قدّم الفنان التشكيلي الجزائري نصر الدين براهامي مجموعة من الدراسات التاريخية حول بلاده، تناول في بعضها علاقة الفنون والعمارة بتطوّر المجتمع وأثرها فيه، كما في كتابه "تاريخ مدينة الجزائر في العهد العثماني" (مؤلف مشترك مع علي تابليت) وهو عمل تضمّن توثيقاً لأبوابها وحصونها وثكنات الجيش والمساجد والأضرحة والزوايا والشوارع والقصور والبيوت وعيون الماء والأزياء الشعبية والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والدينية وغيرها.
الأمر ذاته قام به في كتاب آخر يحمل عنوان "تلمسان الذاكرة" (مؤلف مشترك مع سيدي محمد نقادي) الذي صدر عام 2010، واليوم يعود إلى تاريخ مدينته في معرضه "رؤى" الذي يحتضنه مركز الفنون والثقافة التابع لـ "قصر الرياس" في العاصمة الجزائرية، وقد افتتح في 26 من الشهر الماضي ويتواصل حتى الخامس عشر من الشهر الجاري.
يضمّ المعرض أكثر من خمسين عملاً تستكشف معالم ويوميات المدينة التي ظهرت كمركز عسكري وديني منذ القرن الثالث ميلادي، وحافظت على حضورها طوال العصور اللاحقة ما منحها تنوّعاً اجتماعياً وثقافياً معمارياً نتيجة اختلاط وتفاعل مكوّنات متعدّدة.
يقسّم براهامي معرضه إلى ثلاثة محاور أساسية؛ بورتريهات لأناس يعيشون في تلمسان على اختلاف مستوياتهم ضمن فضاءات عملهم واشتغالاتهم اليومية وطقوسهم الدينية وعاداتهم الاجتماعية، والمباني الدينية والمساجد والأضرحة التي تشكل جزءاً من تاريخها العمراني، ورموز وشخصيات تعبّر عن تراثها وحضارتها.
تحمل بعض لوحاته "الإعلان"، و"زيارة الأقارب"، و"السوق"، و"شاعر خلدون"، يعرض فيها العديد من المعالم مركزاً على الهندسة التقليدية للأحياء القديمة للمدينة، وكذلك على أماكن التعليم من خلال رسم طلبة مرتدين أزياء ذلك العصر.
كما يبرز الفنان أضرحة المدينة ومساجدها كما في لوحة "تلاوة القرآن في الجامع الكبير" التي نفّذها بألوان مائية، إلى جانب أعمالٍ اخرى مثل "باب ضريح سيدي بومدين"، ومقام وضريح سيدي الغمري، و"عودة الزيارة"، وتعكس البورتريهات وجوهاً أخرى للمكان حيث يصوّر شخصيات معمّرة عاصرت حقباً مختلفة وأخرى لأطفال يلعبون ويلهون، وكذلك لباعة وعمّال ومارّة في الأسواق.
يُذكر أن براهامي جامع للصور القديمة والنقوش يستخدمها كنماذج للانطلاق في أعماله، وأقام معارض عدّة في الجزائر والمغرب، وكرّس حوالي خمسة وعشرين عاماً للبحث في تاريخ الفنون في مسقط رأسه؛ تلمسان، حيث ألّف ثلاثة كتب في هذا المجال.