حتى انتهاء اليوم الأخير من الدورة الـ77 (2 ـ 12 سبتمبر/ أيلول 2020) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي (لا موسترا)"، لا يمكن لأحد الجزم بأنّ تلك الدورة، إنْ عقدت في موعدها المُعلن، ستنتهي بسلامٍ، أو وفقاً للمُخطّط لها. إصابات "كورونا"، التي تزداد في أوروبا مؤخّراً، يُمكنها أن تؤدّي إلى تأجيل الدورة قبل إقامتها، أو إلغائها.
بات مؤكّداً أنّ دورة 2020 ستكون أقلّ قوّة، أفلاماً وحضورا نجوما، وتعدّد فعاليات، وتغطية صحافية واسعة، وبريقاً مُصاحباً لها، أو كمحطة فارقة لأفلامٍ ستُرشّح أو ستفوز بجوائز، كالـ"أوسكار" مثلاً (التي يُتوقّع توزيعها في 25 إبريل/ نيسان 2021، بعد تأجيل موعدها السنوي بسبب تفشّي "كورونا")، مقارنةً بأعوامٍ سابقة. لكنّ الآمال المعقودة عليها لا تنحصر في مجرّد إقامة دورة ناجحة وآمنة، بل أساساً في إيصالها رسائل أمل وتفاؤل واطمئنان، تُساهم في إعادة ثقة الجمهور في التردّد مُجدّداً على دور العرض.
معطيات ووقائع
المُعطيات الراهنة تُشير إلى أنّ قيود السفر الشديدة، المفروضة دولياً، تعني أن "مهرجان فينيسيا" سيكون باهتاً هذا العام، إذا تعذّر الحصول على أفلامٍ كثيرة، أميركية غالباً، ودعوة مخرجين ونجوم وإعلاميين للمشاركة من خارج أوروبا، فالأمر لا يقتصر على الحضور الدولي فقط. ورغم تأكيدات المدير الفني ألبيرتو باربيرا على أنّ القواعد الصحية والأمنية وغيرها من سبل الاهتمام والرعاية ستتوفر بكثافة، مُقارنة بالسابق، كي تخلو الدورة من المخاطر، إلاّ أنّ تأكيداته لم تُبدّد المخاوف كلياً، لا سيما أنّ الاستعدادت الطبّية في جزيرة "ليدو" (إسعاف ومستشفيات مثلاً) ليست مؤهّلة كثيراً لاستقبال حالات طارئة.
في ما يتعلّق بالحوارات الصحافية والمؤتمرات، التي ستُجرى عبر "الإنترنت" مع مخرجين ونجوم يتعذّر حضورهم، أو بخصوص مسابقة "أفلام الواقع الافتراضي"، المُقرّر عرضها على "الإنترنت" أيضاً هذا العام، هناك مشكلة: شبكة الجزيرة أولاً و"فينيسيا" ثانياً تعاني ضعفاً وعدم انتظام مُزمنين، سيكون لهما تأثير سلبي إنْ لم يتمّ تدارك الأمر جذرياً. كما ألغى المهرجان هذا العام قسماً مُستَحدَثاً يتعلّق بالأعمال التجريبية، أفلاماً ومسلسلات ووسائط عدّة. كذلك، لن يكون قسم الأعمال الكلاسيكية والمُرمَّمة جزءاً من الدورة المقبلة، لإتاحة أكبر قدر ممكن من العروض وإعادتها، في ظلّ قيود التباعد الاجتماعي، التي ستُقلّص الطاقات الاستيعابية المُعتادة للصالات.
خلافاً للمعهود في الأعوام الـ11 الماضية، أي منذ عام 2009، تُفتَتح الدورة الـ77 بالفيلم الإيطالي "روابط" لدانييلي لوكيتي (خارج المسابقة): دراما اجتماعية تدور في إيطاليا في ثمانينيات القرن الـ20. ومقارنةً بدورات سابقة أيضاً، سيغيب الإنتاج الهوليوودي الغزير، باستثناء "البدوية" للصينية كلوي زهاو (فيلم طريق) و"العالم الآتي" للنروجية مونا فاستفولد (دراما نفسية تدور في القرن الـ19 على الساحل الشرقي الأميركي). كما تغيب المنصّة الأميركية "نتفليكس".
