بعد سنوات من وفاة والده متأثراً بجروح أصيب بها بتفجير إرهابي، استهدف شارع المتنبي في بغداد، عاد الشاب ياسر عدنان مجدداً لمزاولة مهنة والده، الذي كان يملك أحد أبرز دور النشر في العاصمة العراقية (دار عدنان للنشر)، لكن هذه المرة بطريقة أكثر حداثة، وتماشياً مع حاجة المثقفين في بغداد، فكانت فكرة افتتاح مقهى "قهوة وكتاب"، ليكون أول مقهى في بغداد يقدم الكتب والقهوة لزبائنه.
ويقول عدنان لـ"العربي الجديد": "إن مشروع (قهوة وكتاب)، هو الأول من نوعه في العراق، هو عبارة عن كافتيريا تحتوي على مكتبة وتقدم المشروبات والحلوى والمعجنات"، موضحاً أن "القهوة تجد طريقها بسهولة مع الكتاب، ولهذا كانت التسمية قهوة وكتاب، والمكتبة عامة للقراءة وأيضاً لبيع الكتب".
ويضيف "تخوفت في البداية من عدم نجاح المشروع، لكن الحمد لله ارتاد المثقفون هذا المكان وانتشر الاسم بسرعة في الوسط الثقافي وبين عامة الناس حتى لاقى مشروعي رواجاً واسعاً، وبدأت الفكرة تنتشر كمشروع تجاري وثقافي يستقطب مجموعة معينة من الجمهور".
كما يشير إلى أنه عمد إلى توسعة المكان ليستوعب أكبر عدد من الزبائن، وأيضاً حتى يتسع للجمهور الذي يحضر الندوات الفكرية والنشاطات التي تقام في المقهى، لافتاً إلى أنه بعد نجاح مشروعه، افتتح أكثر من شخص في محافظات العراق الأخرى مشاريع مشابهة.
ويؤكد ياسر أن أكثر ما شغله بعد وفاة والده عام 2007، هو الحفاظ على "دار عدنان للنشر والتوزيع"، ويقول "جاهدت على أن تبقى مكتبة أبي ولكن بطريقة عصرية، فكان هذا المشروع في الكرادة ليكون امتداداً حيّاً لشارع المتنبي. وبهذا المشروع تمكنت من الحفاظ على الكتب واسم أبي مع تقديم فرص للشباب بالمطالعة واقتناء الكتب، بطريقة عصرية".
بدوره، يقول مصطفى الربيعي، وهو أحد رواد المقهى، إن هذا المشروع "صالون ثقافي وأدبي نجتمع فيه من غير موعد، فهنا ترى أغلب الأدباء والمثقفين والإعلاميين، وحتى الناس العابرين هنا تراهم من المهتمين بالثقافة والأدب والشعر، ونتناقش في أمور شتى، فما أن نخرج من المواضيع الأدبية حتى ندخل في الوضع العام وما يشغلنا".
ويضيف "تمكن مشروع قهوة وكتاب من جمع المختلفين والمتخالفين بالآراء، بالإضافة إلى إحيائه نشاطات عجزت عنها مؤسسات كبرى، منها حفل توقيع كتاب في كل أسبوع وندوات شعرية وأدبية، وقراءات وجلسات موسيقية غنائية تراثية، كل هذه الاهتمامات في مشروع قهوة وكتاب".
كذلك يشير الدكتور أحمد عبد اللطيف إلى أن "ارتياد أي فضاء هو حتماً للمشتركات الموجودة في ما بيننا، فمجيئنا لهذا المكان هو لأسباب عديدة، منها تنمية الذهن، وخلق علاقات مع الآخرين لمناقشة هذه الكتب أو لمناقشة ظروف ثقافية ومعرفية واجتماعية وسياسية، ولهذا يعدّ مكاناً تنويرياً عندما تجد العقل فيه تحت ضغط الأسئلة الملحة اجتماعياً ثقافياً سياسياً جمالياً".