كشفت مصادر قضائية مصرية، أن "وحدة مكافحة غسيل الأموال التي يرأسها المستشار أحمد السيسي، شقيق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بدأت في إعداد تقارير تتهم عدداً من النشطاء الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني بارتكاب جرائم غسيل أموال". وذلك من واقع مراقبتها للحسابات المصرفية الخاصة بتلك المنظمات، واعتبار أن التقارير ستحال إلى لجنة التحقيق القضائية برئاسة المستشار هشام عبدالمجيد، التي تجري تحقيقات موسعة في القضية 173 لسنة 2011 المعروفة إعلامياً بـ"التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني".
في هذا السياق، أفادت المصادر، لـ"العربي الجديد"، بأن "الوحدة استعانت بتقارير صادرة عن هيئة الرقابة الإدارية التي تُجري التحريات المالية الخاصة بالقضية، من خلال اتصالات مباشرة ومراقبة على مدار الساعة لحسابات مؤسسي ومديري بعض المنظمات. وذلك بالتزامن مع تجميد حسابات عدد من المنظمات غير الممنوعة رسمياً من التصرف في أموالها، كمركز النديم الذي تم تجميد حساباته الأسبوع الماضي بحجة مخالفته قانون الجمعيات الأهلية، على الرغم من أن معظم المنظمات تخالف هذا القانون من الناحية الإجرائية على الأقل".
وأكدت المصادر أنه بفتح ملف "غسيل الأموال" للمنظمات، فستكون القضية مكتظة بالاتهامات الكفيلة بإنهاء أنشطة حقوق الإنسان في مصر لعقود. وإلى جانب هذه التهمة الجديدة، توجه لجنة التحقيق للنشطاء الحقوقيين تهماً بتلقي الأموال من الخارج من دون سند قانوني، وتربط بين تحركاتهم في سفارات دول غربية خلال عامي 2015 و2016، وبين رحلات للخارج قاموا بها في نفس الفترة، وبين مصادر التمويل التي يتلقون منها مبالغ مالية بانتظام أو لمرات معدودة. وذلك بغية تطبيق قانون العقوبات عليهم باعتبارهم ينشرون بيانات كاذبة عن مصر في الخارج.
كما توجّه اللجنة المشتركة من وزارة المالية ومصلحة الضرائب ووزارة التضامن، التي شكلتها اللجنة القضائية لملاحقة المنظمات مالياً وضريبياً، اتهاماً لجميع المراكز غير المرخصة (ومنها جميع المراكز المتحفظ على أموالها حالياً والمراكز التي ارتبط بها الأشخاص الممنوعون من التصرف) بالتهرب الضريبي من خلال ممارسة عمل مستحق الضريبة بلا ترخيص للتهرب من أداء الضرائب.
في هذا الإطار، ذكرت مصادر قضائية، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك تعليمات بإنهاء التحقيقات في القضية قبل الصيف المقبل، وأن فوز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية أخيراً، وسيطرة الحزب الجمهوري على البرلمان، سيعطي الفرصة للنظام المصري لتحريك القضية من دون التخوّف الذي كان قائماً في السابق من توجيه الإدارة الأميركية انتقادات عنيفة للسيسي، أو مراجعة سياساتها تجاه مصر بسبب أوضاع منظمات حقوق الإنسان".
وكان القضاء المصري قد وجّه، في سبتمبر/أيلول الماضي، ضربة موجعة لمنظمات المجتمع المدني الحقوقية، اعتبرت الأقسى منذ بدء عملها في مصر عام 1993، تمثلت في إصدار أحكام بمنع خمسة حقوقيين بارزين وثلاثة مراكز حقوقية مصرية من التصرف في أموالهم، على خلفية اتهامهم بتلقي أموال من الخارج بطريقة غير مشروعة وإنفاقها في أنشطة تشكل خطراً على الأمن القومي.
وتشمل قائمة الممنوعين من التصرّف في أموالهم حتى الآن، كلا من: مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حسام بهجت، ومدير المنظمة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد وزوجته وابنته القاصر، ومؤسس ومدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان بهي الدين حسن وزوجته وابنته وشقيقه، ومدير مركز الحق في التعليم، عبدالحفيظ طايل، ومصطفى الحسن آدم من مركز هشام مبارك للقانون، ومؤسس ومدير مركز الأندلس لدراسات التسامح، أحمد سميح.
وعدّل السيسي هذه المادة في سبتمبر/أيلول 2014 لتعاقب بالسجن المؤبد وغرامة نصف مليون جنيه (نحو 60 ألف دولار) كل من "يطلب لنفسه أو لغيره أو قبِل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية، أو ممن يعملون لمصلحتها، أو من شخص طبيعي أو اعتباري، أو من منظمة محلية أو أجنبية أو أية جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبية ولا تعمل لصالحها، أموالاً سائلة أو منقولة أو عتاداً أو آلات أو أسلحة أو ذخائر أو ما في حكمها أو أشياء أخرى، أو وعد بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية، أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها، أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام".
وهذا التعديل القانوني الذي أدخله السيسي على المادة 78 من قانون العقوبات، يوسّع جهات تمويل الجرائم ليشمل تلقي الأموال بقصد إضرار البلاد سواء من الداخل أو الخارج. كما لم يعد الإضرار بأمن مصر يقتضي "ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية"، بل أصبحت الجريمة تتحقق بمجرد ارتكاب فعل يمكن تفسيره على أنه "مساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها، أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام".