتف. كما يدفع كل محل تجاري 1500 ليرة فاتورة كهرباء ونظافة وأمن و400 فاتورة هاتف". كما يجني التنظيم الزكاة من قطاع الأعمال وبنسب عالية، ففي حين يحدد الشرع الإسلامي نسبة الزكاة بـ2.5 في المئة من الأرباح، يقتطع داعش نسبة 10 في المئة ويتذرّع بأن "الأمة في حالة حرب"، بحسب ما يقول أحد سكان الرقة لصحيفة نيويورك تايمز.
يقدّر معهد "راند" الأميركي إيرادات داعش غير النفطية في مدينة الموصل وحدها عام 2014 بنحو 600 مليون دولار، ويتجاوز ذلك بأشواط إيرادات الإنتاج النفطي في تلك المدينة. لا توجد تقديرات محددة بما يخص المناطق التي يسيطر عليها داعش في سورية، ولكن باعتبار أن نسبة السكان في الرقة حالياً تشكل نحو 35 في المئة من نسبة السكان في الموصل، يمكن تقدير إيرادات داعش غير النفطية فيها بأكثر من 200 مليون دولار سنوياً، تضاف إلى ذلك إيرادات مماثلة من بقية المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في سورية.
يقول السكري إن تلك الإيرادات تتحقق عن طريق "جباية رسوم دخول وخروج على البضائع، ورسوم الخدمات المقدمة، فضلاً عن غرامات الإخلال بالقوانين بدءاً من قانون السير وصولاً إلى غرامات التدخين والتأخر عن الصلاة واللباس المخل بالآداب العامة". فيما يشير تقرير لصحيفة ديلي ميل البريطانية إلى أن التنظيم يقوم بزراعة "الحشيش" في ريف الرقة وبيعه لاحقاً للتجار. وتورد حملة "الرقة تُذبح بصمت" أن التنظيم استثمر في شبكة الإنترنت فارتفع عدد مقاهي الإنترنت خلال فترة وجوده من 20 مقهى إلى 500. كما يفرض التنظيم رسوماً على جميع البضائع الخارجة والداخلة إلى محافظة الرقة، بالإضافة للرسوم على الشاحنات التي تعبر باتجاه العراق والآتية من خارج الرقة. وتنقل صحيفة نيويورك تايمز عن سائق شاحنة تبريد محمّلة بالمثلجات آتية من الأردن إلى العراق أنه يدفع مبلغ 300 دولار رسم عبور ويتلقى مقابله إيصالاً مختوماً من قبل "الدولة الإسلامية".
ويعتبر الدكتور أسامة القاضي أن استمرارية تنظيم داعش على المستوى الاقتصادي مرهونة بـ"استمرار تحكّمه بالموارد الاقتصادية، وبأن يبقى النظام السوري يدفع رواتب موظفي المؤسسات السورية ويتجنب قصفه، ذلك أن المنظومة الاقتصادية للمناطق التي يسيطر عليها داعش تقوم على مزيج من الأمن الشخصي والأمن العسكري والبعد عن التدخل في الحياة الاقتصادية، ومثل هذه المنظومة من الممكن أن يُكتب لها النجاح لو استمرت".
فيما يعتبر تقرير لـ"كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE)"، أن العنصر الأساسي في نجاح تنظيم داعش هو أنه عندما يسيطر على منطقة ما فإنه يتصرف "بوصفه الجهة الوحيدة صاحبة المسؤولية في هذه المنطقة". وفضلاً عن احتكار القوة في مناطقه، يعمل التنظيم، بحسب التقرير، على "تطوير نموذج شامل ومتكامل في مكوناته لإدارة ما يشبه الدولة". ويعتبر أن الجهود الرامية إلى تجفيف مصادر التمويل الخارجي للتنظيم غير كافية وتدفعه "لاعتماد طرق أكثر عنفاً للسيطرة على المزيد من الموارد في سورية". ويشير التقرير إلى أن المطلوب هو إنهاء حالة "فشل الدولة" التي يستفيد منها تنظيم الدولة الإسلامية واستعادة الحوكمة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.
كيف يمكن تعطيل منظومة "داعش"؟
... وفي العراق: نخاسة وسرقة للإنتاج والآثار
اختلف تنظيم "داعش" عن جميع التنظيمات المسلحة، حيث أسس في العراق قاعدة اقتصادية عريضة ومتنوعة تجاوزت التبرعات والدعم المادي، عبر سيطرته على مساحة غنية بالموارد الطبيعية، تبلغ ثلث مساحة العراق، وتمكن من تهريب النفط والآثار وفرض ضريبة على البضائع الداخلة إلى مناطقه عبر المنافذ الحدودية التي سيطر عليها.
بدأ تنظيم داعش في مطلع العام الحالي بإعادة تفعيل المصانع عبر إرجاع العاملين فيها، بعد تقديم "التوبة" الشكلية وإنشاء أسواق جديدة من أجل تعظيم موارده.
