16 أكتوبر 2024
"مؤامرة" لإهانة بوتين
في زحمة ردود الفعل على جريمة استخدام السلاح الكيماوي في مدينة خان شيخون، ثم الصخب الإعلامي الذي رافق الضربة الأميركية على مطار الشعيرات، ضاع سؤال مركزي، أو غاب عن البال، وهو أين كانت روسيا من هذا الهجوم؟ هل كانت تعلم به وتركته يمضي، خصوصاً أن الطائرة التي نفذت الهجوم الكيماوي انطلقت من مطار الشعيرات، وهو قاعدة عسكرية روسية بالمطلق. وفي هذه الحال، يصبح السؤال: لماذا، وما هي الحسابات الروسية من وراء ذلك؟ أم أن الهجوم جرى من دون علمها، ففوجئت به، لكنها لم تملك إلا خيار الهروب إلى الأمام، عبر محاولة نفي وقوعه تارةً، بالقول إن الصور والمقاطع الفيلمية مفبركة، أو بنفي مسؤولية النظام عنه تارةً أخرى، من خلال أضحوكة "أن الضربة وقعت فعلاً، لكنها استهدفت مخازن للمعارضة صادف أن فيها سلاحاً كيماوياً انفجر في وجه أهالي خان شيخون"! ولكن، في حال أن روسيا لم تكن تعلم بأمر الهجوم، وهذا يفترض أنها ما كانت لتوافق عليه لأنها فاعل عقلاني (بمعنى أنها تحسب الأمور بميزان الربح والخسارة المترتبة على فعل سياسي معين)، فالسؤال عندها: ما مقدار النفوذ والتأثير الفعلي الذي تمتلكه روسيا على النظام، في ضوء تجاهله لها، وقيامه بهجوم من هذا النوع، وبهذا الحجم، من دون إعلامها؟ وكما أنه من الصعب فهم الحسابات الروسية، في حال علمها وموافقتها على الهجوم، قد لا نستطيع أبداً الإجابة عن السؤال المتصل بمدى النفوذ الذي تملكه روسيا على النظام، فهذا موضوعٌ فيه كلام مرسل كثير، لكن قياسه فعلياً لا يفتأ يزداد صعوبةً، حتى يكاد يكون من المستحيل الوصول إلى إجابة دقيقة بشأنه، في ضوء التعتيم الشديد الذي يتبعه طرفا العلاقة في نظامين يقومان على السرية والانغلاق.
المهم أنه في الجلسة المفتوحة التي عقدها مجلس الأمن الدولي مساء الرابع من شهر إبريل/ نيسان الجاري، بدعوة من رئيسته لهذا الشهر السفيرة الأميركية نيكي هيلي لمناقشة الهجوم الكيماوي على خان شيخون، كان لافتا قول المندوب البريطاني، ماثيو ريكروفت، إن الهجوم الكيماوي الذي نفذه النظام السوري على مدينة خان شيخون يعد بمثابة صفعة على وجه روسيا. وبدا المندوب البريطاني شديد الشماتة، وهو يوجه كلامه إلى نظيره الروسي في المجلس، عندما ذكّره بالفيتو (رقم 7) الذي استخدمته بلاده في شهر فبراير/ شباط الماضي، لإسقاط مشروع قرار رعته بريطانيا وفرنسا، يدين استخدام السلاح الكيماوي في سورية، ويدعو إلى محاسبة المسؤولين عن ذلك، وها هو هجوم كيماوي جديد يقع بسبب ذلك الفيتو، كما قال ريكروفت.
