الاهتمام الخاص بالشأن السوري يؤشر على أن النخب الفرنسية (سواء تقاطعت مع الدوائر الرسمية أم لا) بصدد تقديم رؤية لمجتمعها حول أزمة باتت تمسّ نتائجها القرار السياسي الفرنسي، إضافة إلى انعكاساتها كما هو الحال مع قضية اللاجئين.
تقدّم دار "أساناراس" كتاب "سورية: تشريح حرب أهلية" باعتباره أول عمل ميداني عن "الحرب" في سورية. ولعل هذا التوصيف يتضمّن من البداية قراراً مسبقاً. هنا، لا بد من الإشارة أن دار النشر كثيراً ما قدّمت أعمالاً حول التاريخ العسكري، خصوصاً الفرنسي، وقد صحب إصدار كتاب "سورية: تشريح حرب أهلية" كتاب "الجيش الفرنسي في أفغانستان (2001 – 2011)".
يتتبّع العمل ما جرى في سورية منذ خروج أولى المظاهرات تأثّراً بما حدث في تونس ومصر بدايات عام 2011، ليصل بنا إلى آخر الأحداث في بداية 2016. لكنه لا يعتمد المسح الزمني فحسب، إذ يقدّم فسيفساء الجهات المتصارعة وخلفيات حول حساباتها وارتباطاتها الخارجية.
لعل من أبرز ما يقوله الكتاب أن سنتي 2012 و2013 كانتا منعرجاً خطيراً للغاية في المسألة السورية حين تحوّلت كل الأطراف إلى جهات عسكرية سياسية تتحرك فوق خارطة الانقسامات الطائفية والأيديولوجية الكامنة، وكذلك التي اصطنعت مثلما هو الحال بالنسبة للجماعات المتطرفة.
الشركاء الثلاثة في العمل يتوزّعون بين اختصاصات متعددة، فآدم باشكو باحث في علم اجتماع الحروب وجيل دورونسورو باحث في العلوم السياسية، وهو متخصّص في الشأن التركي، أما أرتور كيناي فهو تلميذ دورونسورو وشريكه في نفس المجال، مع التخصص في المسألة الكردية. هنا لا بدّ من الانتباه إلى من تُعهد الدراسات الميدانية، لعل في ذلك ما يساعد في فهم كيف تُصنع صورة "الأزمة/الحرب" السورية في الغرب.