وقال الخبير في الجماعات المتشددة وصاحب كتاب "عالم داعش"، هشام الهاشمي، لـ "العربي الجديد": "يقوم الجهاز المالي والاستثماري لتنظيم داعش على أموال الجباية التي تجمع عن طريق تهريب النفط والآثار والضرائب المفروضة على الناس، والاختطاف والفديات والإتاوات والسلب والزكاة من الجمعيات والمساجد". وأكد أن "الأموال التي تأتي من السطو والاختطاف والتبرعات تبلغ شهرياً أكثر من 12 مليون دولار، بالإضافة إلى أنه يفرض ضريبة جمرك عن كل شاحنة تعبر حدوده عن طريق الأنبار بمبلغ 300 دولار".
وأضاف أن "التنظيم حرك عجلة الإنتاج في معمل الإسمنت بقضاء القائم بالأنبار، التي تبلغ طاقته الإنتاجية السنوية 840 ألف طن ويقوم ببيع الإسمنت إلى المحافظات الأخرى، وكذلك معملي الأسمدة والفوسفات اللذان يصدران إلى المناطق الأخرى وخارج البلاد".
وسيطر تنظيم "داعش" على عدة حقول نفطية تنتج ما يقارب الـ 100 ألف برميل يومياً، وبدأ ينتج نحو 50 ألف برميل يومياً، ويبيعها للمافيات بأسعار تتراوح بين 10-25 دولاراً للبرميل. وكذا سيطر التنظيم على حزام الحنطة والشعير في العراق الذي تبلغ قيمته 614 مليون دولار في العام الواحد.
السيطرة على الإنتاج
وقال وكيل وزير الزراعة العراقي، مهدي القيسي، لـ "العربي الجديد"، إن "تنظيم داعش استولى على مليون طن من الحنطة والشعير في محافظة نينوى، ويبلغ سعر طن الحنطة 660 دولاراً، وطن الشعير 468 دولاراً، بالإضافة إلى حجم كبير من الثروة الحيوانية"، مبيناً أن "القطاع الزراعي تعرض للاهتزاز نتيجة سيطرة تنظيم داعش عليه في منطقة الحويجة بكركوك ومناطق أخرى في ديالى وصلاح الدين والأنبار". وبين أن "المساحة الزراعية التي سيطر عليها تنظيم داعش تعتبر من أهم المناطق في العراق، لما تتمتع به من إمكانيات كبيرة".
في محافظة نينوى، تحدث عضو مجلسها المحلي، حسام العبار، عن طرق تمويل تنظيم داعش الذي احتلها في يونيو/حزيران 2014، وقال إن "تمويل تنظيم داعش في محافظة نينوى يركز بشكل رئيسي على الآبار النفطية المتواجدة في منطقة الكيارة وهي جاهزة لاستخراج النفط، حيث يصدر يومياً ما يقارب مائة سيارة سعر الواحدة ثلاثة آلاف دولار"، مبيناً أن "المصدر الثاني لتنظيم داعش يتمثل بهيمنته على عقارات وزارة البلديات والوقف السني، حيث يمتلكان المئات من المحلات والساحات العامة، ويجني منها أرباحاً شهرية تقدر بـ1.7 مليون دولار"، مشيراً إلى أن "التنظيم استحدث العديد من المحلات وساحات الوقوف بالإضافة إلى حصوله على أموال الزكاة التي يتقاضاها سنوياً من المواطنين".
وتابع أن "التنظيم قام بتأجير المتر الواحد من البسطات في الأسواق الشعبية بمحافظة الموصل بسعر 150 ألف دينار (125 دولاراً)، بينما الباعة المتجولون يدفعون شهرياً 10 آلاف دينار (8.3 دولارات)"، لافتا إلى أن "كل مواطن يراجع المستشفيات يجب أن يدفع خمسة آلاف دينار (4.15 دولارات)، بينما يدفع طلاب المدارس شهرياً 15 ألف دينار (12.5 دولاراً)".
وواصل العبار حديثه قائلاً إن "داعش يستخدم معملي الإسمنت والكبريت وينتج ويبيع إنتاجه، وقام أخيراً بتحويل العقوبات التي يجلد بها المواطنين إلى غرامات تتراوح بين 125 – 625 دولاراً. وكل سيارة صغيرة تسير على الطرقات يدفع صاحبها 21 دولاراً شهرياً والمتوسطة 42 دولاراً والشاحنة 100 دولار".
وتحدثت "العربي الجديد" مع أحد المواطنين في محافظة نينوى، ويدعى أحمد الموصلي فقال، إن "تنظيم داعش يفرض رسماً جمركياً على الأدوية يتراوح بين 200 – 1000 دولار وعلى طن المواد الغذائية من 150 -400 دولار وعلى السيارة التي تدخل حدوده بين 50 -100 دولار". وأكد أن "كل محكوم بالإعدام يجب أن يدفع قبل قتله غرامة من 750 – 3000 دولار حسب نوعية الحكم، وبعدها يدفع ذوو المعدوم مبلغ 500 – 2000 دولار لاستلام الجثة، وأن المعتقلين الذين يفرج عنهم يجب أن يدفعوا مبلغ 300 دولار ثمن إجراءات التحقيق والإقامة في المعتقل"، موضحاً أن "هناك ضريبة شهرية على كل منزل أو محل تبلغ خمسة آلاف دينار تسمى ضريبة التنظيف".
