13 فبراير 2022
"كتالوغ" الحكم العسكري في مصر
يسير النظام الحالي في مصر حرفياً على خطى الأنظمة العسكرية التي وصلت إلى السلطة، خلال القرن الماضي، سواء في أميركا اللاتينية أو إفريقيا أو آسيا وكذلك تركيا. وكي تعرف ماذا ينتظر مصر تحت الحكم العسكري الحالي، ليس عليك سوى أن تفتح أي كتاب عن ممارسات هذه الأنظمة في أثناء وجودها في السلطة، وتقرأ ماذا حدث لبلدانها، فكتالوغ السلطة العسكرية واحد، والوصفة جاهزة ومعروفة، ويجري تطبيقها حرفيا في كل الحالات، على طريقة "الفيلم ده أنا شوفته قبل كده".
في الأنظمة العسكرية، يبرر الجنرال الذي قفز إلى السلطة ذلك بعدة شعارات، أهمها أنه تدخل من أجل "حماية الدولة من الانهيار"، على نحو ما حدث في انقلابات السلفادور (1931) وتشيلي (1973) والأرجنتين (1976)، وذلك بعد فترة من الصراعات والاضطرابات التي عمت البلاد، لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية. أو أن يرفع شعار أنه "المخلص والمنقذ للبلاد من حالة الفوضى"، مثلما قيل عن الجنرال يحيي جامع الذي وصل إلى السلطة في غامبيا في انقلاب عام 1994 وما زال فيها، أو شعار "حماية الهوية القومية للبلاد"، مثلما قال الجنرال التركي كنعان إفرين عشية تنفيذ انقلابه في 12 سبتمبر/أيلول 1980، أو شعار "وضع حد للانقسامات السياسية وفشل النخب المدنية في التوافق"، مثلما فعل الجنرال برايوت تشان أوتشا، قائد القوات المسلحة الملكية الذي انقلب على السلطة المنتخبة في تايلاند في مايو/أيار 2014.
وكعادة "أم الدنيا" في التفرد والتميز عن الآخرين، فقد رُفعت فى انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 كل هذه الشعارات من دون استثناء. فحتى الآن، لا يمل "العقل السيساوي" المشوّه من تكرار المقولات المتهافتة التي برر بها الانقلاب، ولا يزال يكررها كالببغاء، كي يبرر سياسات القمع والعنف والتصفية الجسدية التي تتبعها السلطة العسكرية حالياً. فالسيساوية، نخبة وجمهوراً، يرددون المقولات نفسها التي رددها جمهور الانقلاب في أميركا اللاتينية وإفريقيا وآسيا وتركيا. فمعظمهم مقتنع، أو هكذا أوهمتهم بروباغندا الأذرع الإعلامية، بأن الجنرال عبد الفتاح السيسي "أنقذ البلاد من الدخول في أتون حرب أهلية"، وأنه جاء "للحفاظ على هوية الدولة الوطنية وثوابتها" وأنه "حمى البلد من الفوضى"، وأنه "أفضل من المدنيين الخرعين"...إلخ. وكأنهم لا يرون عمليات التصفية والقتل والعنف والإرهاب والاشتباك اليومي، وكأنهم لا يشعرون بالانقسام المجتمعي والعائلي والشخصي غير المسبوق الذي يدفع مصر كل يوم نحو الاحتراب الأهلي، وكأنهم لا يعيشون الفشل الاقتصادي والأمني الذريع الذين يدفعون ثمنه نيابة عمن يؤيدونه، وكأنهم لا يعترفون بالاعتماد المالي والاتكال الاقتصادي على الخارج، وكأنهم لا يسمعون عن التبعية والانبطاح أمام الغرب. بل الأدهى، أن يخلع العقل السيساوي على رئيسه ألقاباً أسطورية تجاوزت ما أطلقه الانقلابيون على أنفسهم في أماكن أخرى من العالم. فالسيسي بالنسبة لهم هو "النبي" و"الطبيب" و"الفيلسوف"، وأخيراً شبيه الصحابي الجليل، خالد بن الوليد.
