بهذه الجمالية، رسمت مجلة "ذا إيكونومست" لوحة عن الحياة "التي كانت يوماً بسيطة" في مدينة الغيضة اليمنية، "إلى أن جاء جنود السعودية والإمارات، لتعقيدها"، بعدما دعاهم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لوقف تقدم الحوثيين. وفيما تشتدُّ قبضة الإمارات والسعودية في اليمن، ينحو هذا البلد أكثر نحو الانقسام والتفتت، بحسب المجلة البريطانية.
وتقول "ذي إيكونوميست"، في مقال نشرته على موقعها، اليوم الجمعة، إن المسؤولين السعوديين والإماراتيين يضعون انتشارهم العسكري في اليمن، في خانة العملية العسكرية التي يشنونها برّاً وجواً وبحراً ضد الحوثيين. ولكن من خلال جمع النقاط، يبدو أن المواقع التي تسيطر عليها السعودية في هذا البلد تتبع طريق تجارة البخور القديم بين المحيط الهندي وشبه الجزيرة العربية، وكأن المملكة الخليجية تشق "ممرّاً" جديداً إلى الساحل. في هذه الأثناء، يبدو نشاط الإمارات في اليمن جزءاً من استراتيجية أكبر، للسيطرة على الموانئ على طول أهم طرق الشحن البحري في العالم.
وعمد السعوديون، الذين يعملون من مطار الغيضة، بعد سيطرتهم عليه في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى شراء ولاء شيوخ القبائل في الشرق والجنوب، عبر توزيع السلاح، والسيارات، وجوازات السفر السعودية. وهم يهدفون إلى منع وصول شحنات الأسلحة الإيرانية إلى المرفأ. في سيئون، إلى الغرب، يعمل السعوديون على تدريب قوات موالية لهادي. كما يتعاونون مع علي محسن الأحمر، نائب هادي، وحلفائه في حزب "الإصلاح"، لبناء جيش يمني.
أما الإمارات، فهي أكثر نشاطاً في اليمن، تقول الصحيفة. في الغيضة مثلاً، قام "الهلال الأحمر الإماراتي" بإطلاق مهمة إنسانية بداية العام الماضي، سيطر عليها الجيش الإماراتي بحلول شهر أغسطس/آب. كما سيطر على شريط مدنٍ ساحلية في الجنوب اليمني، مثل المكلا، عدن، والمخا. وتسيطر الإمارات على محطة تسييل الغاز الوحيدة في اليمن، في مدينة بلحاف بشبوة، وعلى ميناءٍ رئيسي لتصدير النفط، في الشحر على ساحل حضرموت. كما تدير مقرين عسكريين في حضرموت، حيث دربت حوالي 25 ألف مقاتل من المنطقة، وفق الصحيفة.
ويقول الخبراء، بحسب "ذي إيكونوميست"، إن الإمارات تسعى من خلال وضع يدها على هذه الموانئ، إلى دعم مينائها، أي ميناء جبل علي، وهو الأكبر في المنطقة، إما عبر خنق المنافسة، أو تحويل مسارات السفن إليه.
وفيما رحّب يمنيون بالوجود السعودي والإماراتي، يخشى كثيرون آخرون منهم أن يفقدوا تأثيرهم وسيطرتهم. فمثلاً، تدير قوات هذين البلدين معتقلاتها الخاصة، مهمّشة المسؤولين المحليين، فيما يخاف بعض سكان المنطقة، الذين يتكلمون اللغة المهرية، وهي لغة سامية بدائية، من أن يفرض الخليجيون عليهم اللغة العربية، بحسب الصحيفة. أما توزيع جوازات السفر السعودية، فيدق جرس الإنذار لسكان سقطرى والمهرة، الذين يصل عددهم إلى 220 ألف نسمة، خشيةً من عملية ضمّ محتملة.
في هذه الأثناء، تقول الصحيفة إن منسوب التوتر يرتفع بين رجال السعودية ورجال الإمارات على أرض اليمن. فبينما تسعى الرياض إلى إعادة بناء الجيش اليمني بقيادة الأحمر، تدرب القوات الإماراتية مقاتلين من الجنوب، متحمسين للانفصال. وما حصل في عدن الشهر الماضي (سيطرة "المجلس الانتقالي الجنوبي")، يعتقد البعض أنه حصل بموافقة السعودية، كجزء من استراتيجية الدولتين الخليجيتين القائمة على نظرية "قسّم واحكم".
وبحسب "ذي إيكونوميست"، فإن كثرة المليشيات التي ظهرت حديثاً، والمدعومة من الإمارات والسعودية، في اليمن، ستؤدي إلى تسريع عملية تفتيت هذا البلد. أما زعماء القبائل فيستغلون الفوضى. المدعون تمثيل الدويلات، التي شكلت محمية عدن خلال الاستعمار البريطاني، يرفعون أعلاماً قديمة في المدينة الجنوبية.
من جهته، توعد مجلسٌ أعلن عن قيامه بقيادة "سلطان" المهرة وسقطرى، عبد الله بن عفرار، بمقاومة "الاحتلال" الذي تقوده السعودية. بن عفرار يتخوف من عدم عودة اليمن موحداً.. أبداً، وفق ما توصف الصحيفة.