في السياق نفسه، قال الصحافي العراقي المتابع لملف داعش، زاهر موسى، لـ "العربي الجديد"، إن "تنظيم داعش ينتج الكهرباء من مدينتي الموصل والرقة، ويقوم بتكرير النفط لإنتاج الديزل والبنزين من المصافي التي تحت يده، وأما الغذاء فهم يتعاملون مع مافيات لاستيراد المواد الغذائية لمناطقهم بالإضافة إلى الإنتاج المحلي"، مبيناً أن "داعش يتعامل مع المزارعين بنظام الآجل في إنتاج محاصيلهم الزراعية".
من جهته، قال مسؤول الإعلام للحزب الديمقراطي الكردستاني في نينوى، سعيد مموزيني لـ "العربي الجديد"، إن "هناك مصادر أخرى لتمويل داعش حيث يتاجر بالأعضاء البشرية بعد إنشائه مستشفى بمحافظة نينوى لشراء الكلية بأسعار زهيدة جداً من العائلات المضطرة التي ليس لديها مال، ويبيعها بأسعار باهظة"، مبيناً أن "المصدر الآخر لتنظيم داعش هو إنشاؤه سوق النخاسة لبيع النساء عبر العشرات من الدولارات، وقام بعرض النساء الأيزديات وغيرهن". وأكد أن "كل شخص يريد الخروج من المناطق التي يسيطر عليها، يجب أن يدفع ثلاثة آلاف دولار"، مشيراً إلى أن "عناصر داعش أصبحوا أغنياء جداً لأنهم يسيطرون على التجارة عبر الاستيراد من الدول الأجنبية بآلاف الدولارات".
واستولى تنظيم داعش على 430 مليون دولار من فرع البنك المركزي بالموصل، بالإضافة إلى ملياري دينار من المصارف الخاصة التي لديها ما يقارب 100 فرع. وذكر خبير اقتصادي في محافظة نينوى (فضل عدم ذكر اسمه) لـ "العربي الجديد"، إن "داعش لم يطرد الموظفين في دوائر الدولة باستثناء الدوائر الأمنية، وقام بزيادة الضرائب على المدنيين والتضيق عليهم من أجل نزع أموالهم والتخلص من أي قوة مالية لديهم"، مشيرا إلى أن "تمويل داعش قد يكون ظاهرياً مثل تهريب النفط والآثار والضرائب والرسوم وغيرها، وقد يكون مخفياً مثل عمليات غسيل الأموال"، مبيناً أن "شبكات الاتصالات والإنترنت ما زالت تعمل في مناطقه، وهو يحصّل منها أموالاً تقدر بالآلاف من الدولارات شهرياً".
وأضاف أن "تنظيم داعش شجع أصحاب المصانع الأهلية على ضرورة تفعيل إنتاجهم، من أجل عدم إخراج العملة الأجنبية خارج المناطق التي يسيطر عليها".
السطو على آثار العراق
اقرأ أيضاً:أموال "داعش": من أين له هذا؟
يمكن ملاحظة أن التحركات العسكرية للتنظيم ارتبطت بصورة كبيرة بالموارد الاقتصادية في المدن والأرياف السورية حيث سيطر على مناطق إنتاج النفط والغاز والحبوب ومحطات توليد الكهرباء فضلاً عن المناطق التي تحتوي قطع أثرية ثمينة. يتواجد تنظيم داعش في مناطق: دير الزور وريفها، الرقة وريفها، ريف حلب، ريف حمص، وريف الحسكة. ويتيح له هذا التواجد الواسع، والذي يقدّر بنصف مساحة سورية، التحكّم بموارد متنوعة، يمكن عرضها بحسب توزعها الجغرافي.
موارد داعش من المناطق
* الرقة وريفها: يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الرقة وريفها على بئر الطبقة النفطي، الذي ينتج نحو 1600 برميل يومياً، يباع البرميل بسعر يراوح بين 15-20 دولاراً، ما يجعل عائدات النفط في هذه المنطقة تراوح بين 24-32 ألف دولار يومياً، بما يصل إلى حوالي مليون دولار شهرياً.
كما يسيطر التنظيم على كل من سدي الطبقة والبعث، وهو ما يتيح له توليد الطاقة الكهربائية التي يمكن أن يستفيد منها في مناطقه فضلاً عن استخدامها في الصفقات التبادلية مع النظام السوري. وقد بلغت مساهمة هذين السدين بالإضافة إلى سد تشرين في ريف حلب والذي يقع أيضاً تحت سيطرة داعش، من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة في سورية بنحو 9.2 في المئة في العام 2013.
كما يسيطر داعش في الرقة على صوامع البوعاصي وعين عيسى للحبوب، ويتحكّم بالتالي بمخزون كبير من القمح كان يقدّر بنحو 600 ألف طن، تستهلك منه المدينة سنوياً في ظل النزوح السكاني الكبير أقل من مئة ألف طن، بحسب الناشط السوري فراس محمد، الذي يقول لـ"العربي الجديد"، إن التنظيم "يبيع كميات محدودة من القمح المخزّن في الرقة، ويعمل على تشجيع إنتاج القمح، وذلك بعد أن انخفض الإنتاج إلى حدود 300 ألف طن، في حين بلغ نحو 600 ألف طن قبل الثورة".
