"سرقة الدنماركيين حلال يا شيخ"

03 اغسطس 2018
+ الخط -
كنت مندهشاً ذات يوم في عام 1987 بمدينة صغيرة في شمال البلد، حين قال لي صديق لبناني: أتدري أن البعض يحلل السرقة هنا؟ تعجبت، كيف يمكن تبرير سرقة من يمنحك إقامة في بلده؟

لم يمض وقت طويل حتى اكتشفت، بداية تسعينيات القرن الماضي، أن الرواية ليست مجرد "ثرثرة". وسط مدينة كبيرة انتقلت إليها، كنت خلف صندوق على منصبين أبيع عليه ما يخطر ببال الفتيات والنساء من حلى وفضة، خواتم وأقراطاً، وكل ما تتزين به الأنثى، لأعيل نفسي وأسرتي أثناء دراستي، حين رأيت شخصاً قصير القامة يركض بسرعة البرق أمام حارس وشرطيين.

لم تكن بعد صرعة كاميرا المراقبة تعدّ أنفاس المواطنين. والشرطة في تلك الأيام لم تكن تهجم علينا، الباعة المتجولين، كما كانت تفعل في دمشق، حيث كنت أجر عربة "البالة"، الملابس المستعملة، من "حي الأمين" إلى خلف الإذاعة القديمة بشارع الثورة، فهي غضت الطرف عن لاتينيين ومغاربة وفلسطينيين يمتهنون ما يسمى "حرفة يدوية"، لصناعة الحلي. الحق يقال، لم أكن أصنع شيئاً، لكنها وسيلة دخل بطريقة "حلال"، معفاة من الضريبة.

المهم، ثوان مضت وخلفي، في شارع المشاة الرئيس، يعج بالبشر، متجر حقائب سفر، لمحت بسرعة صاحبنا، الذي لمحني أيضاً، وهو يجري إلى داخله. الحارس وشرطيان جروا خلفه إلى المتجر... قلت لنفسي: قبضوا عليه بالتأكيد. خرجوا يتلفّتون حولهم دون صيدهم. انفضّ الجمع وهدأ الأمر وكنت أعرض لزبونتين قرطاً كان دارجاً في تلك الأيام ومصنوعاً من خشب على شكل ببغاء أمازوني زاهي الألوان، حين جاء من خلفي ذات الشخص فرحاً. نظرت باستغراب مبعداً إياه والشبهة عني. كان وجهاً معروفاً في "مهنة السرقة"، وحرامياً ذاع صيته بتعدد مواهب احتياله.. فقد ترجمت له يوماً.
ما علينا... مرّت أيام، التقيت بالبعض ممن ظننت، على قول المريدين، "يعرفون بالدين".
كيف يبرر البعض سرقة الدنماركيين باعتبارها حلالاً؟
ما يزال جواب "الشيخ"، قبل أن أكتشف أنه نصاب، لا شيخ ولا هم يحزنون، يرنّ في أذني... باختصار، نعم سرقتهم حلال. لا داعي للخوض الآن بكل التبريرات، وكأنه درس تحريضي للسرقة، أقلها "الغرب نهب خيراتنا، فيحق لنا استعادة بعضها".

بالسرقة يا "شيخ"؟..

بيني وبين نفسي كنت مقتنعاً أنه الجهل والتخلف الاجتماعي، وإلا لقلد هؤلاء رواية أسلافنا اليمنيين في آسيا، وغيرها.. فتخيل معي إندونيسيا وماليزيا والهند، لو أن الأسلاف كانوا مثل ذلك "الشيخ".
سأكتشف بعد سنوات أن محلل السرقة لم يكن سوى سارق ونصاب، حين ترجّاني في المحكمة ألا أبوح بشيء. فقد كان مريضًا بداء السرقة، رغم أنه أصبح "تاجر شنطة"، والعلاقة بينه وبين "المشيخة" كعلاقة التماسيح بدموعها... أو علاقة السيسي بالأمانة.
في الغربة أمراض كثيرة، أكثرها إخافة أن تنهار دفاعات بعض الناس في "التقليد الأعمى".. وقد جرى فعلاً لسنوات، ومنها "النصب على شركات التأمين"، باعتباره "حلال بحلال".​

دلالات