للمرّة الأولى، اختيرت 8 أفلام لمخرجات من العالم، من أصل 18 فيلماً تُشارك كلّها في المسابقة. رغم هذا، أكّد باربيرا أنّ الأفلام اختيرت بناءً على مستواها الفنيّ، وليس لنظام المُحاصصة، الذي يرفضه، أي دور في ذلك. من هذه الأفلام، هناك "الرفاق الأعزاء" للروسيّ أندريه كونشالوفسكي، الفائز بالأسد الفضّي عن "جنّة" (2016): دراما تاريخية بالأسود والأبيض، عن أحداثٍ حقيقية جرت عام 1962، حين أطلق الجيش الرصاص على تظاهرة للعمّال في مدينة "نوفوتشركاسك"؛ و"ليل" (مُصوَّر في سورية) للمخرج الوثائقيّ الإيطالي جيانفرانكو روسّي. كما تعود الروائية والسيناريست والمخرجة الإيطالية إيما دانتي إلى المسابقة نفسها، بفيلمها الروائي الثاني الطويل "الشقيقات ماكالوسو"، المأخوذ عن مسرحية لها. مُشاركة إيطالية أخرى تتمثّل بفيلمٍ جديد لكلاوديو نوتشي، بعنوان "والدنا": دراما اجتماعية عن صداقة بين مُراهِقين أثناء العطلة الصيفية. وبعد فوزه بجائزة "آفاق" عن "مُحاكمة" (2014)، يُشارك الهندي شيتانيا تامهان بفيلمه الروائي الثاني "التلميذ"، المُتمحور حول الموسيقى الهندية الكلاسيكية.
أسماء وعناوين
بعد أكثر من عقدين، تُشارك الفرنسية نيكول غارسيا بجديدها، "عشيقان": دراما مُشوّقة، عن امرأة متزوّجة، تلتقي صدفة بحبيبها السابق، أثناء رحلة لها إلى باريس. أما الإيطالية سوزانا نيكيريلي، الفائزة بـ"آفاق" عن "نيكو، 1988" عام 2017، فتُشارك بـ"الآنسة ماركس"، عن إليانور، ابنة كارل ماركس. بينما يحضر المكسيكي ميشال فرانكو للمرّة الأولى بدراما اجتماعية بعنوان "نظام جديد"، عن حفلة عرس يُفسدها حضور ضيوف غير مُرحَّب بهم.
وللمرّة الأولى أيضاً، يحضر الإيراني مجيد مجيدي بـ"أطفال الشمس"، أو "الشمس". المعروض في الدورة الملغاة (إبريل/ نيسان 2020) لـ"مهرجان فجر السينمائي الدولي"، ورغم هذا فاز بـ3 جوائز في فئات أفضل فيلم وأفضل سيناريو وأفضل تصميم مناظر. في "فينيسيا" سيكون عرضه العالمي الأول.
من الأسماء الجديدة أيضاً في المهرجان، هناك المخرج الوثائقي الأذربيجاني هلال بيداروف، القادم مع فيلمه الروائي الأول "بين الموت" (دراما عن الحب والحياة). كما تشارك البولندية موجوغاتا شوموفيسكا، مع المُصوّر ميهاو إنغليرت، في أول تجربة إخراجية لهما، في "لن تسقط الثلوج مرة أخرى": شابّة أوكرانية تُهاجر إلى بولندا للعمل. هناك أيضاً المجري كورنيل موندروشو و"شظايا امرأة"، الناطق بالإنكليزية لأول مرة في سيرته المهنية: تمزّق امرأة بعد فقدانها لطفلها؛ والياباني كيوشي كيروساوا مع "زوجة جاسوس"؛ والألمانية جوليا فون هاينز، مع دراما الالتزام السياسي "وغداً العالم بأسره"؛ والبوسنية جاسميلا زبانيك مع جديدها "إلى أين تذهبين، يا عايدة؟"، عن مُترجمة في الأمم المتحدة، تتعرّض أسرتها للخطر بسبب الاعتداء الصربي على مدينتها سريبرينتسا.
من أبرز ما سيُعرض خارج المسابقة الرسمية، فيلم الدراما الاجتماعية "حبّ بعد حبّ" للصينية آن هوي، التي ستُتوَّج هذا العام بالأسد الذهبي التكريمي، مع الممثلة الاسكتلندية تيلدا سوينتن، تقديراً لمسيرتهما السينمائية. كما يُعرض خارج المسابقة أيضاً، وتحديداً في قسم "عروض خاصة غير روائية"، الوثائقي "سالفاتور، صانع الأحذية من الأحلام" للإيطالي لوكا غوادانينو: رحلة صعود أحد أهم صنّاع الأحذية الإيطاليين، بعد هجرته إلى أميركا في زمن السينما الصامتة، ثم عودته إلى إيطاليا وتدشين ماركته الخاصة. هناك أيضاً فيلم لأبيل فيرارا بعنوان "حياة رياضية"، عن تجربته أثناء عرض فيلمه الأخير "سيبيريا" في الدورة الـ70 (20 فبراير/ شباط ـ 1 مارس/ آذار 2020) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، حتّى فرض الحظر بسبب "كورونا". كذلك، سيُعرض أحدث أفلام المخرج الوثائقيّ الأميركي أليكس غبني، "مجنون، ليس مجنوناً": فيلم نفسي، عن علِم نفس الإجرام وسلوكيات المجرمين. وأخيراً، الفيلم "الجديد"، إنْ جاز التعبير، لأورسون ويلز: "هوبر/ ويلز"، وهو حوار لمدّة 130 دقيقة، سجّله ويلز مع المخرج الأميركي دينيس هوبر ومجموعة أصدقاء عام 1970.