وفضلاً عن إيرادات النفط والقمح والطاقة الكهربائية، يدير داعش خطاً تجارياً ضخماً يصل الرقة بالموصل وينقل مختلف أشكال البضائع بما في ذلك الخضار والفواكه، ومنها ما هو آت من الأردن، حيث تدفع الشاحنات تعرفة مرور لداعش من أجل تأمين وصولها إلى العراق، وذلك وفقاً لـ"المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية". وبحسب المركز، فإن التعرفة التي يتلقاها داعش على كل شاحنة تراوح بين 200-600 دولار بحسب حجم الشاحنة وحمولتها، وهو ما يوفر له إيرادات تبلغ نحو نصف مليون دولار يومياً.
* ريف دير الزور: منطقة الإنتاج النفطي الأكبر لدى التنظيم، وتحتوي على حقل العمر الذي يعتبر من أكبر الحقول النفطية في سورية والذي بلغت طاقته الإنتاجية قبل اندلاع الثورة نحو 30 ألف برميل. لكن أحد سكان المدينة يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن التنظيم لا يستطيع حالياً أن يستخرج أكثر من 8 آلاف برميل من هذا الحقل. يضاف ذلك إلى حقول نفطية أخرى يسيطر عليها التنظيم في دير الزور وتمكّنه من إنتاج ما يراوح بين 20-30 ألف برميل يومياً. يباع البرميل بأسعار تختلف من حقل إلى آخر، ولكن السعر الوسطي هو 30 دولاراً للبرميل. هكذا تراوح إيرادات التنظيم النفطية في هذه المنطقة بين 600-900 ألف دولار.
* ريف الحسكة: يسيطر تنظيم داعش على حقل الجبسة الذي ينتج نحو 2500 برميل يومياً، يباع البرميل بنحو 25 دولاراً، وهو ما يجعل الإيرادات تتجاوز 62 ألف دولار يومياً. كما أعاد التنظيم تشغيل معمل الغاز في حقل الجبسة، وهو ما يمكّنه من تعبئة أسطوانات الغاز وإعادة بيعها. كما يحصل التنظيم على تعرفة مرور من شاحنات النظام السوري التي تنقل الحبوب ومنتجات زراعية أخرى من الحسكة إلى مناطق أخرى في سورية.
* ريف حمص: حاول داعش السيطرة على حقل الشاعر للغاز ونجح في ذلك مرتين قبل أن تستعيده قوات النظام السوري. لكن التنظيم تمكّن في منتصف هذا العام من السيطرة على مدينة تدمر وحقول آراك والهيل التي تنتج الغاز بطاقة تتخطى 3 ملايين متر مكعب يومياً. كما استطاع داعش السيطرة على منجم فوسفات بالقرب من تدمر. "قد لا يتمكن داعش من إنتاج الغاز والفوسفات في هذه المنطقة في ظل ضعف التقنيات والخبرات اللازمة، لكنه قد يوظّف ما بحوزته لعقد صفقات مع النظام السوري"، يقول الباحث معن السكري لـ"العربي الجديد".
كما فتحت سيطرة التنظيم على مدينة تدمر الباب واسعاً لتجارة الآثار التي "تدر أرباحاً طائلة"، بحسب السكري، إذ "نهب داعش مئات وربما آلاف القطع الأثرية الصغيرة والكبيرة التي تعود للحقبة الإسلامية والحقبة الرومانية".
* ريف حلب: يسيطر التنظيم على عدد من صوامع الحبوب التي يستخدمها لإنتاج الطحين والخبز وبيعه. أما الصوامع التي يسيطر عليها في هذه المنطقة فهي صوامع تل حاصل، دير حافر، مسكنة، صرين، الراعي، اخترين، الباب، منبج، وكفرجوم. ويسيطر على سد تشرين ومحطة الكهرباء.
السيطرة على النفط والحبوب
بدأ تنظيم داعش باختراق تجارة النفط مطلع العام 2013 وذلك بالتزامن مع نجاحه في السيطرة على مدينتي الرقة ودير الزور. واليوم يسيطر على 80 في المئة من آبار النفط في سورية، بحسب المنتدى الاقتصادي السوري. يعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي، أن القدرات المالية "الكبيرة" لتنظيم داعش تعود إلى عمليات السلب والاستيلاء على ثروات البلاد من نفط وغاز.
ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التنظيم "يسيطر في سورية على 60 حقلاً نفطياً (من أصل 67)، وستة حقول غاز (من أصل 18) وثمانية حقول نفط - غاز (من أصل 11)". الأمر الذي يعني تحكّمه بثروة هائلة جداً، إذ بلغت مساهمة إيرادات النفط في إجمالي الإيرادات العامة السنوية للدولة السورية قبل اندلاع الثورة نحو 20 في المئة.
يفتقد التنظيم للمعدات والتقنيات اللازمة، فضلاً عن العمالة الماهرة، ما يجعله عاجزاً عن الوصول إلى مستويات إنتاج عالية تقارب الإنتاج في العام 2011. مع ذلك، تبقى إيرادات التنظيم كبيرة وتصل إلى 650 مليون دولار سنوياً، إذا اعتبرنا أن التنظيم ينتج نحو 60 ألف برميل يومياً، بحسب معهد "تشاتام هاوس" البريطاني، ويباع البرميل بسعر وسطي يبلغ 30 دولاراً.
