"عقابْ أحد": قاع المدينة ونعومتها المزيفة

26 ديسمبر 2015
(من العرض)
+ الخط -

في مسرحية "عْقابْ أحد"، التي انطلقت عروضها يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، يقتبس المسرحي التونسي غازي الزغباني نصّاً للكاتب الأميركي إدوارد ألبي الذي عُرف بحدّة انتقاده للحياة الأميركية وتعريته المباشرة لزيف قيمها وادّعاءاتها.

يدخل المتفرّج إلى قاعة عرض "فضاء لارتيستو" في تونس العاصمة، ليجد موفّق (الذي يلعب دوره الزغباني) جالساً يقرأ في مجلة على مقعد خشبي في حديقة، ويستمر في قراءته طوال مرحلة جلوس المتفرّجين في مقاعدهم (الأعلى من الركح الذي يدور فيه العرض).

لا يقطع قراءة موفّق في مجلّته سوى دخول الممثل محمد حسين قريع (في دور فرحات)، عابثاً بلحظات الهدوء التي جاء يطاردها موفّق "عْقابْ أحد" (أي بقية نهار يوم الأحد) من خلال أسئلة تكون في البداية سبب نفور من موفّق، قبل أن ينجح فرحات في استدراجه للحديث من خلال إحراجه بكونه لا يريد الحديث إليه؛ ما يضطره إلى مسايرته من باب اللياقة الاجتماعية.

يدخل الرجلان في دردشة سرعان ما تفتح على أفقين في المجتمع التونسي. من خلال ما يحكيه فرحات من يومياته، يضاء قاع المدينة في متاهاتها الليلية وعلاقات عناصرها المعبّأة بالعصبية والتشاحن، راسماً عوالم هذه الفئات وصعوبات حياتها.

في مقابلها، تظهر تفاهة الحياة الهانئة التي تعيشها شريحة الموظفين والمثقفين، من خلال إجابات موفّق التي يقابلها محاوره بالسخرية من عاداته والأشياء الصغيرة التي يؤثث بها حياته.

بمرور العرض، نكتشف أن موفق مسؤول في دار نشر يعيش حياة أسرية هادئة. إنه يبدو رمزاً لشريحة من المثقفين الذين تظهر، بقليل من الإمعان والتفكيك، هشاشة العوالم التي يحبّون أن يستكينوا إليها.

لعل أبرز ما يركّز عليه العرض أضواءه هو الافتقار إلى القدرة على حماية المساحة التي يحب مثقف أو باحث عن الهدوء والسكينة، أن يتركها لنفسه، والتي يبدّدها عامل تفجير يأتي من المجتمع نفسه؛ ذلك الشاب العاطل عن العمل الذي لا يجد وسيلة للحركة في مجتمعه سوى ببث الفوضى فيه وفرض نفسه عليه.

من خلال الشخصيّتين، يتبادل شقّان من المجتمع التونسي الكشف والتعرية. في لحظات تتصادم وجهات النظر، فيسبّ أحدهما الآخر، كل بتركيبات لغته الخاصة، لغة طبقته. حين يضيق موفّق باقتحام فرحات لمناطق حميمة من حياته، يأمره بالمغادرة ويهدّده باستدعاء الشرطة، ثم ينادي عليه فلا يرد أحد، ليبدأ في اكتشاف فراغه من القدرة في مقابل إمساك محدّثه بكل خيوط الحديث والفضاء الذي يشتركان فيه.

في لحظة تصعيد أخرى، يسخر فرحات من سلبية موفّق، ويدعوه إلى أن يصارع من أجل مقعده وخلوته التي أفسدها عليه، يحاول موفّق تحاشي الصراع، بتبريرات فكرية وغيرها، ثم لا يجد مفرّاً من أن يصارعه وهو يرتعد خوفاً.

هنا، في لحظة الذروة المسرحية، يسحب فرحات مطوى، ثم سرعان ما يلقي بها إلى موفّق ويدفعه إلى طعنه، ليسقط على المقعد الخشبي ميتاً، بينما يهرب موفّق في لحظة انطفاء الأضواء في القاعة.



اقرأ أيضاً:
 إقبال نعيم.. مسرح لا يتّسع لبغداد