لم يكن ينقص أغنية إليسا الوطنية "عم ثور"، إلا مُوزّع تونسي ربما، حتى يكتمل عقد الأغنية الثوري الذي صاغته الشاعرة السورية، سهام الشعشاع، عبر كلمات مرهفة الحس، أنصفت فيه المرأة وحراكها المدني. إذْ تحاول الأغنيّة أن تظهرَ نظرة المرأة للوطن، في سياق مختلف للتقليد السائد، بأن يُنْسَب الوطن عادةً، مثلاً، في الكلمات الغنائية لمفاهيم القوة والبطولة المرتبطة اجتماعيّاً بالرجل.
ثورة عابرة للطوائف
هكذا بدأت حكاية الأغنية، إذْ توجَّهت إليسا بالطلب للشاعرة سهام، كي تكتب لها كلمات شعرية، كانت تنوي إليسا أن تطلقها كإعلان قصير المدّة، يعبر عن الحراك النسوي الواضح والصريح في جموع المتظاهرين في الثورة اللبنانيَّة. إذْ لم تحمل الثورة اللبنانيَّة أي صبغة طائفيّة، ولم ترتبط بطبقة اجتماعيّة معينة، أو بفئة عمرية محددة. بل جاءت ثورة عامة، تشارك فيها قطاعات نسوية واسعة، ومن مدن مختلفة، تختلف في تركيبها الديموغرافي وطبيعة الحياة الاجتماعية فيها.
هموم المرأة
ورصدت قصيدة سهام في كلماتها هم المرأة اللبنانية الموحد، في وجه قانون مجحف، لا يمكّن المرأة من نيل حقوقها في مجتمع ذكوري، يحرمها من أبسط حقوقها، مثلاً، كحق المتزوجة من غير لبناني في إعطاء الجنسيَّة لأولادها. وبعد الاتفاق الأولي على الإعلان، وجدت كلّ من سهام وإليسا أن الكلمات تستحق أغنية، وليس فقط إعلاناً قصيرًا. وهكذا تم انتقاء ثلاثة مقاطع، وإسنادها للملحن المصري محمد رحيم الذي تعاونت معه إليسا في ألبوماتها السابقة.
وهنا كانت المفاجأة، إذْ تمكنّ ملحن مصري من مقاربة أجواء الحراك في لبنان، وتقديم لحن حيوي، لن يجده اللبنانيون جامداً أو بعيداً عن موسيقاهم المألوفة. بالمقابل، حقق رحيم قفزة في طريقة صناعة الأغنية الوطنية، عبر كسر القوالب الجامدة لهذا النوع من الأغنيات. وحاول رحيم أن يحقّق تنوُّعاً بين الموسيقى المنخفضة والمرتفعة مع "ثيمات" موسيقية متعددة، أخرجت الأغنية بروح جديدة تشبه إليسا، وتنسجم مع إمكانياتها الصوتية. فضلاً عن الحس العالي المقدم بانسجام الكلام مع اللحن والصوت، أي تحقيق ثلاثية متوازنة، لا يطغى فيها عنصر على الآخر.
وزادت جمالية الأغنية اللقطات المعتمدة التي تظهر فيها إليسا لمرة واحدة، أثناء مشاركتها بالاعتصام في "ساحة الشهداء" أيام الثورة الأولى، ثمَّ تقدّم لقطات من المظاهرات التي عمت كافَّة أرجاء لبنان في عملية مونتاج بمعايير اختيار عالية ومؤثرة.
وإذ تنسجم إليسا مع سهام الشعشاع في الموقف السياسي المؤيد للثورة السورية، تقدم سهام عملاً وطنياً من أشعارها بعد زواجها من لبناني، وتكتمل التوأمة بلحن مصري قادم من عمق بلد ثريٍ بالحرية، هو مصر، ألهم بثورته جيلاً عربيّاً كاملاً. هكذا تكون "عم ثور" أغنية تفوح بحرية شارع عربي كامل.