مصادر عديدة تؤكد تراجع قدرة التنظيم على الاستفادة من الثروة النفطية، إذ يبدو أن جهود إضعاف منظومته النفطية قد لاقت بعض النجاح في الأشهر الماضية وذلك بسبب "استهداف المصافي النفطية والشاحنات التي تنقل النفط، وعدم قدرة التنظيم على إصلاح الأعطال وافتقاده بصورة متزايدة للمعدات الضرورية لمتابعة الإنتاج"، يقول الناشط السوري خليل شفيع لـ"العربي الجديد". وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال جو دانفورد قد أعلن مطلع شهر كانون الأول/ ديسمبر الحالي تراجع إيرادات تنظيم داعش النفطية بنسبة 43 بالمئة بسبب الضربات الجوية التي قادتها الولايات المتحدة على مدى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر.
الرسوم والخوّات على السكان
انخفاض الإيرادات النفطية دفع التنظيم للتركيز على الجباية من السكان وقطاع الأعمال لتشكل حالياً أهم مصادر دخل التنظيم. وتقدّر مصادر أميركية لصحيفة نيويورك تايمز إيرادات داعش غير النفطية بعشرات ملايين الدولارات شهرياً، وهو ما يقارب دخلاً سنوياً يقدّر بنحو مليار دولار سنوياً.
يشير الباحث معن السكري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن تنظيم داعش "نجح في تطوير نظام اقتصادي مرن يستطيع تجاوز آثار تراجع عائدات النفط بالاستفادة من المساحات الشاسعة التي يسيطر عليها. وإن وقف هذه المنظومة يحتاج إلى دحر التنظيم من مناطق سيطرته، إذ لا تنفع العقوبات الاقتصادية على المتعاملين مع التنظيم ولا الطائرات الحربية".
يجبي داعش الرسوم من كل السكان في مناطق سيطرته، وإن كان لا يفرض رسوماً كبيرة، بحسب الدكتور القاضي، إذ "تتم جباية 200 ليرة سورية فقط في مناطق سيطرته في ريف حلب من أجل المياه وسعر الصهريج (10 براميل) بـ500 ليرة سورية، وأما فاتورة الهاتف فهي 200 ليرة سورية شهرياً". ويضيف أن "أجواء الأمان النسبي التي حققها في مناطقه، بالتنسيق مع النظام السوري، انعكست إيجاباً على الحركة الاقتصادية". لكن التنظيم يجني رسوماً أعلى من ذلك في محافظة الرقة، بحسب تقرير خاص بحملة "الرقة تُذبح بصمت"، إذ قال التقرير إن الرسوم هي على الشكل التالي: "كل منزل في مدينة الرقة يجب أن يدفع 800 ليرة سورية فاتورة كهرباء و400 ليرة فاتورة هاتف. كما يدفع كل محل تجاري 1500 ليرة فاتورة كهرباء ونظافة وأمن و400 فاتورة هاتف". كما يجني التنظيم الزكاة من قطاع الأعمال وبنسب عالية، ففي حين يحدد الشرع الإسلامي نسبة الزكاة بـ2.5 في المئة من الأرباح، يقتطع داعش نسبة 10 في المئة ويتذرّع بأن "الأمة في حالة حرب"، بحسب ما يقول أحد سكان الرقة لصحيفة نيويورك تايمز.
يقدّر معهد "راند" الأميركي إيرادات داعش غير النفطية في مدينة الموصل وحدها عام 2014 بنحو 600 مليون دولار، ويتجاوز ذلك بأشواط إيرادات الإنتاج النفطي في تلك المدينة. لا توجد تقديرات محددة بما يخص المناطق التي يسيطر عليها داعش في سورية، ولكن باعتبار أن نسبة السكان في الرقة حالياً تشكل نحو 35 في المئة من نسبة السكان في الموصل، يمكن تقدير إيرادات داعش غير النفطية فيها بأكثر من 200 مليون دولار سنوياً، تضاف إلى ذلك إيرادات مماثلة من بقية المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في سورية.
يقول السكري إن تلك الإيرادات تتحقق عن طريق "جباية رسوم دخول وخروج على البضائع، ورسوم الخدمات المقدمة، فضلاً عن غرامات الإخلال بالقوانين بدءاً من قانون السير وصولاً إلى غرامات التدخين والتأخر عن الصلاة واللباس المخل بالآداب العامة". فيما يشير تقرير لصحيفة ديلي ميل البريطانية إلى أن التنظيم يقوم بزراعة "الحشيش" في ريف الرقة وبيعه لاحقاً للتجار. وتورد حملة "الرقة تُذبح بصمت" أن التنظيم استثمر في شبكة الإنترنت فارتفع عدد مقاهي الإنترنت خلال فترة وجوده من 20 مقهى إلى 500. كما يفرض التنظيم رسوماً على جميع البضائع الخارجة والداخلة إلى محافظة الرقة، بالإضافة للرسوم على الشاحنات التي تعبر باتجاه العراق والآتية من خارج الرقة. وتنقل صحيفة نيويورك تايمز عن سائق شاحنة تبريد محمّلة بالمثلجات آتية من الأردن إلى العراق أنه يدفع مبلغ 300 دولار رسم عبور ويتلقى مقابله إيصالاً مختوماً من قبل "الدولة الإسلامية".
