يترافق انتهاء موعد استقبال قوائم المرشحين لانتخابات الهيئات المحلية الفلسطينية (أقفل باب الترشيح يوم الخميس الماضي) مع تزايد المخاوف من أن تتسرب إلى هذه القوائم شخصيات على علاقات وثيقة مع الإدارة المدنية الإسرائيلية، وهي مؤسسة الاحتلال المسؤولة عن تسيير الأمور في الضفة الغربية المحتلة.
ويكشف مسؤولون فلسطينيون وخبراء عن مخاوفهم التي تتعاظم من تدخل إسرائيل في الانتخابات المقررة في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، في ظل حالة الترهل في السلطة الفلسطينية والانقسام السياسي المتجذر. وقبل أيام، صرح وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بأن سلطات الاحتلال "ستواصل تحديد العلاقات مع السلطة (الفلسطينية) ورئيسها وستقوم بفتح قنوات اتصال وتواصل مع الفلسطينيين بعيداً عن السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس".
لكن هذه التصريحات لا تحمل أي جديد وفق بعض الخبراء، الذين يتساءلون: أليس الوضع الحالي في الأراضي الفلسطينية كناية عن روابط مدن بامتياز، تحت سمع وبصر السلطة، إذ لا تخلو مؤسسة فلسطينية رسمية أو غير رسمية من شخص على اتصال وثيق بالإدارة المدنية (الإسرائيلية) لتسهيل أموره من تصاريح تنقل وغيره؟.
يذكر أن فكرة الروابط وتحديداً روابط القرى طرحت للمرة الأولى من قبل الحاكم العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية المحتلة عام 1967. وكان الهدف إيجاد قيادات بديلة في الأرض المحتلة، يتم التعامل معها مباشرة للالتفاف على منظمة التحرير الفلسطينية في الشتات. وكانت الأهداف في ذلك الوقت، مماثلة لما هو معلن اليوم، وتتمثل بالتواصل مع المواطنين الفلسطينيين لجعل حياتهم أسهل من حيث البنى التحتية والزراعة والماء والكهرباء. هذه الروابط وجدت قبولاً لدى عدد من الفلسطينيين في ذلك الوقت. إلا أن العديد من رؤساء البلديات الفلسطينية تحدّوها ورفضوها، الأمر الذي عرّض بعضهم للاغتيال، مثل كريم خلف في عام 1985 (كان رئيساً لبلدية رام الله حتى إقالته عام 1982)، فضلاً عن محاولة اغتيال رئيس بلدية البيرة، إبراهيم الطويل، ورئيس بلدية نابلس، بسام الشكعة، مطلع ثمانينات القرن الماضي.
إلا أن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، يقول في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن السلطة "منتبهة وترصد وتعرف من هم هؤلاء الأشخاص، ولن ينجحوا بكل مساعيهم، لأن شعبنا أكبر من ذلك، والحركة الوطنية أنضج"، وفق وصفه. وحول ما إذا كانت هناك إجراءات ضد هؤلاء الأشخاص، يؤكد مجدلاني أن السلطة "تتعامل مع الموضوع بكل جدية"، معتبراً أن نشاط موقع "المنسق" أتى كرد إسرائيلي "على اللجنة (الفلسطينية) للتواصل مع المجتمع الإسرائيلي". ويلفت إلى أن الوحدة الإعلامية الإسرائيلية (المنسق) "أنشأتها الإدارة المدنية للتواصل مع عملائها وجاء التوقيت في مرحلة الانتخابات المحلية الفلسطينية".
ووفقاً لخبراء، فإن الهدف من دعم مرشحين تتقاطع مصالحهم مع الإدارة المدنية الإسرائيلية ويؤمنون بدورها، ويريدون قطع الطريق على السلطة الفلسطينية عبر التعامل المباشر مع الاحتلال، سيؤدي إلى تحويل السلطة من "مركزية هشة" إلى سلطة لامركزية، يتم توزيع صلاحياتها على السلطات المحلية. وهذا السيناريو يتلاءم مع حالة "الكانتونات" الفعلية في الضفة الغربية، حيث عزلت إسرائيل عملياً كل المدن والبلدات الفلسطينية عن بعضها البعض بحواجز عسكرية أو حوّلت مجرى الطرق الرئيسية إلى أنفاق. وتم إنشاء آلاف الطرق الالتفافية لعزل التجمعات السكانية من جهة، وخدمة المستوطنين وجيش الاحتلال من جهة أخرى. وكل هذه الخطوات تجعل إمكانية السيطرة على تلك التجمعات، من خلال فرض منع التجول أو الحصار، أمراً ممكناً خلال ساعتين فقط.
