بعد أن جرى تقديمه السنة الماضية كإحدى أبرز الفعاليات الثقافية التي شهدتها باريس، حيث اختتم في 18 من الشهر الماضي، بعد أن استمر لأكثر من ثلاثة أشهر في "معهد العالم العربي"، ينتقل معرض "مسيحيو الشرق" إلى مدينة تركوان، في أقصى شمال فرنسا، حيث تُعرض محتوياته بداية من يوم غدٍ في فرع "معهد العالم العربي" في المدينة، ويتواصل عرضها إلى حزيران/ يونيو المقبل.
المعرض هو في نفس الوقت فنّي وتاريخي، حيث أنه يضيء "2000 سنة من التاريخ" كما يقول عنوانه الفرعي، في الوقت الذي يقدّم فيه لوحات ومخطوطات ونقوش على أغراض مختلفة، كما يقدّم سينوغرافيا عامة مستلهمة من معمار كنائس المكوّن المسيحي في بلدان مثل مصر والعراق وتركيا.
كما يرافق المعرض كتاب بنفس العنوان أشرفت عليه الباحثة رافائيل زيادة ويتضمّن بالإضافة إلى المواد التي يقدّمها المعرض شروحات تفاصيل تاريخية حولها، وكذلك دراسات حول تأثيرات متبادلة بين الشرق والغرب، على المستويات الدينية والفنية وغيرها، ولعل المسيحية كانت تاريخياً أهم عنصر التقاء بين الفضاءين.
يفتح الكتاب أيضاً على قضايا أساسية اليوم، من بينها الحفاظ على هذا الموروث الشرقي للمسيحية (وهو الأصل) في ظلّ الاهتزازات السياسية والأمنية والطائفية التي تعرفها المنطقة، وهنا قد نتلمّس أبعاداً تواصلية في الاحتفاء بهذا المعرض والتنقّل به بين المدن الفرنسية على ضخامته، والفترات الطويلة التي يستمرّ فيها عرض محتوياته، فمنذ قرون طويلة حملت الدبلوماسية الفرنسية دعوى حماية "الأقليات" المسيحية ضمن سياساتها التدخّلية في شؤون الشرق، وفي إطار تفاهمات مع العثمانيين في مرحلة أولى ثم في إدارة صراع "الشرق الأدنى" في مرحلة ثانية.