المعركة الأهم هي معركة الجنوب السوري، بعد فشل الهجومين السابقين في شهر فبراير/ شباط الماضي. ففي الهجوم الأول خسر الإيرانيون العقيد عباس عبد إلهي، إلى جانب عشرات القتلى استطاعت "غرفة الإعلام العسكري" توثيق صور 63 منهم.
كما حشدت قيادة الهجوم نحو 4000 مقاتل، معظمهم من حزب الله وبعض الإيرانيين ومقاتلين من الجيش السوري والمليشيات السورية التي يقودها الإيرانيون (قوات الدفاع الشعبي). مع فشل الهجوم، والتحضير للهجوم الثاني، جرت إضافة 4000 مقاتل إلى المعركة، معظمهم أفغان وباكستانيون وبعض العراقيين المتمركزين في مقام السيدة زينب. وقد ذهب جزء من هؤلاء من دمشق إلى الجنوب سيراً على الأقدام. تعرقل الهجوم الثاني لأسباب مختلفة، في مقدمتها الواقع المناخي. وعلى هذا الأساس بدأ الطرفان التحضير للمواجهة المقبلة.
من جهة الجيش الحرّ، ترجم مقاتلوه الشعار الذي رفعوه وهو "خوض حرب العصابات ضد الاحتلال الإيراني وتكبيده أكبر خسائر ممكنة"، بضربات كانت موجعة. ومن الجهة الأخرى، استمرت قيادة القوات المهاجمة (وهي ليست سورية)، بإرسال مجموعات صغيرة لتستكشف بالنار نقاط قوة المدافعين وضعفهم، وقد أبيدت بعض هذه المجموعات بالكامل. كما وجّه هذا الفريق ضربة قوية، بالمعنى الاستخباري، لقيادة الجيش الأول، عبر استهداف الطيران السوري أحد مقاره السريّة، ما أدى إلى إصابة القائد العسكري، أبو أسامة النعيمي، بجراح خطرة، تمت معالجته منها. لكن الأهم هو حشد نحو عشرين ألف مقاتل من مختلف الجنسيات، وتحضيرهم للهجوم الجديد. وتتوزع جنسيات المقاتلين على إيرانية ولبنانيّة (حزب الله)، وأفغان وباكستانيين وبعض العراقيين إضافة إلى المقاتلين السوريين، إنْ في صفوف الجيش أو المليشيات. وينقسم المقاتلون إلى قوات نخبة ومشاة، يجري إرسالهم عادة للموت، كما حصل في الهجومين السابقين. في المقابل، لا يزال موقف قيادة الجبهة الجنوبية مرتكزاً على أنه "يُمكن لقوات الاحتلال أن تسيطر على الأرض، لكنها لن تستطيع البقاء في اليوم التالي، وعليها دفع ثمن غالٍ في احتلال الأرض"، كما تقول مصادر "غرفة الإعلام العسكري".
وتعمل قيادة المهاجمين على تزويد القوة المهاجمة بمختلف أنواع الأسلحة في إطار الحرص الإيراني على تحقيق انتصار هذه المرة، وتحقيق الأهداف التي تتلخص بالوصول إلى الحدود الأردنية، ولو إلى جزء منها، بهدف قطع خطوط إمداد الجيش الحرّ وتواصله مع العالم الخارجي. كما تحمل الرغبة الإيرانية في الوصول إلى الحدود الأردنية توجيه رسائل لدول الخليج بأنها مستمرة في إطباق الحصار عليها.
اقرأ أيضاً: حزب الله يخوض معركة إنهاء الجيش الحر بريف درعا
ومن الأهداف المهمة لدى الإيرانيين، خلق فراغات أمنيّة في الجنوب السوري، بحيث تكون مفتوحة لتمدّد تنظيم الدولة الإسلاميّة، (داعش)، إليها، إنْ من القلمون الشرقي أو من البادية لجهة الشرق. وقد عمل الإيرانيّون والجيش السوري على السعي لفتح الباب أمام "داعش" في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما سحب الجيش السوري دفاعاته الثقيلة وخصوصاً من اللواءين 12 و82 القريبين من إزرع، إضافة إلى مطار خلخلة العسكري، بهدف ترك ثغرات أمنيّة تسمح لـ"داعش" بالتمدد من جهة الشرق ليصبح على تماس مباشر مع السويداء ودرعا.
الارتباط الأساسي لهذه المعركة بمعركة القلمون الغربي، التي أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عنها في خطاب له في فبراير/ شباط الماضي، عندما أشار إلى أن المعركة ستحصل بعد ذوبان الثلج، هو الرغبة في القضاء على مناطق الجيش الحر في الجنوب والزبداني عبر إغراقها بالمتشددين الإسلاميين، وتأمين مناطق الوسط السوري، أي دمشق وريفها وصولاً لحمص والساحل السوري. ومنذ ذلك الحين، شرعت وسائل إعلام الممانعة في الحديث عن "معركة الربيع"، وعن ضرورة التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري.
