تطفو ملامح انقسام على صورة المشهد السياسي في محافظة تعز اليمنية، أثارها تدخّل "مجلس تنسيق المقاومة الشعبية" في المحافظة، بمهام السلطة المحلية والتي تُعتبر السلطة التنفيذية الرسمية، وذلك بصورة تخالف المبدأ الذي تم إنشاء المجلس التنسيقي، نهاية أبريل/نيسان 2015، من أجله، والذي يتمثل بإدارة شؤون الجانب العسكري في جبهات القتال. وأصبحت قضية حل المجلس من عدمه محل خلاف بين مكوّناته، وهو يضم في عضويته الأحزاب السياسية الرافضة للانقلاب بالإضافة إلى السلفيين بمختلف تياراتهم وممثلين عن المجلس الثوري واللجنة الطبية العليا في المحافظة والقادة الميدانيين للجبهات. وأصبحت مسألة حل المجلس التنسيقي قضية مطروحة بين القوى المشاركة فيه.
وبدأت التباينات والاختلافات في وجهات النظر بين الشركاء في المجلس التنسيقي تظهر بشكل واضح في الأيام الأخيرة، التي شهدت العديد من الاستقالات والمقاطعات والمطالبات بحل المجلس. فقد أعلن القيادي في التنظيم "الوحدوي الشعبي الناصري" ونائب رئيس "مجلس تنسيق المقاومة في تعز"، عادل العقيبي، تقديم استقالته من المجلس، معتبراً أن "المبررات التي نشأ المجلس على أساسها قد انتفت بتعيين محافظ للمحافظة ودمج المقاومة في وحدات الجيش الوطني، وأصبح العمل العسكري المسنود إلى مجلس التنسيق في إدارة المعارك من اختصاص قيادة محور تعز". وطالب العقيبي بإنهاء أية مؤسسات بديلة أو موازية للسلطة المحلية التي تُعتبر أعلى سلطة تنفيذية في المحافظة.
وبرزت الخلافات أكثر عبر كلام لعضو المجلس، قائد الجبهة الشرقية، الشيخ السلفي أبو العباس، الذي قال في حوار صحافي إن "المجلس فاسد"، مؤكداً أنه يقاطع جلسات المجلس منذ فترة بسبب قضايا الفساد التي يرتكبها، لينضم الحزب "الاشتراكي" اليمني والتنظيم "الناصري" وحزب "اتحاد القوى الشعبية" إلى قائمة المقاطعين لجلسات المجلس، في حين استمر حزب "التجمع اليمني للإصلاح" وجناح حزب "المؤتمر" المؤيد للشرعية في الحضور.
ويرى رئيس حزب "اتحاد القوى الشعبية" في تعز، عضو المجلس التنسيقي، عبد الله حسن خالد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الدعوة لحل المجلس تهدف إلى تحقيق هدف رئيسي وهو تمكين السلطة المحلية ومكاتب الوزارات من القيام بمهامها كسلطة شرعية، كون المجتمع الدولي يرغب في التعامل مع سلطة محلية شرعية ووقف التعامل مع كيانات مسلحة. ويضيف أن حل المجلس سيؤدي إلى إعادة تفعيل المكاتب التنفيذية في المحافظة بما يلبي تحقيق مصالح الناس وضبط الأمن ومنع حوادث النهب والابتزاز والقتل والتجوّل بالسلاح داخل المناطق المحررة في مدينة تعز، داعياً إلى استكمال عملية دمج "المقاومة" بالجيش الوطني وبناء جهاز الشرطة وتجهيزه، إضافة إلى وضع خطة عملية مع الجيش الوطني لتحرير بقية المواقع التي يسيطر عليها الإنقلابيون، فضلاً عن فك الحصار نهائياً عن تعز. ويعتبر خالد أن "أكبر مساندة ودعم للسلطة المحلية يمكن أن تقدّمها الأحزاب السياسية المشاركة في المجلس التنسيقي، هي حل المجلس وسحب المجموعات المسلحة المسيطرة على المؤسسات والمكاتب التنفيذية في المحافظة"، مشدداً على أهمية "إنهاء عمل ونشاط المجلس التنسيقي وإفساح المجال للسلطة المحلية للعمل". ويؤكد أن "الحزب الاشتراكي اليمني، والتنظيم الناصري، واتحاد القوى الشعبية جمّدوا نشاطهم في المجلس التنسيقي للمقاومة، وطرحوا بشكل جدي على بقية المكونات مسألة حل المجلس"، مشيراً إلى أن "قوى اليسار تقاطع جلسات المجلس التنسيقي منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتطالب بحله".
في المقابل يتمسك "التجمع اليمني للإصلاح" ومعه حزب "المؤتمر" الموالي للحكومة الشرعية، بضرورة بقاء المجلس، باعتبار أن المحافظة لم تتحرر بعد وما زالت الكثير من المناطق تحت سيطرة الانقلابيين، مما يعني أن التحرير هو القضية التي يجب أن يكون لها الأولوية في هذه المرحلة، كما أن السلطة المحلية لا تزال عاجزة عن فرض نفسها وممارسة مهامها. وفي هذا الصدد، يوضح رئيس الدائرة الإعلامية في "التجمع اليمني للإصلاح" في تعز، أحمد عثمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "دور مجلس تنسيق المقاومة هو التنسيق بين الفصائل والجبهات والمحاور، إضافة إلى تنسيق أعمال المقاومة، وهو ليس مجلساً رسمياً، وكان يقوم ببعض الأعمال التنسيقية الداخلة في اختصاص السلطة المحلية في غيابها بالحد الأدنى".
ويرى عثمان أن "الأحزاب المشاركة في مجلس التنسيق دورها موجّه ومساند، ولن تنسحب في هذا الظرف وتتخلى عن المساندة والتوجيه أو إلغاء آلية تنسيق للمقاومة من دون إيجاد بديل، بغض النظر عن وجود خلافات هامشية يمكن حلها بمزيد من تفعيل التنسيق، خصوصاً أن مجلس التنسيق يضم أيضاً أطرافاً مساندة خارج إطار اللقاء المشترك". ويعتبر أن "قضية إنهاء المجلس ليست قضية محورية أو حاجة ملحّة وليست محل خلاف، كون المجلس طاولة تنسيق لأطراف المقاومة مسنودة بالأحزاب، وشرعيته مستمدة من حاجة التنسيق للأطراف التي تعمل فيه".
وعلى الرغم من التباين بين شركاء مجلس التنسيق، لم يذهب المجلس إلى مناقشة قضية حله، متجاهلاً دعوات بعض الأحزاب لذلك. فصدر بعد جلسة تشاور حضرها حزب "التجمع اليمني للإصلاح" وحزب "المؤتمر الشعبي"، وقاطعها الحزب "الاشتراكي" اليمني و"التنظيم الناصري"، بيان تم التأكيد فيه على أن "مجلس تنسيق المقاومة الشعبية سيمضي بتأدية دوره بكل جهد، حتى تتحرر المحافظة وتستقيم الأوضاع، داعماً للسلطة المحلية وليس بديلاً عنها، وكذلك سيمضي مسانداً للجيش الوطني في كل مهامه الوطنية".