ويعتبر الدكتور أسامة القاضي أن استمرارية تنظيم داعش على المستوى الاقتصادي مرهونة بـ"استمرار تحكّمه بالموارد الاقتصادية، وبأن يبقى النظام السوري يدفع رواتب موظفي المؤسسات السورية ويتجنب قصفه، ذلك أن المنظومة الاقتصادية للمناطق التي يسيطر عليها داعش تقوم على مزيج من الأمن الشخصي والأمن العسكري والبعد عن التدخل في الحياة الاقتصادية، ومثل هذه المنظومة من الممكن أن يُكتب لها النجاح لو استمرت".
فيما يعتبر تقرير لـ"كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE)"، أن العنصر الأساسي في نجاح تنظيم داعش هو أنه عندما يسيطر على منطقة ما فإنه يتصرف "بوصفه الجهة الوحيدة صاحبة المسؤولية في هذه المنطقة". وفضلاً عن احتكار القوة في مناطقه، يعمل التنظيم، بحسب التقرير، على "تطوير نموذج شامل ومتكامل في مكوناته لإدارة ما يشبه الدولة". ويعتبر أن الجهود الرامية إلى تجفيف مصادر التمويل الخارجي للتنظيم غير كافية وتدفعه "لاعتماد طرق أكثر عنفاً للسيطرة على المزيد من الموارد في سورية". ويشير التقرير إلى أن المطلوب هو إنهاء حالة "فشل الدولة" التي يستفيد منها تنظيم الدولة الإسلامية واستعادة الحوكمة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.
كيف يمكن تعطيل منظومة "داعش"؟
تعتبر الباحثة في "كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE)" الدكتورة ريم تركماني، أنه "لا يمكن لمنظومة داعش الاقتصادية أن تستمر على المدى البعيد إذا ما تمت مقاطعتها". وتضيف تركماني في حديث لـ"العربي الجديد" أن تلك المقاطعة تقتضي أمرين: "أولاً جدية والتزام جميع المعنين بالقضاء على داعش، وثانياً توفير البديل لمن يعتمد اقتصادياً على التنظيم". فعلى سبيل المثال "لا تقدم أي جهة الوقود إلى مناطق سيطرة المعارضة ما يدفع تلك الأخيرة، بما في ذلك المدنيون، لشراء النفط من داعش". وفي حين تعتمد منظومة داعش الاقتصادية على تكنولوجيا وتقنيات هي غير قادرة على تصنيعها، فإن "حصاراً جدياً يمنع وصول الآليات والمعدات وقطع الغيار المختلفة سيضعف من قدرات التنظيم". وبخصوص الجباية التي لا يمكن للقصف الجوي ولحملات المقاطعة إضعافها تقول تركماني إنها "لا يمكن أن تكفي لتمويل "شبه الدولة" التي تحاول داعش أن تبنيها. كما أن بعض هذه الرسوم يتم فرضها لقاء خدمات لا يمكن لداعش تقديمها بدون اتفاقات وتفاهمات من المناطق المحيطة بها، وهو ما يعيدنا إلى المصالح المتبادلة بين أطراف الصراع والتي تساعد داعش على تمتين منظومته الاقتصادية".
... وفي العراق: نخاسة وسرقة للإنتاج والآثار
اختلف تنظيم "داعش" عن جميع التنظيمات المسلحة، حيث أسس في العراق قاعدة اقتصادية عريضة ومتنوعة تجاوزت التبرعات والدعم المادي، عبر سيطرته على مساحة غنية بالموارد الطبيعية، تبلغ ثلث مساحة العراق، وتمكن من تهريب النفط والآثار وفرض ضريبة على البضائع الداخلة إلى مناطقه عبر المنافذ الحدودية التي سيطر عليها.
بدأ تنظيم داعش في مطلع العام الحالي بإعادة تفعيل المصانع عبر إرجاع العاملين فيها، بعد تقديم "التوبة" الشكلية وإنشاء أسواق جديدة من أجل تعظيم موارده.
وقال الخبير في الجماعات المتشددة وصاحب كتاب "عالم داعش"، هشام الهاشمي، لـ "العربي الجديد": "يقوم الجهاز المالي والاستثماري لتنظيم داعش على أموال الجباية التي تجمع عن طريق تهريب النفط والآثار والضرائب المفروضة على الناس، والاختطاف والفديات والإتاوات والسلب والزكاة من الجمعيات والمساجد". وأكد أن "الأموال التي تأتي من السطو والاختطاف والتبرعات تبلغ شهرياً أكثر من 12 مليون دولار، بالإضافة إلى أنه يفرض ضريبة جمرك عن كل شاحنة تعبر حدوده عن طريق الأنبار بمبلغ 300 دولار".