هناك أيضاً Lacci لدانيال لوشيتّي (خارج المسابقة): زوجان يعيشان معاً منذ فترة، قبل أن تظهر أكاذيب تؤدّي إلى ابتزاز وتقلّبات وتبدّلات ومنعطفات، بعضها خطر، في إبطاليا، في ثمانينيات القرن الـ20، ما يستدعي إطلالات سينمائية على تلك الحقبة ومناطقها.
حضورٌ عربيّ
في "أفلام قصيرة خارج المسابقة"، يُعرض للإسباني بيدرو ألمودوفار "صوتي بشري" (30 د.، تمثيل تيلدا سوينتن)، عن مسرحية لجان كوكتو: مونولوغ على الهاتف مع امرأة تتحدّث مع حبيبها السابق، الذي يُخبرها عن مشروع زواجه؛ وللإيطالي لوكا غوادانينو، "زهور، زهور، زهور!": تجربة شخصية للمخرج، يلتقي حلالها مع أصدقائه القدامى في صقلية لمناقشة الوضع الراهن.
اللافت للانتباه أنّ المخرج الفيليبّيني لاف دياز، الفائز بالأسد الذهبي قبل 4 أعوام عن "المرأة التي غادرت" (2016)، يُشارك بـ"العرق والحيوانات" في التظاهرة المُوازية "آفاق"، لا في المسابقة الرسمية. وقياساً إلى أفلامه السابقة، يُعتبر جديده هذا قصيراً نسبياً إذْ تبلغ مدّته 150 دقيقة (بالأسود والأبيض، كمعظم أفلامه).
3 أفلام عربية تُشارك في التظاهرة نفسها، إلى جانب 15 فيلماً آخر: "الرجل الذي باع جلده" للتونسية كوثر بن هنية، عن سوري يهرب إلى لبنان من جحيم الحرب، على أمل اللقاء بحبيبته في باريس في نهاية المطاف (تمثيل مونيكا بيلّوتشي)؛ و"زنقة كونتاكت" للمغربي إسماعيل العراقي، عن حادث سيارة في الدار البيضاء يُسفر عن علاقة عاطفية بين شاب وشابة، يجمعهما حبّ موسيقى الـ"روك"؛ و"غزّة حبيبتي" للفلسطينيَّين طرزان وعرب ناصر، عن صيّاد عجوز يُغرم بامرأة، ويقرّر مُصارحتها بحبّه، وإخبارها عن كنز عثر عليه مؤخّراً.
في قسم الأفلام القصيرة في التظاهرة نفسها، هناك "تحت الجلد" للجزائرية مريم مسراوة. ومن العروض العالمية في "أسبوع النقّاد"، هناك 7 أفلام هي الأولى لمخرجيها: الوثائقي "عائلة روسيلّيني" لأليساندرو روسيلّيني، أكبر أحفاد المخرج الإيطالي روبيرتو روسيلّيني، يتناول حياة أبنائه في إطار سمعة الأب وتربيته؛ وفيلمان عربيان: "200 متر" للفلسطيني أمين نايفة، عن أبّ يعلق بسبب الجدار العازل، ويعجز عن الذهاب إلى المستشفى لرؤية ابنه؛ و"سيجار العسل" للفرنسية الجزائرية الأصل كمير عينوز، عن سلمى البورجوازية المُراهقة التي تلتقي جوليان في الجامعة، فيغيّر نظرتها إلى حياتها وتقاليدها المعتادة.
يُذكر أنّه قبل يوم واحد على الافتتاح الرسمي، سيُعرض فيلمٌ وثائقيّ بعنوان "ترتيب الأشياء"، أنجزه الإيطالي أندريا سيغري، الذي صوّره بكامله في مدينة "فينيسيا (البندقية)" أثناء فترة الإغلاق والحجر المنزلي بسبب تفشّي وباء "كورونا" منذ مطلع العام الجاري.