في كتابه "مراجعات في الثقافة العربية" الصادر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، جملة تأملات موزّعة على تسعة فصول محاورها الثقافة في مفهومها الشامل والمقومات الحضارية التي تؤسس عليها حياة المجتمع الإنساني ونهضته، وهو ما يمكن اختزاله في معادلتين: معادلة الفرد والجماعة، ومعادلة الفكر والسياسة.
وتتشكل بين المعادلتين مسؤولية المثقف التي أدار المؤلف بعضها على المسألة اللغوية التي ما فتئت في الثقافة العربية تمسي أم القضايا بلا منازع، وبعضها الآخر على خصائص الطاقة الإبداعية من حيث هي الفن القولي، باعتبار أن الأدب يتوّج مفهوم الثقافة في الحضارات.
في الفصل الأول "تجليات الوعي الثقافي"، يتناول المؤلّف "شيء ما" في الثقافة العربية جعل التمييز بين الذات والصفة أمراً صعباً جداً، فلا فصل بين الشخصي والمهني فيها، ويتساءل في الفصل الثاني "ثقافة الانتماء"، إن كان من الحصافة أن ننعت الثقافة بأنها عربية كما لو أننا حددنا لها جنسيتها بالمعنى الذي تحمله بطاقات الهوية وجوازات الأسفار.
يشير الفصل الثالث "سلطة المعرفة" إلى أن المثقف العربي محاصر مأزوم وأزمته غائرة، بقوله "يكفيك دليلًا أن أكثر المثقفين جرأة وأشدهم حصافة لن يقوى على مواجهة المعادلة اليومية الحية: لأي المشهدين سترفع يدك؛ للحرية مع الفوضى أم للأمن مع القهر؟".
يذهب الفصل الرابع "السياسة المدنية" إلى أن الاجتهاد كان قبل حوادث الربيع العربي الملجأ الآمن لاستقرار الوئام بين السياستين المدنية والشرعية، وكان السؤال: هل نرضخ التاريخ إلى النص أم نطوّع القياس وفقًا لإملاءات التاريخ؟ وعندما انتفض بعض العرب، أمسى كل شيء في السياسة "لا يتحدد إلا بمسافته من الدين في تقاذف قصيّ بين الاحتضان المذهبي والرفض الأيديولوجي"، ويرى المسدي في الفصل الخامس "في اللغة وعلم الخطاب" إن الثقافات تلوذ باللغة "لتتخذها رمزاً للهوية الحضارية عالي الدلالة، ويناقش في الفصل السادس "ثقافة الفن القولي" سلطة الإعلام الفوري التي زعزعت الأركان التقليدية التي يقوم عليها التواصل باللغة.
"الجاحظ ومعركة الإنصاف" عنوان الفصل السابع حول منزلة صاحب "البيان والتبيين" في تاريخ الثقافة العربية، ويعرّج في الفصل السابع "التوحيدي بين العقل واللغة"، على الشخصية الجدلية لدى صاحب "الإمتاع والمؤانسة" في سلوكه، والخلاقة بحديثه عن نفسه، والإشكالية ببوحه وإفاضته.
أما في الفصل التاسع والأخير، "ابن خلدون وقوانين التاريخ"، فيقول إن "مقدمة" ابن خلدون جسدت فعلاً المنظومة الإبيستمية في تاريخ الحضارة العربية، "إذ كانت جامعة لشتات الرؤى الفرعية، ومستوعبة لمقولات الفكر النقدي مع غزارة تأليفية هي وليدة القدرة على التجريد والطاقة على الاستقطاب المعرفي الشامل".