وأضاف أن "التنظيم حرك عجلة الإنتاج في معمل الإسمنت بقضاء القائم بالأنبار، التي تبلغ طاقته الإنتاجية السنوية 840 ألف طن ويقوم ببيع الإسمنت إلى المحافظات الأخرى، وكذلك معملي الأسمدة والفوسفات اللذان يصدران إلى المناطق الأخرى وخارج البلاد".
وسيطر تنظيم "داعش" على عدة حقول نفطية تنتج ما يقارب الـ 100 ألف برميل يومياً، وبدأ ينتج نحو 50 ألف برميل يومياً، ويبيعها للمافيات بأسعار تتراوح بين 10-25 دولاراً للبرميل. وكذا سيطر التنظيم على حزام الحنطة والشعير في العراق الذي تبلغ قيمته 614 مليون دولار في العام الواحد.
السيطرة على الإنتاج
وقال وكيل وزير الزراعة العراقي، مهدي القيسي، لـ "العربي الجديد"، إن "تنظيم داعش استولى على مليون طن من الحنطة والشعير في محافظة نينوى، ويبلغ سعر طن الحنطة 660 دولاراً، وطن الشعير 468 دولاراً، بالإضافة إلى حجم كبير من الثروة الحيوانية"، مبيناً أن "القطاع الزراعي تعرض للاهتزاز نتيجة سيطرة تنظيم داعش عليه في منطقة الحويجة بكركوك ومناطق أخرى في ديالى وصلاح الدين والأنبار". وبين أن "المساحة الزراعية التي سيطر عليها تنظيم داعش تعتبر من أهم المناطق في العراق، لما تتمتع به من إمكانيات كبيرة".
في محافظة نينوى، تحدث عضو مجلسها المحلي، حسام العبار، عن طرق تمويل تنظيم داعش الذي احتلها في يونيو/حزيران 2014، وقال إن "تمويل تنظيم داعش في محافظة نينوى يركز بشكل رئيسي على الآبار النفطية المتواجدة في منطقة الكيارة وهي جاهزة لاستخراج النفط، حيث يصدر يومياً ما يقارب مائة سيارة سعر الواحدة ثلاثة آلاف دولار"، مبيناً أن "المصدر الثاني لتنظيم داعش يتمثل بهيمنته على عقارات وزارة البلديات والوقف السني، حيث يمتلكان المئات من المحلات والساحات العامة، ويجني منها أرباحاً شهرية تقدر بـ1.7 مليون دولار"، مشيراً إلى أن "التنظيم استحدث العديد من المحلات وساحات الوقوف بالإضافة إلى حصوله على أموال الزكاة التي يتقاضاها سنوياً من المواطنين".
وتابع أن "التنظيم قام بتأجير المتر الواحد من البسطات في الأسواق الشعبية بمحافظة الموصل بسعر 150 ألف دينار (125 دولاراً)، بينما الباعة المتجولون يدفعون شهرياً 10 آلاف دينار (8.3 دولارات)"، لافتا إلى أن "كل مواطن يراجع المستشفيات يجب أن يدفع خمسة آلاف دينار (4.15 دولارات)، بينما يدفع طلاب المدارس شهرياً 15 ألف دينار (12.5 دولاراً)".
وواصل العبار حديثه قائلاً إن "داعش يستخدم معملي الإسمنت والكبريت وينتج ويبيع إنتاجه، وقام أخيراً بتحويل العقوبات التي يجلد بها المواطنين إلى غرامات تتراوح بين 125 – 625 دولاراً. وكل سيارة صغيرة تسير على الطرقات يدفع صاحبها 21 دولاراً شهرياً والمتوسطة 42 دولاراً والشاحنة 100 دولار".
وتحدثت "العربي الجديد" مع أحد المواطنين في محافظة نينوى، ويدعى أحمد الموصلي فقال، إن "تنظيم داعش يفرض رسماً جمركياً على الأدوية يتراوح بين 200 – 1000 دولار وعلى طن المواد الغذائية من 150 -400 دولار وعلى السيارة التي تدخل حدوده بين 50 -100 دولار". وأكد أن "كل محكوم بالإعدام يجب أن يدفع قبل قتله غرامة من 750 – 3000 دولار حسب نوعية الحكم، وبعدها يدفع ذوو المعدوم مبلغ 500 – 2000 دولار لاستلام الجثة، وأن المعتقلين الذين يفرج عنهم يجب أن يدفعوا مبلغ 300 دولار ثمن إجراءات التحقيق والإقامة في المعتقل"، موضحاً أن "هناك ضريبة شهرية على كل منزل أو محل تبلغ خمسة آلاف دينار تسمى ضريبة التنظيف".
في السياق نفسه، قال الصحافي العراقي المتابع لملف داعش، زاهر موسى، لـ "العربي الجديد"، إن "تنظيم داعش ينتج الكهرباء من مدينتي الموصل والرقة، ويقوم بتكرير النفط لإنتاج الديزل والبنزين من المصافي التي تحت يده، وأما الغذاء فهم يتعاملون مع مافيات لاستيراد المواد الغذائية لمناطقهم بالإضافة إلى الإنتاج المحلي"، مبيناً أن "داعش يتعامل مع المزارعين بنظام الآجل في إنتاج محاصيلهم الزراعية".
