28 يناير 2024
"لص حاكم" و"بلاي ستيشن"
تمنّيت على الأنظمة الطاردة العربية أن تكفّ عن إحصاء قتلاها في مجزرة المسجدين النيوزيلنديين، وتلتزم الخرس، عوضًا عن لعب دور الضحية في جريمةٍ هي سببها الأول والأخير، أما المنفّذ فليس أزيد من أداة كراهية، وجدت فرصتها السانحة في سفك المسفوك، وهدر المهدور، من الدم العربيّ الهارب من خنجر الظهر إلى خنجر الصدر.
تلك هي خلاصة ما حدث في نيوزيلندا. أما لعبة "البلاي ستيشن" التي مارسها على الهواء مباشرة المدعوّ برينتون تارانت، فلم تكن أزيد من خاتمة منطقيّة للغاية لفصول مجزرةٍ بدأت خيوطها، أساسًا، في رمضاء الصحراء الإسلاميّة الكاوية، حين هاجر المهاجرون من يثرب، وراحوا يجوبون أمصار الروم بحثًا عن "أنصار" آخرين يستقبلونهم بنشيد البدر الطالع عليهم من ثنيّات الوداع.. أما يثرب الجديدة، فبحجم الخريطة العربية الكبرى برمّتها.
على هذا، أنصح الشرطة النيوزيلندية أن تبدأ تحقيقاتها من هنا، من بلاد الرعب التي فرّ منها المهاجرون للنجاة بأرواحهم من "أرواحهم" التي احتلّها الجنرال ببسطاره الضخم، وللفرار بدينهم من "دينهم" الذي جيّره الجنرال لصالح تأبيد سلطته، وإلا فإن الشرطة لن تصل إلى الفاعل، مهما تشعّبت تحقيقاتها.
كان على المهاجرين أن يعلموا، منذ قرّروا شدّ رحالهم إلى الخارج، أن الدّم الرخيص في الوطن لن يكون غاليًا في بلاد المهجر، فتلك حقيقةٌ لا مراء فيها، وكان ينبغي أن يتوقعوا أن يتربّص بهم برينتون تارانت، وسواه من الباحثين عن أهدافٍ حيّة في البلاد التي ألقوا بها عصا الترحال، فماذا نتوقع من أولئك المهووسين، وهم يرون دماءنا تهون على حكامنا في ميدان التحرير وميدان رابعة، وفي ليبيا وسورية حيث يباد الأبرياء بغازات الفسفور، وتهرع دول عظمى لتختبر أسلحتها فينا؟
ماذا نتوقع من تارانت وسواه، ما دمنا منزوعي الكرامة في أوطاننا، ونتقافز على حقول ألغام من الممنوعات والمحرّمات، يطاردنا العسس صباح مساء، والمحظوظ من يكفي نفسه مؤونة النجاة من مخبرٍ أو محقق؟ ماذا نرجو وأرضنا متخمة بالمقابر الجماعية التي لا يُعرف من دفن من فيها، ولا هوية الضحايا حتى، على غرار المقبرة التي اكتشفت أخيرا في العراق، وتشعّبت الآراء بشأن ساكنيها، هل هم من الأيزيديين أم سواهم. كيف ندافع عن رؤوسنا المقطوفة بسيوف "داعش" أمام سيف تارانت الذي أراهن أنه فقد لذة القتل في أجسادٍ مقتولة أصلًا؟
بدأت المجزرة هنا وانتهت هناك، تلك هي قصة الهجرة العربية الثانية في القرن الحادي والعشرين، القصة التي بدأت منذ تنازلنا عن حريّاتنا للمستبدّين والطغاة، لقاء وعود بالوحدة والتحرير، لم يتحقق منها غير وحدة القمع والكبت في عموم الأقطار التي تشبّثت بحدودها، كما تتشبّث العقرب بالضحية، وتحرير لم يتجسّد منه غير تحرّر الحكام من أي مسؤولية أخلاقية أو قوميّة تجاه فلسطين من أقصاها إلى "أقصاها".
بدأت المجزرة بلعبة "اللص والحاكم والجلاد"، في بلادٍ تزخر بهذا الثلاثي الرهيب، في مقابل مواطن مسروق مسحوق، وانتهت بلعبة "بلاي ستيشن" في بلادٍ أخرى، يقتلها ضجر الحريات والرفاهيات، فراحت تبحث عن "لعبةٍ حقيقية" تدار على الهواء، ضدّ ضحايا لن يطالب بثأرهم أحد، ولن يقيم وزنًا لدمهم أحد؛ لأنهم ضحايا أنظمتهم، قبل أن يكونوا ضحايا غيرهم، بما يعني أن تلك الأنظمة هي أوّل المرحبين باكتمال دائرةٍ لم تستطع أن تكملها في "مزارعها"؛ لأسباب لا تتعلّق بالضمير وتبعاته، بل ربما بفرار الضحايا على حين "سكرة" من الجزار ليس إلا.
