29 نوفمبر 2016
"مبادرة واشنطن" المصرية
أصبحت الحاجة لتوحيد الصف المقاوم للانقلاب العسكري القائم في مصر ضرورةً ملحةً، يفرضها الواقع المرير وحالة التردّي الذي تحياه مصر من ضعفٍ وسقوطٍ يلمسه الجميع على الأصعدة كافة، وقد تعبر عنه مواقف بسيطة، كاستجداء عبد الفتاح السيسي تحية أو ابتسامة من رئيس دولة أخرى، أو حالة التخلف التقني والمخابراتي التي تدعو عنصر أمن لسؤال وزير خارجية أميركا عن وجود هاتف محمول بكاميرا معه، أو حالة التردّي الاقتصادي وانهيار العملة، واعتماد الاقتصاد على التسوّل من المواطنين تحت شعار "صبّح على مصر بجنيه". بالإضافة إلى حالة القهر وتراجع الحريات غير المسبوقة، واستمرار اعتقال الآلاف وحبسهم وتلفيق التهم لمعارضي حكم العسكر، من دون تفرقةٍ بين ألوان الطيف السياسي في مصر وارتفاع حالات الاختفاء القسري المقترنة بشتى أنواع التعذيب، والمتبوعة في حالاتٍ كثيرةٍ بالقتل، من دون أي مساءلةٍ أو تحرّك قانوني.
إذاً، تنكوي غالبية الشعب، في صمت، بنار الانقلاب العسكري، يتساوى في ذلك كل من أيد أو عارض أو قاوم أو صمت، ويفرض الواقع ضرورة الخروج من هذه الحالة الشبيهة بمعركة الاستنزاف التي أعقبت نكسة 1967، وكل جهد يهدف إلى ذلك، من المرجّح الترحيب به من كل القوى السياسية التي تهدف إلى خير مصر.
وكان اجتماع بعض ممثلي القوى السياسية والمفكرين المصريين في واشنطن، تحت شعار "مبادرة مصر..وطن للجميع" نوعاً من تحريك الماء الراكد، وتضمنت توصياته عشرة بنود (وفقاً لموقع عربي 21) بهدف الاصطفاف، أو لم الشمل للخروج من الأزمة، في طور الإصدار الرسمي. ويمكن إبداء ملاحظتين عليها. أولهما أنها تجاهلت توصيف الأزمة الحقيقية لمصر، والتي يمكن تلخيصها في جملةٍ يتجاهلها بعضهم، مضمونها أن حكماً ديمقراطياً نتج عنه وجود رئيس منتخب، تم الانقلاب عليه عسكرياً، وهذا الرئيس تم اختطافه وحبسه، فإذا لم يتم الاتفاق على ذلك، لا توجد مشكلة ولا أزمة من الأساس، سوى المطالبة بإصلاحاتٍ سياسيةٍ واقتصادية، أو تغيير بعض السياسات وتبديل بعض القيادات، فكل المبادرات التي لا تبدأ بتوصيف المشكلة، أغلب الظن أن النجاح لن يحالفها، ولن يجدي أن تُذكر التوصيات أن (السيادة والسلطة والشرعية من الشعب وللشعب وحده،..)، وهي تتجاهل السيادة والشرعية الممثلة في الرئيس المختطف، من أجل لم الشمل. وإذا كانت عودة الرئيس محمد مرسي غير مرحّبٍ بها من معسكر "30 يونيو" الهاربين من جحيم العسكر، فهم أمام اختيارين، التنكّر لمبدأ أن الشرعية من الشعب صراحةً، أو النص على عودة الرئيس ومطالبته بإجراء استفتاء على بقائه حتى نهاية مدته الدستورية.
ثاني الملاحظتين، نصت المبادرة على أن "الدولة لا هوية ولا مرجعية لها إلا مدنيتها...". ويرى الكاتب أن هوية أي دولة لا تحكمها نصوص، وإنما تاريخ هذا البلد وجغرافيته، ولم يحدث اختلافٌ خلال وضع دساتير مصر، منذ دستور 1923، على هوية الدولة ومرجعيتها، فلم يتطرّق لها ذلك الدستور وما بعده، حتى جاء دستور 1956 لينصّ، في المادة الأولى، على أن مصر (دولة عربية)، وفي المادة الثالثة منه أن (الإسلام دين الدولة)، واستمر النص على ذلك، مع اختلاف في الصياغات في الدساتير التالية، حتى دستور العسكر عام 2014، والحديث عن الهوية إما نوع من الترف الفكري، أو لتحقيق ما عجز العسكر عنه بانقلابٍ دمويٍّ لطمس هوية مصر، أو لوجود هواجس غير مؤيدة من الواقع لدى بعضهم. ومن الترف أن ترى شخصاً اجتمع عليه الجوع والعراء والظلم والقهر والاستيلاء على بيته، فتناقشه في الهوية أو تطالبه بالاعتراف بأنه إنسانٌ بلا هوية، أو تترك مشكلته الجوهرية الواضحة، لتقفز عليها باعتبارها موضوعاً غير متفق عليه.