من جهته، قال مسؤول الإعلام للحزب الديمقراطي الكردستاني في نينوى، سعيد مموزيني لـ "العربي الجديد"، إن "هناك مصادر أخرى لتمويل داعش حيث يتاجر بالأعضاء البشرية بعد إنشائه مستشفى بمحافظة نينوى لشراء الكلية بأسعار زهيدة جداً من العائلات المضطرة التي ليس لديها مال، ويبيعها بأسعار باهظة"، مبيناً أن "المصدر الآخر لتنظيم داعش هو إنشاؤه سوق النخاسة لبيع النساء عبر العشرات من الدولارات، وقام بعرض النساء الأيزديات وغيرهن". وأكد أن "كل شخص يريد الخروج من المناطق التي يسيطر عليها، يجب أن يدفع ثلاثة آلاف دولار"، مشيراً إلى أن "عناصر داعش أصبحوا أغنياء جداً لأنهم يسيطرون على التجارة عبر الاستيراد من الدول الأجنبية بآلاف الدولارات".
واستولى تنظيم داعش على 430 مليون دولار من فرع البنك المركزي بالموصل، بالإضافة إلى ملياري دينار من المصارف الخاصة التي لديها ما يقارب 100 فرع. وذكر خبير اقتصادي في محافظة نينوى (فضل عدم ذكر اسمه) لـ "العربي الجديد"، إن "داعش لم يطرد الموظفين في دوائر الدولة باستثناء الدوائر الأمنية، وقام بزيادة الضرائب على المدنيين والتضيق عليهم من أجل نزع أموالهم والتخلص من أي قوة مالية لديهم"، مشيرا إلى أن "تمويل داعش قد يكون ظاهرياً مثل تهريب النفط والآثار والضرائب والرسوم وغيرها، وقد يكون مخفياً مثل عمليات غسيل الأموال"، مبيناً أن "شبكات الاتصالات والإنترنت ما زالت تعمل في مناطقه، وهو يحصّل منها أموالاً تقدر بالآلاف من الدولارات شهرياً".
وأضاف أن "تنظيم داعش شجع أصحاب المصانع الأهلية على ضرورة تفعيل إنتاجهم، من أجل عدم إخراج العملة الأجنبية خارج المناطق التي يسيطر عليها".
السطو على آثار العراق
يبقى ملف الآثار في العراق الأكثر مأساوية، حيث تضم محافظة نينوى أكثر من 1800 موقع أثري ومحافظة الأنبار ما يقارب 400 موقع أثرى، وعرضت الآثار العراقية للبيع في مزادات عدة دول، ولكن اللجنة المالية في البرلمان أكدت أن داعش باع آثار العراق بقيمة 1.2 مليار دولار. وقال خبير الآثار عامر عبد الرزاق لـ"العربي الجديد"، إن "تهريب الآثار من أهم الموارد المالية لتنظيم داعش، حيث يتم بمساعدة مافيات عديدة عن طريق سورية ومن ثم تركيا وبعدها إلى دول أوروبا. أو عن طريق سورية وبعدها تركيا ومن ثم قبرص وإلى إسرائيل"، لافتاً إلى أن "العديد من مزادات الدول الأوروبية عرضت فيها الآثار العراقية بشكل علني أو سري". ويتصرف تنظيم داعش ليس كعصابة تهدف إلى السيطرة على مجموعة من الناس وإنما كدولة أسست أركانها الاقتصادية على الضرائب وميزانيته المالية تقارب الدول الصغيرة، حيث تقول بعض المصادر الدولية والمحلية إن ميزانيته بلغت لعام 2015 في مدينة الموصل فقط 2.2 مليار دولار. ويمتلك التنظيم معابر حدودية في جميع مناطقه، وفعّل الصناعة المحلية من أجل إبقاء العملة الأجنبية من مناطقه. وقال الناشط المدني ستيفن نبيل لـ"العربي الجديد"، إن "داعش يختلف عن جميع التنظيمات الأخرى، فهو يتصرف كدولة ويستثمر عناصره، وعندما يأتي إليه مقاتل أجنبي فإنه يطلع على وظيفته الأساسية ليستغلها، مثلاً إذا كان مدير مصرف، يحصل على منصب في الديوان المالي"، مبيناً أن "تنظيم داعش حافظ على الدوائر الرسمية وأرجع الموظفين إليها باستثناء عدد قليل منها". لافتاً إلى أن "تنظيم داعش يبيع نفطه بأقل من 40% من السعر المعروض في الأسواق العالمية، فسياسة داعش الاقتصادية تعتمد على الغنائم واقتحام الآبار النفطية التي يحافظ على موظفين فيها من أجل استثمارهم في إخراج النفط"، مشيراً إلى أن "تنظيم داعش يعطي رواتب تراوح بين 800-1000 دولار لعناصره والكثير من الناس انضموا إليه". وأردف أن "هناك مصارف إقليمية تتعامل مع تنظيم داعش في خزن أمواله، كما أن جزءاً من الأموال التي يحصل عليها من المواطنين يصرفها داخلياً عبر توزيعها كرواتب على مقاتليه".
اقرأ أيضاً:أموال "داعش": من أين له هذا؟