فمن حديث السياسة الحافل بالمعلومات الغلط وتبادل الاتهامات إلى جدل الدين الذي هيمن على "ركن الخطابة" هذا الأسبوع، بعض الخطباء الداعين إلى المسيحية استندوا في دعوتهم، بشكلٍ رئيسي، إلى مهاجمة الإسلام باعتباره الديانة الأكثر انتشاراً في أوروبا، من خلال التركيز على حوادث مسيئة ارتكبها مسلمون هنا أو هناك. ومع غياب أيّ دليلٍ على حدوث تلك الوقائع يُفتح الباب أمام الجمهور الأوروبي للتشكيك وطرح التساؤلات. أما ذوو الأصول العربية المسلمة فيتجاوزون التشكيك إلى الإنكار والطعن في ديانة الآخر.
وعلى الهامش، يُفتح عددٌ لانهائي من الحوارات الجانبية التي تتطوّر في كثير من الأحيان إلى العراك مثلما حدث في العام 1996 عندما اندلع القتال بين فصائل دينية متنافسة وأُلقي القبض على خطيب عراقي مسلم لطعنه مسيحياً لبنانياً.
"ركن الخطابة" برز للمرّة الأولى العام 1855 حين احتضن احتجاجات الباعة ضدّ مشروع قانون منع التجارة يوم الأحد في بريطانيا، ومنه أعلن الفيلسوف كارل ماركس بداية ما سماه "الثورة الانجليزية"... ترزح ذاكرته تحت ثقل الأحداث والأفكار والمشاحنات التي احتضنها قبل حتّى الاعتراف به رسمياً مكاناً للخطابة العام 1872.
كارل ماركس، لينين، جورج أورويل، والتر رودني، ونستون تشرشل وغيرهم من المشاهير اتخذوا من ذلك الفضاء الرحب محلاً للتعبير عن أفكارهم والتواصل مع العامة خلال الدعوة إلى قضاياهم. إلا أنّ تلك الزاوية قد اكتسبت نوعاً من الخصوصية لدى العرب المقيمين في لندن وأولئك الحاجين إليها على حدٍّ سواء. خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول وتفشّي المشاعر المعادية للعرب وزيادة الاهتمام الإعلامي الغربي بقضايا الشرق الأوسط. كذلك فإنّ ما يشهده العالم العربي من تضييقٍ على الحريات، تحديداً حريّة التعبير، ساهم بشكلٍ رئيسي في بروز العرب سواء كخطباء مهاجمين لحكومات بلادهم، ومتطاولين على شخوص حاكميهم، أو كمادةٍ غنيةٍ لطروح غيرهم من الخطباء.