وفي معظم الأنظمة العسكرية، يقوم قائد الانقلاب بترقية نفسه لكي يشعر بالزعامة، مثلما فعل يحيى جامع قائد انقلاب 1994 في غامبيا الذي قام بترقية نفسه من رتبة ملازم إلى عقيد في الجيش. والطريف ما يذكره الدكتور حمدي عبد الرحمن، المتخصص فى شؤون إفريقيا، أن الجنرال جامع ادّعى فى عام 2007 أنه "قادر على علاج مرضى الإيدز عن طريق الأعشاب... ووفقا لقصر الرئاسة الغامبي، فإن الرئيس جامع يزعم أيضا امتلاكه معرفة واسعة بطرق العلاج العشبية التقليدية، وخصوصاً علاج الربو والصرع". (هل يذكّركم هذا بشيء؟)
ولا يمكن للحكم العسكري تثبيت نفسه وسلطته إلا عبر انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، مثل القمع والاعتقال والمطاردة والقتل والتصفية واختطاف الصحفيين والسياسيين المعارضين، والسيطرة على الإعلام وتوجيهه، وتقسيم العالم إلى فسطاطين: أن تكون وطنياً أو خائناً، موالياً أو عميلاً، منبطحاً أو متمرداً... إلخ. وبعد فترةٍ، يتحول قطاع من الشعب إلى مجرد "كتلة صماء"، تحركه السلطة، وينوب عنها في التنكيل بالآخرين، ويدافع عن جرائمها بفاشية وحماس ومزايدة منقطعة النظير. ويصبح الأمر أشبه بحالة سيكولوجية مرضية، ينظر فيها هذا القطاع إلى نفسه باعتباره "أنقى شعوب الأرض"، وإلى بلده باعتباره "أفضل بلاد العالم"، وإلى قائده باعتباره "أقوى زعيم على وجه الأرض" أو "الزعيم الدكر".
أما عن إجراءات الحكم العسكري فهي معروفة أيضاً، ويتم استنساخها حرفياً من التجارب الانقلابية السابقة. وهي تبدأ عادة بعزل، أو إخفاء، أو التخلص من الرئيس المنتخب، ووقف العمل بالدستور، وحل البرلمان، وفرض مراسيم وقوانين استنثائية، والسيطرة على الأحزاب، وشيطنة المعارضة، وتسييس القضاء، وتجريم الاحتجاج، ووقف التظاهر، والإخفاء القسري، والتصفية الجسدية، ثم الإعدامات. وفي معظم الحالات، وصلت أعداد الذين تم قتلهم وتصفيتهم إلى الآلاف. ففي الأرجنتين، وصل عدد الذين تمت تصفيتهم والتخلص منهم إلى حوالي 30 ألف شخص في سبع سنوات فقط بين 1976 و1983، وفي تشيلي، وفي السلفادور، وفي تركيا بعد انقلاب 1980 تم إعدام 50 شخصاً في ثلاث سنوات، واعتقال 650 ألفاً، ومحاكمة الآلاف، فضلا عن اختفاء مئات، وهكذا كانت الحال في بقية الدول التي حكمها الجنرالات في العقود الخمسة الماضية.
باختصار، ستكون نتائج الحكم العسكري الحالي في مصر كارثية ووخيمة، وستدفع ثمنها أجيال كثيرة مقبلة، لن تغفر يوماً لكل من أوصل البلاد إلى هذه الحال البائسة.
في الأنظمة العسكرية، يبرر الجنرال الذي قفز إلى السلطة ذلك بعدة شعارات، أهمها أنه تدخل من أجل "حماية الدولة من الانهيار"، على نحو ما حدث في انقلابات السلفادور (1931) وتشيلي (1973) والأرجنتين (1976)، وذلك بعد فترة من الصراعات والاضطرابات التي عمت البلاد، لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية. أو أن يرفع شعار أنه "المخلص والمنقذ للبلاد من حالة الفوضى"، مثلما قيل عن الجنرال يحيي جامع الذي وصل إلى السلطة في غامبيا في انقلاب عام 1994 وما زال فيها، أو شعار "حماية الهوية القومية للبلاد"، مثلما قال الجنرال التركي كنعان إفرين عشية تنفيذ انقلابه في 12 سبتمبر/أيلول 1980، أو شعار "وضع حد للانقسامات السياسية وفشل النخب المدنية في التوافق"، مثلما فعل الجنرال برايوت تشان أوتشا، قائد القوات المسلحة الملكية الذي انقلب على السلطة المنتخبة في تايلاند في مايو/أيار 2014.
