ضحية من بين كثيرات لزواج يطغى عليه العرف والتقليد في عدد من قرى ودواوير المغرب "العميق"، الذي يرى مستقبل الفتاة مع زوجها وبين الأبناء.
تزوجت رابحة، حسب ما حكت لـ"العربي الجديد"، وهي ابنة عشر سنوات، وكان والدها هو من أرغهما على ذلك وهي بعدُ طفلة لم تفك ضفائرها.
بعربية ركيكة تطغى عليها اللهجة الأمازيغية، روت الشابة قصة "طفلة" كبُرت قبل الموعد، ربما كانت في هذا البوح تنشد مؤازرة نفسية تفتقرها في قريتها النائية، أو مكاشفة يصل بها صوتها للعالم.
رابحة شابة في مقتبل العمر، لكن وجهها الشاحب لا أثر لعلامات الفرح عليه، وظهرها المقوس من فرط حمل عبء الأسرة وأكوام خشب التدفئة، جعلها تبدو كسيدة طاعنة في السن.
ذاقت مرارة اليُتم مبكرا، فقد فقدت الأم التي تحنو عليها وتكفكف دمعها، وعاشت مدة قصيرة مع والدها الذي قرر أن يزوّجها برجل يكبرها بعشر سنوات، بـ"الفاتحة"، لا لشيء، فقط ليفسح المجال لزوجة الأب.
تقول "تزوجت في المرة الأولى وعمري لا يتجاوز 10 سنوات، من دون عقد نكاح، بل فقط بالفاتحة، وهي العادة المتبعة عندنا. كان والدي من أرغمني على هذا الزواج، الذي لم يُكتب له أن يستمر أكثر من 4 أشهر، بعدها هجرني الزوج وتركني وحيدة، وعندما عدت إلى بيت والدي ذقت شتى صنوف وألوان المهانة من زوجته التي حولتني إلى "خادمة" في بيتها، بينما كان والدي يتحيّن أول فرصة ليبحث لي عن زوج ثانٍ، وكأنني عبء ثقيل يريد التخلص منه بأقصى سرعة ممكنة".
وسط مشاعر الانكسار والخيبة، وجدتْ رابحة في الزوج الثاني، الذي كان أيضا من اختيار والدها، القلب المواسي والصّدر الحنون. لم يعقدا القران، بل اجتمعا تحت سقف واحد بمسمى "الفاتحة" للمرة الثانية، وعمرها 12 سنة.
تقول "زوجي الثاني كان يهتم بحالي ويرعاني، وقلت إنه سيكون سندي في الحياة، ولهذا لم أعر أي أهمية لأن أكون "زوجة ثانية"، رغم أنه لم يخبرني بالموضوع في البداية، وإنما وضعني أمام الأمر الواقع. وعندما حملت بطفلنا، أذاقتني زوجته من المر كؤوسا، إلى أن انتهى الحال بي في الشارع مجددا من دون مأوى، وهذه المرة ببطن منتفخ".
زوج رابحة الثاني "ميمون" اختار زوجته الأولى بدل رابحة، بعد أن يئس من تحمل صراعاتهما اليومية، ولم يراع حملها ولا حاجتها. توضح "عملت في حقول الطماطم، وخادمة لدى بعض الأسر، إلى أن اقترب موعد وضع الجنين، حيث استضافتني ابنة "الدوار" في بيتها واهتمت بحالي".
محنة رابحة "الأم" ستتضاعف أكثر بعد الولادة، فهي لا تتوفر على أي وثيقة تثبت زواجها، وبالتالي الاعتراف بابنها واستخراج أوراقه الثبوتية ليكون ذا نسب وهوية ويتمكن من ولوج المدرسة، والبحث له عن مستقبل بعيدا عن قرية يؤثثها الفقر والحاجة. لكن هيهات هيهات.. تقول رابحة وقد حرّكت رأسها ببطء وأطرقت إلى الأرض، تداعب عويدات الحصير وطفلها إلى جانبها.
ليست رابحة الضّحية الأولى ولا الأخيرة لظاهرة تزويج القاصرات، بل هناك حالات كثيرة في قرى المغرب النائية وبواديه، كما تؤكد ذلك الأستاذة نجاة إيخيش، رئيسة مؤسسة يطو ﻹيواء وإعادة تأهيل النساء ضحايا العنف، والتي تسمى هذا النوع من العلاقات "تزويجا واغتصابا" لطفلات في عمر الزّهور، "إنه إن صح التعبير عنفٌ جنسي يُمارَس على المرأة بشكل عامّ، بالنظر إلى تبعاته النفسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث تتحول القاصر فقط إلى أداة لتصريف الكبت الجنسي".
وتضيف "من العار السكوت عن تزويج القاصرات بذريعة سلطة العادات والتقاليد، عوض التفكير في مستقبلهن وتوفير التعليم والحقوق الاجتماعية لهن، لتشجيع الأسر على القطع مع مثل هذا النوع من "التزويج" الذي يغترف من معين الجهل والأمية".