مثّلت مدينة الإسكندرية في القرن الأول الميلادي نقطة التقاء بين حضارات مختلفة، وفيها تطّورت العلوم والمعارف خلال العصرين البلطمي والروماني بالاستناد إلى التراث المصري القديم الذي تمّ إحياؤه، كما ظهرت فيها بدايات الفلسفة المسيحية.
عقد مركز المخطوطات في "مكتبة الإسكندرية" ظهر اليوم الأربعاء حفل إشهار الجزء الثاني من كتاب "مدرسة الإسكندرية الفلسفية وأثرها في التراث الفلسفي الإسلامي: سيمبليكيوس وأثره في ميتافيزيقا ابن سينا"، للأكاديمي حسين الزهري، بمشاركة الأكاديمييْن رجاء أحمد علي ومحمد عبد الغني.
يقارب المؤلّف في الجزء الأول إسهامات المدينة المتأخرة في نقل العلوم إلى العرب المسلمين من خلال التركيز على مؤلّفات أمونيوس بن هرمياس فيلسوف الإسكندرية، ومنهجه وتفسيراته، وكيف أثّرت على فلسفة الفارابي (874 - 950ـ).
وبحسب الكتاب، فإن هذه المرحلة التاريخية طيلة القرن السادس وبداية القرن السابع تبدو غامضة، متناولاً الإضافات التي قدّمها بن هرمياس في شروحه لمؤلفات أرسطو، والحال العلمية والدينية والسياسية في الإسكندرية قبل مجيء العرب إليها. ثم يتعقب الزهري انتقال فكر هذا الرجل ومدرسته العلمية إلى العالم الإسلامي، ومدى معرفة الفلاسفة المسلمين بشخصه وفكره.
ويشير في الجزء الثاني إلى أن الخليفة الأموي مروان بن محمد أمَر بنقل تراث مدرسة الإسكندرية إلى سورية في الربع الأول من القرن الهجري الثاني، ما يكشف بصورة أوضح كيف تحاور وتجادل العرب مع ذلك الفكر السائد قبلهم، مستعرضاً سيرة سمبليكيوس شارح أرسطو الأهم فى هذه الفترة وتلميذ أمونيوس النجيب وبعده أولمبيودوروس الصغير وستيفانوس السكندري وتأثيرهم على الفلسفة العربية خاصة ابن سينا (980 – 1037).
تناول المؤلف أثر الشروح المنطقية التي كتبها سمبليكيوس في الحضارة الإسلامية، وكيف فسّر فلسفة أرسطو تفسيراً أفلاطونياً، ومن هنا فهو يظهر أرسطو معتقداً بإله خالق، وهو ليس موجوداً في مؤلفات المعلم الأول، وهي كتابات تركت تأثيرها الملموس عند ابن سينا ليفسر الوجود في زمنه معتمداً على أفكار ومعطيات وتفسير سابقيه.