وكعادة "أم الدنيا" في التفرد والتميز عن الآخرين، فقد رُفعت فى انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 كل هذه الشعارات من دون استثناء. فحتى الآن، لا يمل "العقل السيساوي" المشوّه من تكرار المقولات المتهافتة التي برر بها الانقلاب، ولا يزال يكررها كالببغاء، كي يبرر سياسات القمع والعنف والتصفية الجسدية التي تتبعها السلطة العسكرية حالياً. فالسيساوية، نخبة وجمهوراً، يرددون المقولات نفسها التي رددها جمهور الانقلاب في أميركا اللاتينية وإفريقيا وآسيا وتركيا. فمعظمهم مقتنع، أو هكذا أوهمتهم بروباغندا الأذرع الإعلامية، بأن الجنرال عبد الفتاح السيسي "أنقذ البلاد من الدخول في أتون حرب أهلية"، وأنه جاء "للحفاظ على هوية الدولة الوطنية وثوابتها" وأنه "حمى البلد من الفوضى"، وأنه "أفضل من المدنيين الخرعين"...إلخ. وكأنهم لا يرون عمليات التصفية والقتل والعنف والإرهاب والاشتباك اليومي، وكأنهم لا يشعرون بالانقسام المجتمعي والعائلي والشخصي غير المسبوق الذي يدفع مصر كل يوم نحو الاحتراب الأهلي، وكأنهم لا يعيشون الفشل الاقتصادي والأمني الذريع الذين يدفعون ثمنه نيابة عمن يؤيدونه، وكأنهم لا يعترفون بالاعتماد المالي والاتكال الاقتصادي على الخارج، وكأنهم لا يسمعون عن التبعية والانبطاح أمام الغرب. بل الأدهى، أن يخلع العقل السيساوي على رئيسه ألقاباً أسطورية تجاوزت ما أطلقه الانقلابيون على أنفسهم في أماكن أخرى من العالم. فالسيسي بالنسبة لهم هو "النبي" و"الطبيب" و"الفيلسوف"، وأخيراً شبيه الصحابي الجليل، خالد بن الوليد.
وفي معظم الأنظمة العسكرية، يقوم قائد الانقلاب بترقية نفسه لكي يشعر بالزعامة، مثلما فعل يحيى جامع قائد انقلاب 1994 في غامبيا الذي قام بترقية نفسه من رتبة ملازم إلى عقيد في الجيش. والطريف ما يذكره الدكتور حمدي عبد الرحمن، المتخصص فى شؤون إفريقيا، أن الجنرال جامع ادّعى فى عام 2007 أنه "قادر على علاج مرضى الإيدز عن طريق الأعشاب... ووفقا لقصر الرئاسة الغامبي، فإن الرئيس جامع يزعم أيضا امتلاكه معرفة واسعة بطرق العلاج العشبية التقليدية، وخصوصاً علاج الربو والصرع". (هل يذكّركم هذا بشيء؟)
ولا يمكن للحكم العسكري تثبيت نفسه وسلطته إلا عبر انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، مثل القمع والاعتقال والمطاردة والقتل والتصفية واختطاف الصحفيين والسياسيين المعارضين، والسيطرة على الإعلام وتوجيهه، وتقسيم العالم إلى فسطاطين: أن تكون وطنياً أو خائناً، موالياً أو عميلاً، منبطحاً أو متمرداً... إلخ. وبعد فترةٍ، يتحول قطاع من الشعب إلى مجرد "كتلة صماء"، تحركه السلطة، وينوب عنها في التنكيل بالآخرين، ويدافع عن جرائمها بفاشية وحماس ومزايدة منقطعة النظير. ويصبح الأمر أشبه بحالة سيكولوجية مرضية، ينظر فيها هذا القطاع إلى نفسه باعتباره "أنقى شعوب الأرض"، وإلى بلده باعتباره "أفضل بلاد العالم"، وإلى قائده باعتباره "أقوى زعيم على وجه الأرض" أو "الزعيم الدكر".
أما عن إجراءات الحكم العسكري فهي معروفة أيضاً، ويتم استنساخها حرفياً من التجارب الانقلابية السابقة. وهي تبدأ عادة بعزل، أو إخفاء، أو التخلص من الرئيس المنتخب، ووقف العمل بالدستور، وحل البرلمان، وفرض مراسيم وقوانين استنثائية، والسيطرة على الأحزاب، وشيطنة المعارضة، وتسييس القضاء، وتجريم الاحتجاج، ووقف التظاهر، والإخفاء القسري، والتصفية الجسدية، ثم الإعدامات. وفي معظم الحالات، وصلت أعداد الذين تم قتلهم وتصفيتهم إلى الآلاف. ففي الأرجنتين، وصل عدد الذين تمت تصفيتهم والتخلص منهم إلى حوالي 30 ألف شخص في سبع سنوات فقط بين 1976 و1983، وفي تشيلي، وفي السلفادور، وفي تركيا بعد انقلاب 1980 تم إعدام 50 شخصاً في ثلاث سنوات، واعتقال 650 ألفاً، ومحاكمة الآلاف، فضلا عن اختفاء مئات، وهكذا كانت الحال في بقية الدول التي حكمها الجنرالات في العقود الخمسة الماضية.
باختصار، ستكون نتائج الحكم العسكري الحالي في مصر كارثية ووخيمة، وستدفع ثمنها أجيال كثيرة مقبلة، لن تغفر يوماً لكل من أوصل البلاد إلى هذه الحال البائسة.