ليس هذا كل شيء، فإذا كان الهجوم الكيماوي يعد، بحد ذاته، إهانةً لروسيا، باعتبارها الضامن لاتفاقية نزع الأسلحة الكيماوية السورية التي تمت وفق قرار مجلس الأمن 2118، لعام 2013، فقد كان الرد على الهجوم أشدّ وطأة. إذ وجه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب (الشريك المأمول)، إهانة أكبر لدور روسيا وموقعها في سورية، عندما أقدم على ضرب القاعدة الجوية في الشعيرات. والأدهى أنه أبلغ موسكو بالهجوم قبل وقوعه، على مبدأ "ردّها إن استطعت". لم تستطع روسيا رد الصواريخ، بل اختارت إخلاء قواتها من القاعدة، بناء على النصيحة الأميركية. وفي السلوك الروسي هنا أيضاً قولان: الأول إن منظومة صواريخ إس 300 وإس 400 التي نصبتها روسيا في سورية، وهي منظومة دفاع صاروخي تعدّها موسكو الأحدث في العالم، غير قادرة على اعتراض صواريخ "توما هوك" المجنحة ذاتية الدفع، لأنها تحلق على ارتفاع منخفض (15-20 مترا من سطح الأرض). الثاني، أن روسيا لم تشأ تفعيل المنظومة، والتصعيد من ثم مع واشنطن، لأن اعتراض الصواريخ الأميركية كان سيؤدي، بالضرورة، إلى رد، ما يعني مواجهة. وفي الحالتين (عدم الكفاءة أو عدم الرغبة في دخول مواجهة) تكون النتيجة واحدة، وهي أن تبتلع موسكو إهانة الرد على الهجوم، كما ابتلعت إهانة فقدان مصداقيتها لسماحها بوقوعه في المقام الأول، بعلم أو من دون علم.
المهم أنه في الجلسة المفتوحة التي عقدها مجلس الأمن الدولي مساء الرابع من شهر إبريل/ نيسان الجاري، بدعوة من رئيسته لهذا الشهر السفيرة الأميركية نيكي هيلي لمناقشة الهجوم الكيماوي على خان شيخون، كان لافتا قول المندوب البريطاني، ماثيو ريكروفت، إن الهجوم الكيماوي الذي نفذه النظام السوري على مدينة خان شيخون يعد بمثابة صفعة على وجه روسيا. وبدا المندوب البريطاني شديد الشماتة، وهو يوجه كلامه إلى نظيره الروسي في المجلس، عندما ذكّره بالفيتو (رقم 7) الذي استخدمته بلاده في شهر فبراير/ شباط الماضي، لإسقاط مشروع قرار رعته بريطانيا وفرنسا، يدين استخدام السلاح الكيماوي في سورية، ويدعو إلى محاسبة المسؤولين عن ذلك، وها هو هجوم كيماوي جديد يقع بسبب ذلك الفيتو، كما قال ريكروفت.
ليس هذا كل شيء، فإذا كان الهجوم الكيماوي يعد، بحد ذاته، إهانةً لروسيا، باعتبارها الضامن لاتفاقية نزع الأسلحة الكيماوية السورية التي تمت وفق قرار مجلس الأمن 2118، لعام 2013، فقد كان الرد على الهجوم أشدّ وطأة. إذ وجه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب (الشريك المأمول)، إهانة أكبر لدور روسيا وموقعها في سورية، عندما أقدم على ضرب القاعدة الجوية في الشعيرات. والأدهى أنه أبلغ موسكو بالهجوم قبل وقوعه، على مبدأ "ردّها إن استطعت". لم تستطع روسيا رد الصواريخ، بل اختارت إخلاء قواتها من القاعدة، بناء على النصيحة الأميركية. وفي السلوك الروسي هنا أيضاً قولان: الأول إن منظومة صواريخ إس 300 وإس 400 التي نصبتها روسيا في سورية، وهي منظومة دفاع صاروخي تعدّها موسكو الأحدث في العالم، غير قادرة على اعتراض صواريخ "توما هوك" المجنحة ذاتية الدفع، لأنها تحلق على ارتفاع منخفض (15-20 مترا من سطح الأرض). الثاني، أن روسيا لم تشأ تفعيل المنظومة، والتصعيد من ثم مع واشنطن، لأن اعتراض الصواريخ الأميركية كان سيؤدي، بالضرورة، إلى رد، ما يعني مواجهة. وفي الحالتين (عدم الكفاءة أو عدم الرغبة في دخول مواجهة) تكون النتيجة واحدة، وهي أن تبتلع موسكو إهانة الرد على الهجوم، كما ابتلعت إهانة فقدان مصداقيتها لسماحها بوقوعه في المقام الأول، بعلم أو من دون علم.