بالتوازي مع محاولات الإدارة الأميركية إنقاذ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تعويلاً على دور سعودي مقبل، واندفاع تطبيعي، يشيع معسكر الحماسة لتصفية القضية الفلسطينية أن طرحاً رسمياً، لما يسمى إعلامياً بـ"صفقة القرن"، سيبدأ مع مطلع العام المقبل. فمنذ أن طار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 2017، مباشرة من الرياض إلى تل أبيب بدأ المشهد يتضح. فلا نفي زعيم الانقلاب في مصر وجود "الصفقة"، بعد تأكيده لها في البيت الأبيض، ولا تبريرات محور اللهث خلف التطبيع، تقنع أحداً أن ما يجري ليس سوى "فقاعة" أو "مناكفة" إعلامية.
ومقابل مشهد رسمي عربي بائس في انقسامه، وفلسطيني داخلي، وحصار وتحريض، وغياب التوافق على الحد الأدنى من المصالح، يندفع قادة الاحتلال لاقتحام عواصم عربية وإسلامية، وليس آخرها تشاد، والتبشير بالبحرين والسودان، وغيرهما قريباً. في السياق، فإن بعض قيادات عربية باتت تعتبر قضية فلسطين مدخلاً لسمسرة ومقايضات مع محيط ترامب، ولوبيات تل أبيب. وغير بعيد يوغل آخرون في تسويق "الصفقة"، وطلب الانتصار للمحتل، كما في العدوان الأخير على غزة، عبر إشاعة أجواء هزائمية وتوسلات وعجز، وترويج للمشروع الأخير لتجريم المقاومة في الأمم المتحدة، بعد أن فعلها أصلاً هذا البعض العربي، وإن حصرها، في سياق ترويض العقل، بحركة "حماس".
ذات المعسكر، وتزامناً مع مسعى واشنطن لوقف تمويل وكالة "أونروا"، كعنوان لتصفية قضيتهم، دخل في تآمر وقح عليهم، إن حصاراً على أرضهم أو تضييقاً في الشتات العربي، بقرارات تنتهك كل المواثيق والأخلاق العربية، لدفعهم للقبول بأية حلول. أضف إلى ذلك تسارع وتيرة التهويد، وبفضائحية عربية، مساهمة وتغطية، على رأسها حكام أبوظبي، وتوابعها، تلميعاً وتجهيزاً لقيادة فلسطينية بديلة و"مطواعة"، لقبول كيان هزيل في الضفة، واختراع عاصمة "امتداد القدس"، وبضغط سعودي هذه المرة، كعربون تتويج ملك، من بين قضايا أخرى، منها إيران، غير البريئة أيضاً في لعبة المصالح والتحالفات على حساب فلسطين. إذا كان لا بد من مواجهة هذا الجهد التصفوي، باستغلال صهيوني لمأساوية الواقع الرسمي العربي، وغياب آليات رسمية جادة لمواجهته، ومنها مؤسسة البيانات الموسمية في الجامعة العربية، لكسب دولها رضا لوبيات واشنطن، فستبقى المراهنة على الفلسطينيين أنفسهم، وعلى شارع عربي لم يتراجع يوماً عن اعتبار فلسطين عنواناً للحرية والعدالة، مثلما تفعل حركة التضامن الدولية في مساواة الاحتلال بالأبارتهايد.