يتذاكى مسؤولو الوزارة حين يقدّمون كشفاً يضمّ جميع المناسبات التي ترعاها الوزارة طيلة العام الحالي بشكل طبيعي باعتبارها مخصّصة لهذه التظاهرة، معتبرين أن المعارض التشكيلية المبرمجمة سلفاً لفنانين مبتدئين وأن المحاضرات والندوات الدورية المقرّرة سابقاً في العاصمة والمدن الأردنية، وحفلات الأغاني الوطنية والتراثية شبه الدائمة هي جزء أساسي من خطة "عاصمة الثقافة الإسلامية".
يشكّل التركيز على كثرة النشاطات المؤشر الأساسي الذي يقيس أداء الوزراء المتعاقبين على "الثقافة"، الذين يبعثون بيانات بعددها المفصّل كل عام للإشارة إلى "الإنجازات" التي يقومون بها، حتى لو تضمنّت ندوة بعنوان "كيف أكون وسطياً" يشارك فيها كتّاب وباحثون لا يعترف أحد بكتاباتهم وأبحاثهم سوى الوزارة نفسها.
يتساءل المتصفّح لبرنامج مطبوعٍ في أكثر من ثلاثين صفحة عن السبب وراء استعراض كلّ هذا الكم من الفعاليات التي لا يجمع بينها رابط، وحتى تلك التي وُضعت من أجل التظاهرة فإنها تعبّر عن ارتجال وسطحية في التخطيط والتنظيم يدلّ عليها عناوينها وعدم اكتمال محاورها أو تبيان المشاركين فيها، ومنها: "أهمية التعليم الديني"، و"الإسلام مواقف مضيئة"، و"تفعيل قيم المحبة والتسامح التي دعا إليها الإسلام".
يكشف الإعلان عن برنامج الاحتفالية عن مسألتين اثنتين تحاول المؤسسة الرسمية إخفاءهما؛ الأولى تتعلّق بضعف الكوادر التي تعمل لديها وعدم قدرتها على وضع تصوّر يتناسب مع أهداف عواصم الثقافة الإسلامية، وهي تشترك في ذلك مع غيرها من وزارات الثقافة في البلدان الإسلامية.
والثانية تتصل بميزانية الوزارة التي لا تتجاوز 8 ملايين دينار (أقل من 12 مليون دولار) يذهب أكثر من 80% منها لتغطية النفقات التشغيلية من أجور ورواتب، وأن البقية منها لا تكفي لدعم المهرجانات والمؤتمرات المقرّرة سنوياً.
يقترح المنظّمون إقامة "ملتقى عمّان الثقافي" تحت عنوان "الدولة المدنية" بمشاركة واسعة من المفكرين والأكاديميين الأردنيين والعرب والأجانب؛ لا أسماء أو محاور محدّدة ولا موازنة مخصصّة له حتى اللحظة، ناهيك عن "التخوّفات" المتوارثة لدى موظّفي الوزارة حيال طروحات الفلسفة والفكر التي لم يُخصص لها سابقاً نشاط واحد خشية أن تُناقش مصطلحات ومفاهيم مثل العلمانية والليبرالية وغيرها.
"الأمن الثقافي" بات شعاراً ثابتاً في خطاب الوزارة، بعد أن أُسّس له دائرة خاصة في داخلها يرأسها ضابط متقاعد، لذلك ارتأى القائمون على الاحتفالية تنظيم "برنامج تنوير" الذي سيقام تحت عنوان "نحو مجتمع إنساني متنوّع متعايش آمن ومستقر"، ويتناول الظواهر المجتمعية السلبية كالعنف والتطرّف والمغالاة، بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، ولم تتضح بعد تفاصيل ورشات العمل التي تقام خلاله، لكنه جرى الإعلان عن حملة تثقيفية توعوية من خلال الوعاظ والخطباء في المساجد، والذي يحرّم كثيرون منهم حتى اليوم الموسيقى والتشكيل والسينما وغيرها من الفنون.
يبقى تساؤل أخير عن معنى الدور الذي تقوم به وزارة الثفافة الأردنية في محاربة الإرهاب، وهي الجهة التي تمنح تراخيص لتأسيس جمعيات دينية تنتشر في البلاد، ويقوم أعضاؤها بتكفير أغلب ما تنظّمه الوزارة من أنشطة وما تصدره من مجموعات شعرية وقصصية وروائية.