أما المؤشر الثاني، حسب التميمي، فيترجم بأن الاحتلال يشترط منذ مدة ربط محطات تنقية المياه بالمستوطنات، وتحديداً البلديات الكبيرة، خصوصاً في محافظات سلفيت وطولكرم وجنوب الخليل، فضلاً عن أماكن أخرى صغيرة. ويلفت إلى أن هذا الأمر الأمر يعد "مؤشراً آخر لاحظه كل فلسطيني في الأشهر الأخيرة، عبر قطع المياه والكهرباء عن العديد من المدن والبدء بحوار مع البلديات لشراء المياه وكأنها منفصلة عن السلطة الفلسطينية". ويعتبر أن "الضغط الذي تعيشه البلديات لحاجتها للكهرباء والمياه يعوّل عليه لتعاون البلديات مع الإدارة المدنية الإسرائيلية". وفي السياق، يؤكد أن شركة كهرباء الشمال هي عبارة عن تجمع برعاية بلديات فلسطينية تحصل على الكهرباء من الشركة "القُطرية الإسرائيلية"، مشيراً إلى هذه البلديات باتت تحل مشاكلها مع الشركة الإسرائيلية مباشرة في محاولة لتجاوز سلطة الطاقة الفلسطينية. وهو سيناريو سيتكرر في المدى المنظور على صعيد المياه، بحسب التميمي.
وفي السياق، يعرب منسق "شباب ضد الاستيطان"، أحد القيادات الشابة في محافظة الخليل، عيسى عمرو، عن خشيته من وصول بعض الشخصيات المرتبطة بمصالح مع الإدارة المدنية، سواء شخصيات معروفة من القطاع الخاص أو من الأكاديميين. يقول في حديث إلى "العربي الجديد" إن الإدارة المدنية بدأت فعلياً بتنفيذ سياسة تعريب ضباط الإدارة المدنية. ويلفت إلى أن جميع أفراد قيادة الإدارة هم حالياً "عرب (من طائفة محددة) يخدمون في جيش الاحتلال، وينسجون علاقات شخصية واجتماعية مع السياسيين ورؤساء البلديات"، وفق قوله. ويتابع بأن "هناك محاولات حقيقية لأن يحكم ضباط الإدارة المدنية البلد من خلال المؤسسات التي ربطوا أصحابها بمصالح"، لافتاً إلى أن رجال الأعمال والاقتصاديين يترأسون، على نطاق واسع، قوائم الانتخابات المحلية الفلسطينية.
في المقابل، لا يوافق الباحث في شؤون الهيئات المحلية، عمار دويك، على ما سبق من آراء ومخاوف، مؤكداً في حديث إلى "العربي الجديد" أن "هذه المخاوف مبالغ فيها". ويستعرض دويك أوجه المبالغة قائلاً: "أولاً، الشعور الوطني الفلسطيني قوي جداً ويرفض أي علاقات تطبيع. وثانياً، تركيبة الهيئات المحلية بالنظام القانوني من حيث نظام الضرائب وتوزيع المهام والصلاحيات بينها وبين السلطة المركزية الفلسطينية، محدودة جداً ولا تستطيع الهيئات أن تأخذ هذه الصلاحيات". ويوضح أن "أهم الخدمات من الصحة والتعليم والأمن هي بأيدي السلطة المركزية، ولا يمكن أن تنقل للهيئات المحلية من ناحية إدارية، فضلاً عن أن نظام الخدمات والضرائب مركزي بيد السلطة الفلسطينية"، وفق تأكيده. بيد أن دويك يقر بأن الاحتلال لن يكلّ عن محاولاته القديمة الجديدة في إيجاد ممثلين محليين يتوافقون مع سياساته وينفذون مخططاته.