إطلاق المبادرات ومحاولة الاصطفاف شيء محمود وواجب المرحلة، لكنه يجب أن ينبني على احترام إرادة الشعب، والاتفاق على كيفية التعبير عن تلك الإرادة، وعدم ترك النقطة الجوهرية في الأزمة مسكوتاً عنها، فهناك رئيسٌ لم يتنحّ، أو يتم عزله بصورة دستورية، وإنما تم خطفه بصورة إجراميةٍ بوليسية، كما أن استدعاء معارك وهمية حول الهوية والمرجعية سيهدم مبدأ لم الشمل، ويطيل عمر العسكر في حكم مصر، ويذكّرنا بمعارك حزب النور لطواحين الهواء حول المادة 219 من دستور 2012، حتى جاء الانقلاب، فتخلواعن كل المبادئ من أجل البقاء، فهل يستجيب أصحاب مبادرة واشنطن، عند إصدار النسخة الرسمية منها؟
إذاً، تنكوي غالبية الشعب، في صمت، بنار الانقلاب العسكري، يتساوى في ذلك كل من أيد أو عارض أو قاوم أو صمت، ويفرض الواقع ضرورة الخروج من هذه الحالة الشبيهة بمعركة الاستنزاف التي أعقبت نكسة 1967، وكل جهد يهدف إلى ذلك، من المرجّح الترحيب به من كل القوى السياسية التي تهدف إلى خير مصر.
وكان اجتماع بعض ممثلي القوى السياسية والمفكرين المصريين في واشنطن، تحت شعار "مبادرة مصر..وطن للجميع" نوعاً من تحريك الماء الراكد، وتضمنت توصياته عشرة بنود (وفقاً لموقع عربي 21) بهدف الاصطفاف، أو لم الشمل للخروج من الأزمة، في طور الإصدار الرسمي. ويمكن إبداء ملاحظتين عليها. أولهما أنها تجاهلت توصيف الأزمة الحقيقية لمصر، والتي يمكن تلخيصها في جملةٍ يتجاهلها بعضهم، مضمونها أن حكماً ديمقراطياً نتج عنه وجود رئيس منتخب، تم الانقلاب عليه عسكرياً، وهذا الرئيس تم اختطافه وحبسه، فإذا لم يتم الاتفاق على ذلك، لا توجد مشكلة ولا أزمة من الأساس، سوى المطالبة بإصلاحاتٍ سياسيةٍ واقتصادية، أو تغيير بعض السياسات وتبديل بعض القيادات، فكل المبادرات التي لا تبدأ بتوصيف المشكلة، أغلب الظن أن النجاح لن يحالفها، ولن يجدي أن تُذكر التوصيات أن (السيادة والسلطة والشرعية من الشعب وللشعب وحده،..)، وهي تتجاهل السيادة والشرعية الممثلة في الرئيس المختطف، من أجل لم الشمل. وإذا كانت عودة الرئيس محمد مرسي غير مرحّبٍ بها من معسكر "30 يونيو" الهاربين من جحيم العسكر، فهم أمام اختيارين، التنكّر لمبدأ أن الشرعية من الشعب صراحةً، أو النص على عودة الرئيس ومطالبته بإجراء استفتاء على بقائه حتى نهاية مدته الدستورية.
ثاني الملاحظتين، نصت المبادرة على أن "الدولة لا هوية ولا مرجعية لها إلا مدنيتها...". ويرى الكاتب أن هوية أي دولة لا تحكمها نصوص، وإنما تاريخ هذا البلد وجغرافيته، ولم يحدث اختلافٌ خلال وضع دساتير مصر، منذ دستور 1923، على هوية الدولة ومرجعيتها، فلم يتطرّق لها ذلك الدستور وما بعده، حتى جاء دستور 1956 لينصّ، في المادة الأولى، على أن مصر (دولة عربية)، وفي المادة الثالثة منه أن (الإسلام دين الدولة)، واستمر النص على ذلك، مع اختلاف في الصياغات في الدساتير التالية، حتى دستور العسكر عام 2014، والحديث عن الهوية إما نوع من الترف الفكري، أو لتحقيق ما عجز العسكر عنه بانقلابٍ دمويٍّ لطمس هوية مصر، أو لوجود هواجس غير مؤيدة من الواقع لدى بعضهم. ومن الترف أن ترى شخصاً اجتمع عليه الجوع والعراء والظلم والقهر والاستيلاء على بيته، فتناقشه في الهوية أو تطالبه بالاعتراف بأنه إنسانٌ بلا هوية، أو تترك مشكلته الجوهرية الواضحة، لتقفز عليها باعتبارها موضوعاً غير متفق عليه.
إطلاق المبادرات ومحاولة الاصطفاف شيء محمود وواجب المرحلة، لكنه يجب أن ينبني على احترام إرادة الشعب، والاتفاق على كيفية التعبير عن تلك الإرادة، وعدم ترك النقطة الجوهرية في الأزمة مسكوتاً عنها، فهناك رئيسٌ لم يتنحّ، أو يتم عزله بصورة دستورية، وإنما تم خطفه بصورة إجراميةٍ بوليسية، كما أن استدعاء معارك وهمية حول الهوية والمرجعية سيهدم مبدأ لم الشمل، ويطيل عمر العسكر في حكم مصر، ويذكّرنا بمعارك حزب النور لطواحين الهواء حول المادة 219 من دستور 2012، حتى جاء الانقلاب، فتخلواعن كل المبادئ من أجل البقاء، فهل يستجيب أصحاب مبادرة واشنطن، عند إصدار النسخة الرسمية منها؟