فوز سنان أنطون بجائزة سيف غباش- بانيبال للترجمة، فوز مضاعف هذه المرة. وغير معهود. فالجائزة أعطيت له كمترجم، لكن عن ترجمته لروايته "وحدها شجرة الرمان" الصادرة عن دار الجمل والمؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2010.
الخبر طبعاً فريد وغريب، إن لم نقل "مُربك" للوهلة الاولى. فنادراً ما تمنح جائزة أدبية لمترجم عن إنجازه ترجمة لعمل شخصي له. لكن، على ما يبدو فإن أنطون "برع في التحدي" كما جاء على لسان جون دوناتيش، مدير مطبوعات جامعة يال التي أصدرت الرواية بالإنجليزية بعنوان "غاسل الجثث" (The Corpse Washer).
أما لجنة التحكيم، فقد اعتبرتْ أن أنطون قارب كل مقاييس الترجمة الأدبية المثالية. فالسرد والقص جاءا "في منتهى الدقة والإتساق والتروي". وعلّقت اللجنة بالقول "غاسل الجثث، قصة تثلج الصدر وتفطر القلب، حزينة وحسية في آنٍ معاً".
وعلى ما يبدو، فإن المترجم العراقي استطاع الإنسلاخ عن ذاته ككاتب أصلي للعمل، ليعمل بذاكرة المتلقي لرواية كتبها بنفسه، ما سمح له بالتحرك اللغوي ضمن هامش من الحرية والخصوصية التي تتمتع بها الإنجليزية، مستدركاً الفروقات بينها وبين العربية لغة العمل الأساس، وبالتالي معيداً إنتاج السرد ضمن آليات اللغة المنقولة. جهد مكلف وصعب ارتأت اللجنة أن تكافئه بتقدير من نوع خاص وغير مألوف.
أنطون الذي غادر العراق إبان حرب الخليج عام 1991، ليتابع دراسته فيحصل الدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة هارفرد عام 2006، قال إن الترجمة سمحت له بالعودة والعيش مجدداً مع الشخصيات والاماكن التي تركها وحزن لفراقها في النسخة العربية عند انتهائه من كتابتها. فسنان المترجم وجد نفسه، مضطراً للتفاهم والتعايش مع سنان المؤلف. والتجانس التام بين الإثنين أفضى بنص بصيغة صوتية جديدة تتجه إلى صنف آخر من القراء.
لكنها ليست الجائزة الاولى التي تمنح لأنطون كمترجم. ذلك أن ترجمته لكتاب "في حضرة الغياب" لمحمود درويش (آرشيبيليغو، 2011) كانت قد فازت بجائزة أفضل ترجمة لعام 2012 من قبل إتحاد المترجمين الأدبيين في شمال أميركا.
لا شك أن الجائزة تتجاوز كينونتها اليوم، لواقع أن المترجم هو المؤلف نفسه، وهي بذلك تكون تكريماً معنوياً أيضاً لـ"وحدها شجرة الرمان" رواية أنطون الثانية بين عمليه "إعجام" (2003) و"يا مريم" (2012) التي وصلت القائمة القصيرة لـ"البوكر" العربية.
منافس أنطون الأول كان المترجمة بولا حيدر، عن نقلها رواية "مطر حزيران" (دار الساقي) للروائي اللبناني جبور الدويهي إلى الإنجليزية (صدرت عن "دار بلومزبري قطر" بعنوان "June Rain").
حيدر حاصلة على ماجستير في الترجمة الأدبية، ودكتوراه في الأدب المقارن، وهي أستاذة الأدب العربي في جامعة أركنسو (الولايات المتحدة)، وبالإمكان تخيّل الصعوبة التي واجهت لجنة التحكيم، سيما أن "مطر حزيران" تتضمن اجتهاداً أسلوبياً لافتاً يعبّر عن فرادة إبداعية.
وقد نالت المترجمة "ثناء حاراً" من اللجنة. فالترجمة متقنة، والرواية تأتي في طبقات بصرية (وصفتها اللجنة بالـ"معقدة")، راسمة نموذجاً عن الآثار- الموحدة والمدمرة - للولاءات العائلية والعشائرية في قرية جبلية في شمال لبنان، وتتخذ الرواية من مجزرة 1957، وتداعياتها في كل مفاصل المجتمع، نقطة انطلاق لها. وقد لخصت اللجنة مجهود حيدر بأنه "ترجمة مذهلة تلتقط النبض الدقيق الآسر لإيقاع الرواية وكثافته".