تُعَدّ الجامعات المصرية إحدى جبهات المواجهة بين النظام بقيادة رئيس الجمهورية الحالي عبد الفتاح السيسي والمعارضين له. وتسعى الأجهزة الأمنية إلى إحكام قبضتها على الجامعات بشتى الطرق، وخصوصاً أنها كانت مصدر إزعاج كبير خلال العامين الماضيين، منذ الانقلاب الذي قاده السيسي حينما كان وزيراً للدفاع.
فشلت كل محاولات وأد الحراك الطالبي، خصوصاً مع بداية التنسيق بين شباب الإخوان والتيار الإسلامي الرافض للسيسي وبعض من شباب الأحزاب المعارضة والحركات الثورية داخل الجامعات. وهذا التقارب الذي بدأ قبل أشهر عدّة، بات يقلق الأجهزة الأمنية، لا سيّما مع عدم تمكّنها من وقف الحراك من خلال المواجهات بين الطلاب وقوات الأمن خلال الفعاليات والتظاهرات.
ولجأت أجهزة الأمن التي عادت إلى أسوأ ممّا كانت عليه قبل 25 يناير/ كانون الثاني 2011، إلى إعادة إنتاج أساليب كانت متّبعة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. فجهاز الأمن الوطني - أمن الدولة سابقاً - فرض قبضته تماماً على الأوضاع في الجامعات، من خلال مراقبة وتتبّع تحركات التكتلات الطالبية لكل الحركات الثورية والحزبية داخل أسوار الجامعات.
وإلى جانب عودة ضباط الأمن إلى داخل الجامعات من جديد، بعدما كانوا قبل الثورة يجوبون الكليات من فترة إلى أخرى، عاد أسلوب زرع جواسيس من الطلاب الموالين للأجهزة الأمنية بين التكتلات الطالبية، بغرض المراقبة ونقل الخطط والتحركات الخاصة بها. أما الأهم، فهو تدوين أسماء الطلاب البارزين الذين يقودون أي حراك وإرسالها إلى الجهاز.
إذاً، الأسلوب المتّبع من قبل الأمن الوطني ليس جديداً، فطلاب الجامعات في عهد مبارك كانوا يعرفون "جواسيس الداخلية" جيداً، حتى إنهم كانوا يستخدمون لفظ "عصافير" السيئ، للإشارة إليهم. ويتعلق عمل هؤلاء الجواسيس من الطلاب، بجمع معلومات عن أي شيء غريب يحدث في الجامعة، تحديداً داخل كليتهم. يُذكر أن في كل كلية عدداً وافراً من "العصافير". كذلك يتطلع هؤلاء إلى جمع أسماء قادة الحراك أو الطلاب الذين يملكون تأثيراً على زملائهم، بالإضافة إلى تحديد أماكن سكن بعضهم وكتابة تقارير حول رأيهم بعدد من الأوضاع الراهنة.
وعادة ما يحصل هؤلاء الجواسيس على مقابل مادي لقاء هذه الخدمات المقدّمة لجهاز الأمن الوطني، أو على أقل تقدير وعود بمنحهم امتيازات، من قبيل عضوية اتحاد الطلاب أو درجات عالية في المواد أو تسريب الامتحانات لهم.
وبحسب أحد طلاب جامعة القاهرة، فإن "العصافير" أو جواسيس الأمن الوطني من الطلاب، معروفون لدى التكتلات الشبابية الثورية أو الحزبية. يقول، مفضّلاً عدم الكشف عن هويّته، لـ"العربي الجديد"، إنه "بمنتهى البساطة يمكن معرفة هؤلاء الطلاب الجواسيس، من خلال أمور عدة. ولعلّ أبرزها كثرة الأسئلة حول الأنشطة التي يقوم بها طلاب حزب أو تكتل معيّن داخل الجامعة". يضيف أن هؤلاء دائماً ما يسألون عن الأسماء الكاملة لأشخاص بعينهم، فضلاً عن اتجاه إلى إبداء آراء بعيدة تماماً عن جوهر الموضوعات المطروحة، وتتبّع خطوات اجتماعات ولقاءات التكتلات المعارضة للسيسي. ويشير إلى أن هؤلاء يبدون رغبة كبيرة في المشاركة، إلا أنهم لا يشاركون مطلقاً في أي تظاهرة أو حراك طالبي. ويؤكد أن الطلاب الموالين للأمن الوطني، عادة ما تظهر عليهم مظاهر ثراء فجأة، بالإضافة إلى كثرة المكالمات الهاتفية التي يجرونها لثوانٍ معدودة. ويتابع أن بعض الطلاب الذين ينظمون تظاهرات معارضة للسيسي، تبلّغوا بأن بعض الجواسيس يسألون عن أسمائهم الكاملة. ويفاجأ الجميع من ثم، بأن أصحاب تلك الأسماء حوّلوا إلى التحقيق. هكذا، يُعرف أن من سأل عنهم، يعمل مع الأمن.
من جهة أخرى، يفيد مصدر أمني بأن ملف الجامعات والتعامل فيه ليس من اختصاص وزارة الداخلية وإنما جهاز الأمن الوطني. ويوضح أن مسؤولية وزارة الداخلية المباشرة في ما يخصّ الجامعات، تتعلق بمواجهة التظاهرات وتأمين الجامعات من الخارج. هكذا يبقى ملف الطلاب وتحركاتهم في يد الجهاز. تجدر الإشارة إلى أن الجهاز أصبح أسوأ ممّا كان عليه في التحكّم بمجريات الأمور وتعطيل أعمال الوزارة. كل شيء يمرّ من خلاله، اليوم.
ويلفت المصدر إلى أن تدخلات الجهاز باتت تسبب أزمة داخل وزارة الداخلية، إذ استعاد السلطة المطلقة في التعامل مع أي قضية في ظل تهميش دور أجهزة الأمن الأخرى. ويتحدّث عن ضباط في الأمن الوطني ألقوا القبض على بعض الطلاب بدعوى أنهم يشاركون في التظاهرات، من دون أن تعلم مديرية الأمن بذلك من الأساس، على الرغم من أنه مجرد جهاز جمع معلومات.
إلى ذلك، لم تتوقف حملات الاعتقالات التي يشنها جهاز الأمن الوطني بناءً على المعلومات التي يحصل عليها من الطلاب "العصافير"، وقد نفّذت حملات اعتقال كبيرة في محافظات عدّة لعشرات الطلاب قبل أسبوع وأكثر.
اقرأ أيضاً: شهيد ومصاب ومعتقل في كشوف جامعات مصر