أما الضحايا، فيتحملون جانبًا من مسؤولية المجزرة التي شاركوا فيها بأنفسهم، حين بحثوا عن "النجاة" في الهرب من طغاة أوطانهم، لا في مواجهتهم، ولعل في دمهم الزكيّ رسالة لمن يقفون على أهبة الهجرة الآن، ومفادها: "لا نجاة إلا بمقارعة الطغاة".
تلك هي خلاصة ما حدث في نيوزيلندا. أما لعبة "البلاي ستيشن" التي مارسها على الهواء مباشرة المدعوّ برينتون تارانت، فلم تكن أزيد من خاتمة منطقيّة للغاية لفصول مجزرةٍ بدأت خيوطها، أساسًا، في رمضاء الصحراء الإسلاميّة الكاوية، حين هاجر المهاجرون من يثرب، وراحوا يجوبون أمصار الروم بحثًا عن "أنصار" آخرين يستقبلونهم بنشيد البدر الطالع عليهم من ثنيّات الوداع.. أما يثرب الجديدة، فبحجم الخريطة العربية الكبرى برمّتها.
على هذا، أنصح الشرطة النيوزيلندية أن تبدأ تحقيقاتها من هنا، من بلاد الرعب التي فرّ منها المهاجرون للنجاة بأرواحهم من "أرواحهم" التي احتلّها الجنرال ببسطاره الضخم، وللفرار بدينهم من "دينهم" الذي جيّره الجنرال لصالح تأبيد سلطته، وإلا فإن الشرطة لن تصل إلى الفاعل، مهما تشعّبت تحقيقاتها.
كان على المهاجرين أن يعلموا، منذ قرّروا شدّ رحالهم إلى الخارج، أن الدّم الرخيص في الوطن لن يكون غاليًا في بلاد المهجر، فتلك حقيقةٌ لا مراء فيها، وكان ينبغي أن يتوقعوا أن يتربّص بهم برينتون تارانت، وسواه من الباحثين عن أهدافٍ حيّة في البلاد التي ألقوا بها عصا الترحال، فماذا نتوقع من أولئك المهووسين، وهم يرون دماءنا تهون على حكامنا في ميدان التحرير وميدان رابعة، وفي ليبيا وسورية حيث يباد الأبرياء بغازات الفسفور، وتهرع دول عظمى لتختبر أسلحتها فينا؟
ماذا نتوقع من تارانت وسواه، ما دمنا منزوعي الكرامة في أوطاننا، ونتقافز على حقول ألغام من الممنوعات والمحرّمات، يطاردنا العسس صباح مساء، والمحظوظ من يكفي نفسه مؤونة النجاة من مخبرٍ أو محقق؟ ماذا نرجو وأرضنا متخمة بالمقابر الجماعية التي لا يُعرف من دفن من فيها، ولا هوية الضحايا حتى، على غرار المقبرة التي اكتشفت أخيرا في العراق، وتشعّبت الآراء بشأن ساكنيها، هل هم من الأيزيديين أم سواهم. كيف ندافع عن رؤوسنا المقطوفة بسيوف "داعش" أمام سيف تارانت الذي أراهن أنه فقد لذة القتل في أجسادٍ مقتولة أصلًا؟
بدأت المجزرة هنا وانتهت هناك، تلك هي قصة الهجرة العربية الثانية في القرن الحادي والعشرين، القصة التي بدأت منذ تنازلنا عن حريّاتنا للمستبدّين والطغاة، لقاء وعود بالوحدة والتحرير، لم يتحقق منها غير وحدة القمع والكبت في عموم الأقطار التي تشبّثت بحدودها، كما تتشبّث العقرب بالضحية، وتحرير لم يتجسّد منه غير تحرّر الحكام من أي مسؤولية أخلاقية أو قوميّة تجاه فلسطين من أقصاها إلى "أقصاها".
بدأت المجزرة بلعبة "اللص والحاكم والجلاد"، في بلادٍ تزخر بهذا الثلاثي الرهيب، في مقابل مواطن مسروق مسحوق، وانتهت بلعبة "بلاي ستيشن" في بلادٍ أخرى، يقتلها ضجر الحريات والرفاهيات، فراحت تبحث عن "لعبةٍ حقيقية" تدار على الهواء، ضدّ ضحايا لن يطالب بثأرهم أحد، ولن يقيم وزنًا لدمهم أحد؛ لأنهم ضحايا أنظمتهم، قبل أن يكونوا ضحايا غيرهم، بما يعني أن تلك الأنظمة هي أوّل المرحبين باكتمال دائرةٍ لم تستطع أن تكملها في "مزارعها"؛ لأسباب لا تتعلّق بالضمير وتبعاته، بل ربما بفرار الضحايا على حين "سكرة" من الجزار ليس إلا.
أما الضحايا، فيتحملون جانبًا من مسؤولية المجزرة التي شاركوا فيها بأنفسهم، حين بحثوا عن "النجاة" في الهرب من طغاة أوطانهم، لا في مواجهتهم، ولعل في دمهم الزكيّ رسالة لمن يقفون على أهبة الهجرة الآن، ومفادها: "لا نجاة إلا بمقارعة الطغاة".