تفاوتت وسائل الإعلام والنخب الصهيونية في تقييمها لأسباب وخلفيات الأحداث التي شهدتها بلدة أبو سنان، في الجليل، شمال فلسطين، والتي أُصيب فيها 41 شخصاً، بعد اعتداء بعض السكان من الطائفة الدرزية، ممّن يخدمون في جيش الاحتلال، على شباب من القرية بعد اعتمارهم الكوفية الفلسطينية. فقد اعتبرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن "هذه الأحداث ناجمة عن سياسة فرّق تسُدْ، التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ضد فلسطينيي الداخل"، في حين حاولت النخب اليمينية المتطرفة تأجيج الخلاف، من خلال الزعم بأنه نتاج صراع مذهبي يحاول فيه المسلمون استغلال تفوّقهم الديموغرافي للتغوّل على الدروز.
وذكرت صحيفة "هآرتس"، في مقالها يوم الثلاثاء، أن "جذور سياسة فرّق تسد، التي تغذي التوتر بين الدروز وغيرهم من مكوّنات فلسطينيي الداخل، تعود إلى القرار الذي اتخذته إسرائيل عام 1956، بعد أن فرضت الخدمة العسكرية الإجبارية على الشباب الدرزي".
وشددت "هآرتس" على أن "حكومات إسرائيل المتعاقبة، حرصت على اللعب على الوتر المذهبي بين كل المكونات الفلسطينية، على اعتبار أن هذا ما يمثل مصلحتها". ولفتت إلى أن "إسرائيل رأت في فلسطينيي الداخل مجموعتين، لا ثالث لهما، مجموعة تمثل العرب الجيدين، وأخرى تمثل العرب السيئين. وعلى هذا الأساس، فإن مَن يخدم في الجيش الإسرائيلي هو عربي جيد، ومَن لا يخدم هو عربي سيئ".
وأوضحت الصحيفة أن "إسرائيل ونخبها دائماً ما عدّت المسلمين كطابور خامس، في حين يمثل الدروز جزءاً لا يتجزأ من الجسد الإسرائيلي". وأضافت: "معيار الولاء للدولة، الذي حددته نخب الحكم، هو الخدمة العسكرية في الجيش، وهو ما يجعل مفهوم المواطنة خالٍ من أي مضمون. مع العلم أن المواطنة كان يجب أن تعني تحقيق المساواة بين الجميع، بغض النظر عن الانتماءات الدينية والمذهبية".
وعزت الصحيفة الربط بين حجم الحقوق التي تمنحها الدولة وبين الخدمة العسكرية، مصدراً من مصادر التوتر بين الذين يملكون الحقوق، بسبب خدمتهم العسكرية، وبين المحرومين منها، بسبب رفضهم الخدمة. وأعادت الصحيفة إلى الأذهان حقيقة أن "اللعب على وتر الخلافات الدينية والمذهبية بين مكوّنات الشعب، الذي يقع تحت الاحتلال، كانت دائماً الاستراتيجية التي راهنت عليها الدول الاستعمارية، والتي هدفت بشكل أساسي إلى منع تفجر مقاومة ضد الاحتلال. وهي الاستراتيجية عينها التي تطبقها إسرائيل في تعاملها مع فلسطينيي الداخل".
وترى "هآرتس" أن "دولة مسؤولة كان يتوجب عليها أن تعمل على التقريب بين مواطنيها، لا أن تصب الزيت على نار الخلاف والتوتر بينهم". كما جاء في تقرير آخر للصحيفة، يوم الاثنين، أن "إسرائيل نجحت في تكريس التفرقة بين الدروز وغيرهم من العرب، عن طريق فرض نظام تعليمي خاص بالدروز، يختلف عن النظام التعليمي الخاص بباقي العرب. وهذا ما فاقم من أزمة الهوية لدى الدروز، وراكم من عوامل تفجر العلاقات بينهم وبين غيرهم".
وفي مقال نشرته الصحيفة، الأحد الماضي، طالب مرغليت الدولة بـ"الوقوف إلى جانب الدروز وعدم السماح للمسلمين بالتأثير على العلاقة بين الدروز والدولة". لكنه يقرّ بأنه "على الرغم من الثمن الكبير الذي دفعه الدروز في الدفاع عن الدولة، إلا أنهم لم يحصلوا في المقابل إلا على وعود من دون أفعال".
أما الكاتب اليميني، رؤوفين بيركو، والذي كان أحد قادة وحدة تجنيد العملاء في شعبة الاستخبارات العسكرية، فقد عزا ما حدث في أبو سنان، إلى الأنشطة التي تقوم بها "الحركة الإسلامية" بقيادة الشيخ رائد صلاح.
واتهم الحركة بـ"التحريض على الدروز بسبب مشاركتهم في حمل الأعباء الأمنية". وفي مقال نشرته "يسرائيل هيوم"، يوم الثلاثاء، وجد بيركو في الأحداث فرصة للتحريض على "الحركة الإسلامية"، وتشبيه أنشطتها بأنشطة "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
مع أن أحداً من الفرقاء في أبو سنان أو من ممثلي الأجهزة الأمنية، لم يُشر من قريب أو بعيد، إلى دور لـ"الحركة الإسلامية". ومن المفارقة أن النخب الصهيونية اليمينية التي تحاول استغلال أحداث أبو سنان لتعميق الشرخ في الداخل الفلسطيني، لم تحرك ساكناً إزاء سلوك المستوطنين اليهود العنصري تجاه الضباط والجنود الدروز الذين يخدمون في الجيش وفي قوات حرس الحدود.
فعلى الرغم من أن المئات من الدروز قد قُتلوا في حروب إسرائيل، إلا أن قطاعات من المستوطنين اليهود تتعامل معهم مثل سائر العرب. فقد رفض سكان مستوطنة "ألون موريه"، القريبة من نابلس، العام الماضي، السماح لضباط دروز يخدمون في شرطة "حرس الحدود" من دخول المستوطنة، بحجة أنهم "عرب".
كما اعتدى مستوطنو الخليل على ضباط وجنود دروز، مع العلم أن هؤلاء الضباط والجنود قدموا لتوفير الحماية لهؤلاء المستوطنين. والمفارقة أن بعض السياسيين الذين يمثلون الدروز في الكنيست، ينافسون غلاة اليمين الصهيوني المتطرف في تبني التوجهات المعادية للعرب. فعلى سبيل المثال، وقّع عضو الكنيست الدرزي حمد عمار، الذي ينتمي إلى حزب "إسرائيل بيتنا"، الذي يقوده وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، الشهر الماضي، على مشروع قانون يدعو إلى إلغاء مكانة اللغة العربية كلغة رسمية في إسرائيل.