في عمل نُشر بعد رحيله بفترة قصيرة بعنوان "ريتروتوبيا"، يقترح عالم الاجتماع البولندي زيغموند باومان (1925 - 2017) قراءة نقدية لما يسمّيه "العودة إلى الماضي" والتي تتمّ عبر صورة مصطنعة من المثالية تجعل من هذا الماضي منطقة يلوذ إليها الناس هروباً من إكراهات حاضرهم.
تتمظهر هذه النزعة في الخطاب السياسي بالخصوص حين يجري استدعاء مرحلة تاريخية بعينها لبناء شرعية في الحاضر، لكن يمتدّ الأمر إلى مجالات أخرى، فمثلاً يجري استثمار نزعة "الريتروتوبيا" - نحت لغوي من كلمتين: ريترو أي النظر إلى الوراء ويوتوبيا أي المدينة المثالية - في الاقتصاد، حيث تعتمد الكثير من العلامات التجارية على علامات تشير إلى مراحل زمنية سابقة لدغدغة مشاعر أجيال بعينها.
يبدو أن هذه النزعة تصل إلى الثقافة بالتدريج، وهو ما نجده في كثير من العروض في السنوات الأخيرة، كالتي جرى تقديمها في "ساقية الصاوي" في مصر ضمن استعادات لحفلات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، أو عدد من عروض "مترو المدينة" في بيروت. كما نجد هذه الظاهرة بارزة في تونس مؤخراً، ومن ذلك تركيز الأعمال الدرامية في السنين الأخيرة على فترات تاريخية، مثل "تاج الحاضرة" عن القرن التاسع عشر، و"قلب الذيب" عن الفترة الاستعمارية، و"نوبة" عن تسعينيات القرن الماضي.
غير بعيد من هذا السياق، تقام يوم الثلاثاء المقبل، 11 من الشهر الجاري، تظاهرة بعنوان "كيما كنا" (مثلما كنّا بالعامية التونسية) في "قصر المدينة" بتونس العاصمة. فعالية تهدف إلى استعادة صور من الحياة كما كانت في مدينة تونس العتيقة، حيث يقترح المنظمون؛ "نادي قدماء مهعد باب الخضراء" جولة في شوارع المدينة مع "روائح البخور والعنبر (..)، توقفك الحنة الڨابسية، وتقابل أم السفساري والحاج بالجبة والشاشية، خطوة خطوة نحو قصر المدينة حيث تجد أيام زمان أمام عينيك"، كما يشير بيان المنظمين المكتوب بالعامية.
ضمن البرنامج أيضاً تقدّم مشروبات ومأكولات تقليدية، يصاحبها عرض موسيقي يشارك فيه كل من عازف الكمنجة مهدي العابد ومجموعة "نيارة". فهل يكفي ذلك للإيحاء بالعودة إلى "الزمن الجميل"؟