يعاني المصابون بمرض المهق (ألبينيزم بالإنكليزية) في أفريقيا جنوب الصحراء، من التمييز والتهميش بسبب المعتقدات الخرافية السائدة عنهم. وهو ما يعرضهم إلى اضطهاد يصل إلى حدّ التعذيب والقتل أحياناً. وتنتشر في بعض أنحاء أفريقيا معتقدات عن القوة السحرية التي يتمتع بها المصابون بالمهق ودور أعضائهم في خلطات السحر التقليدي الذي يعتقد الأفارقة أنّه قادر على علاج كثير من الأمراض وجلب الحظ، فقط لأنّ لون بشرتهم مختلف عن اللون الأسود.
يعيش المصابون بالمهق في عزلة تامة، يعانون في قارة الشمس الساطعة والحرارة المفرطة، من أمراض مختلفة كضعف البصر والسمع والأمراض الجلدية وتأثيرات الجو الحار على بشرتهم الحساسة. وإلى جانب معاناتهم من هذه الأمراض يعاني المصابون بالمهق من عنف القبائل التي تقتلهم وتستعمل عظامهم في أعمال السحر تلك. ففي تنزانيا وكينيا وزامبيا وأوغندا وملاوي تكثر جرائم القتل والاغتصاب والاعتداءات المروعة التي يسقط ضحيتها هؤلاء المنبوذون بسبب لون بشرتهم. وبينما تتزايد أعدادهم في وسط القارة الأفريقية تزداد الظروف الصعبة التي يعيشونها قسوة بالرغم من جهود جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الدولية لحماية ودعم ودمج المصابين بالمهق.
تقول المنظمات الحقوقية والطبية إنّ المصابين بالمهق يتعرضون لأشد أنواع التعذيب وكذلك القتل سواء من قبل التجار أو السحرة أو حتى أقاربهم الذين يتواطؤون مع التجار لقتلهم ثم الإبلاغ لاحقاً عن اختفائهم. ويُعثر على جثث هؤلاء مقطعة الأطراف في شوارع المدن أو في الحقول في الأرياف، وتباع أجزاء منها بالقطعة لاستخدامها في عمليات السحر والشعوذة، إذ يصل سعر العضو الواحد إلى 4 آلاف دولار أميركي.
يركز أغلب المهاجمين على أقدام المصابين بالمهق من أجل استخلاص العظام التي تستخدم في وصفات متعددة بهدف الشفاء من الأمراض وجلب الحظ والمال والسلطة. وأحياناً يحالف الحظ الضحايا في النجاة بأرواحهم فيخرجون من المعركة بجروح عميقة مقطوعي الأطراف، ويعيشون خائفين طوال حياتهم من عودة المهاجمين لاصطيادهم.
وبينما ينقل الأهالي ابناءهم بعد تعرضهم للهجوم إلى المستشفى، تجري تصفية أغلب الضحايا الذين يخطفون من منازلهم حتى لا يتعرفوا على المهاجمين، أو يموتون بتركهم في الغابات والأراضي القاحلة بجروح خطيرة.
تفضل عصابات الأعضاء البشرية الأطفال على البالغين بسبب سهولة خطفهم، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ حول ما يتمتعون به من طاقات سحرية يحملونها هم بالذات في أجسادهم إذ يشاع أنّ عظامهم خلقت من تراب الذهب. ويشترط غالبية السحرة إحضار عظام الأطفال المصابين بالمهق باعتبارها مكوناً ضرورياً من مكونات جرعات السحر القوي.
يقول محمد مولود ولد حي (41 عاماً، من مالي) الذي سبقت له زيارة ملاوي حيث تنشط عصابات الجريمة المنظمة ومافيا تجارة الأعضاء إنّ الناس هناك على استعداد لدفع مبالغ مالية ضخمة للحصول على عظام المصابين بالمهق من أجل استخدامها في طقوس يعتقد أنّها تجلب الحظ والمال، كما يقدمونها للمعالجين التقليديين بهدف تحضير وصفات يزعمون أنّها تشفي من الأمراض الخطيرة.
يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّه سمع عن اعتداءات وقعت باستخدام المناجل والسواطير في قرى متعددة بملاوي حيث كان يعمل قبل سنتين، وأنّ دوافع الجرائم التي أودت بحياة المصابين بهذا المرض هي الاعتقادات الخرافية عن قدرة عظام المصابين على جلب الثروة. يضيف أنّ "هذه المعتقدات في بعض الدول الأفريقية ما زالت أقوى من المنطق، فالإيمان بالسحر يسيطر على عقول الغالبية خصوصاً إذا تعلق الأمر بطريقة لجلب الثروة في مناطق تعاني الفقر والجهل وبينما طرق كسب المال فيها محدودة جداً".
تزور من حين إلى آخر بعثة أممية ملاوي للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة في حق المصابين بالمهق وحث الحكومة على فرض إجراءات صارمة لحماية المصابين. وتحت ضغط المنظمات الدولية وبعدما كثرت عمليات اصطياد المصابين بالمهق، أمرت حكومة ملاوي الشرطة بإطلاق النار على أيّ شخص يحاول مهاجمتهم، وحظرت عمل المعالجين التقليديين والمنجمين والسحرة.
يعاني المصابون بالمهق من حالة وراثية تصنف ضمن الأمراض الجلدية، وتؤدي إلى فقدان اللون الطبيعي من الجلد والشعر والعين، وقد يكون شاملاً للجسم كله. المهق مرض غير معد، ويصيب واحداً من بين كلّ 20 ألف شخص على مستوى العالم، لكنّه أكثر انتشاراً في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية إذ يصاب به واحد من بين كلّ 5 آلاف شخص، وفي ملاوي بالذات واحد من بين كلّ 1200 شخص.