"تصريحات المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية (الأميركية)، تقوّض حلف شمال الأطلسي خصوصاً حين يثير شكوكاً حول دفاع واشنطن عن شرق أوروبا". هكذا رد وزير خارجية الدنمارك، كريستيان ينسن، على تصريحات المرشح دونالد ترامب، التي أطلقها الأربعاء الماضي في ولاية ميسيسيبي الأميركية، بحضور أحد أبرز قادة حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، نايجل فراج. واستخدم ينسن تعبير "كمن يسير في طريق خطر" للدلالة على امتعاض دول عدة في شرق وشمال أوروبا من إصرار ترامب على مواقفه في أكثر من إطلالة إعلامية، مثل المقابلة التي أجرتها معه صحيفة "نيويورك تايمز" حول سياساته الخارجية، في 22 يوليو/تموز الماضي.
المقلق بالنسبة لهؤلاء أن ترامب خرج بموقف أميركي غير مسبوق، منذ نشوء الحلف الأطلسي، بالقول "على دول البلطيق ودول الناتو أن تدرك بأنها لا يمكنها بالضرورة الاعتماد على جيش الولايات المتحدة، إذا لم تدفع فواتيرها بأنفسها ولم ترْقَ (تلك الدول) إلى مستوى التزاماتها". ويعتبر السياسيون الأوروبيون تصريحات ترامب، والتي تكررت يوم الأربعاء الماضي، متعارضة تماماً مع موقف صدر عن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في قمة "الأطلسي" في وارسو، في شهر يوليو/تموز، ومفاده بأن "موقف أميركا لا يتزعزع في الالتزام بالأمن الأوروبي".
في هذا السياق، قال ينسن إن تصريحات المرشح الجمهوري "هي محاولة خطيرة جداً لامتحان مدى التضامن بين دولنا (الأطلسي)". ومنذ ضمت موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014، ازداد منسوب القلق لدى دول البلطيق وبولندا. هذا الأمر دفعها نحو زيادة الإنفاق الدفاعي والتركيز على الجبهة الروسية. وجاء قرار الحلف الأطلسي نشر 4000 جندي في إستونيا ضمن خطوات تطمينية برعاية مباشرة من إدارة أوباما. لكن تصريحات ترامب، بعد أسابيع من قمة الناتو وإرسال تعزيزات إضافية إلى دول مجاورة لروسيا، تضع هذه الدول أمام احتمالات أخرى مثيرة للقلق. ولم يتردد الأمين العام للحلف الأطلسي، ينس ستولتينبيرغ، في انتقاد مواقف ترامب. كذلك فعلت الخارجية الدنماركية، على لسان وزيرها، الذي طالب يوم الجمعة الماضي ترامب بـ"التوقف عن إطلاق تلك التصريحات المثيرة للجدل".
انطلاقاً من ذلك، بدأ قادة دول البلطيق بطرح أسئلة جدية حول ما ستكون عليه الأمور في حال فاز ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. القلق البلطيقي، خصوصاً مما يُعْتَبر "استفزازاً روسياً متزايداً"، أثار انتباه صناع القرار الحاليين في واشنطن. لذلك، كانت الغاية من زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى ليتوانيا، في 23 أغسطس/آب 2016، تهدئة وطمأنة تلك الدول. وقد تعهد بايدن بالقول: "أؤكد لجميع شعوب البلطيق: تعهداتنا شرف". وأضاف أن واشنطن "ملتزمة بمعاهدة حلف شمال الأطلسي والمادة الخامسة". وبالنسبة لتصريحات ترامب التي أثارت القلق، طالب بايدن دول البلطيق بألا تأخذ على محمل الجد "ما تسمعونه من مرشح في حزب آخر. ففي الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) متمسكين بالتزاماتنا في الناتو". يبدو أن عبارات الطمأنة التي أعلنها بايدن وجدت آذانا صاغية. لكنها غير كافية لأن ترامب أصر، بعد تلك الزيارة، على مواقفه (في خطابه الأربعاء الماضي).
ورأى كاسكامب أن "دعوة ترامب لدفع الفواتير ذاتياً هي ليست المشكلة الكبيرة. فدول البلطيق وشرق أوروبا بدأت برفع ميزانيتها الدفاعية"، مشيراً إلى أن بولندا وإستونيا "تخصصان 2 في المائة من الدخل القومي في هذا الاتجاه، فيما تسير ليتوانيا في ذات الطريق". لكن الخبير اعتبر أن مشكلة تصريحات ترامب تكمن في أنه "يلقي فجأة شكوكاً حول أسس وجود حلف شمال الأطلسي، وسياسة الأمن المشترك التي لا يجب أن تخضع لمساومات يريدها ترامب". ووفقاً للخبير نفسه فإنه "إذا أخذنا التصريحات السابقة لترامب حول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المليئة بالإطراء، فإن حلم الأخير سيكون قد تحقق إذا وصل ترامب إلى السلطة وهو ما يقلق كثيراً دول عدة في المنطقة".
يبدو أن ترامب بات يشكل كابوساً لساسة كثيرين في دول الشمال والبلطيق وشرق أوروبا. والأكثر تعبيراً عن هذا الكابوس، في حال تربع على "عرش" البيت الأبيض، جاء على لسان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في ليتوانيا، أوجارس كالنينس، وفقاً لما نقلت عنه صحيفة "فايننشال تايمز" يوم السبت بالقول: "بالنسبة لنا، بالنسبة لأوروبا ولأي بلد لديه علاقات مع الولايات المتحدة، فإنه سيكون كابوساً حقيقياً".