في الواقع، أبلغ حزب الله عدداً من حلفائه أن المعركة ستبدأ بعد أيامٍ في القلمون الغربي، وأن عليهم تحضير أنفسهم لهذه المعركة، إذ ستكون هناك حاجة لمجموعاتهم المقاتلة المنضوية تحت لواء "سرايا المقاومة". وبحسب ما يقوله بعض حلفاء حزب الله، فإن عمل سرايا المقاومة سيكون في داخل لبنان، من دون تحديد ماهية الدور الذي ستقوم به. لكن اللافت في هذا الإطار، ارتفاع صوت حلفاء حزب الله بالنقد له. فبات يُمكن سماع انتقادات حادة للحزب ولقيادته في كثير من الصالونات السياسيّة. كما أن الحزب صار يُجاهر بأن المعركة تهدف للقضاء على الجيش الحرّ، بعدما كان يقول عادةً إنها ضد "النصرة وداعش".
لكن الأهم هو ما أبلغه مسؤولو حزب الله للأجهزة الأمنيّة وللجيش اللبناني عن المعركة، وما طلبوه من الجيش. وبحسب مسؤول أمني رفيع في لبنان، فإن حزب الله أبلغ الجيش اللبناني ضرورة تحضير قواته للمشاركة في الحصار التي يتم التجهيز له في القلمون الغربي للمسلحين المنتشرين في الجرود.
وبحسب المصدر، وهو على صلة جيدة بحزب الله، فإن الحصار في الجرد سيبدأ من بلدة بريتال وجردها (بلدة لبنانيّة على الحدود اللبنانيّة السوريّة)، وسيمتد تدريجياً ليُشكّل حلقة حول المسلحين.
ومن الواضح أن جبهة النصرة حصلت على هذه المعلومات، وهو السبب التي دفعها أخيراً لشن سلسلة هجمات ومحاولة التمدد في الجرد بهدف منع حزب الله والجيش السوري من الإطباق عليها.
كما طالب الحزب بحصول تنسيق علني بين الجيشين اللبناني والسوري. وبحسب المصدر الأمني، فإن قائد الجيش اللبناني متخوّف من تغيّر التنسيق الموجود حالياً، وهو تنسيق غير علني وليس على مستوى رفيع، إذ إن هذا التنسيق يحتاج إلى غطاء سياسي محلي ودولي، في إشارة إلى ضرورة الموافقة الأميركيّة.
ويتخوّف المصدر الأمني من الحصار الذي ينوي حزب الله القيام به، إذ إنه سيكون حصاراً بلا ممرّ آمن، خصوصاً في المرحلة الأولى "وهذا أمر خطير على المستوى العسكري". ويُشير المصدر إلى أن المعطيات المتوافرة لديه تُشير إلى أن حزب الله والجيش السوري سيضغطان على المسلحين بحيث يحاولون الهرب من نقطتي ضعف، وهي عرسال ورأس بعلبك. فالمسؤولية الأمنيّة عن هاتين البلدتين هي للجيش اللبناني، وهنا التحدي، هل سيستطيع الجيش حماية حدوده، أم سيُحقّق حزب الله هدفين؟ الهدف الأول هو ضرب عرسال، إذ إن دخول المسلحين إليها مرة ثانية، سيجد المطالبة بإخلائها من المدنيين اللبنانيين والقضاء على "إرهابيي داعش" فيها. وبهذا يكون حزب الله قد تخلّص من "عقبة" أساسيّة يسعى للتخلص منها بطرق مختلفة من ثلاث سنوات، وهي الكتلة السنية في عرسال.
أمّا الهدف الثاني، فهو تحويل الإعلام العالمي للتضامن مع رأس بعلبك، كونها منطقة مسيحيّة تحت الاعتداء، وهو أمر جذاب للإعلام، وسيُظهر حزب الله كمدافع عن الأقليات.
كما يُشير المصدر الأمني إلى وجود تخوّف لدى عدد من الأمنيين الرسميين، وبينهم قائد الجيش جان قهوجي، من مخطط حزب الله هذا، وخصوصاً أن هؤلاء يُدركون جيداً أن حزب الله لم يسعَ خلال سيطرته على مدن وبلدات القلمون بين عامي 2013 و2014، من القصير إلى يبرود، للقضاء على المسلحين بشكلٍ كامل، بل سمح لهم بممرات صوب الجرود المتصلة في لبنان، وهو ما أدى إلى توريط لبنان. اللافت أن حزب الله يُشيع بأن انتخابات الرئاسة الأولى ستكون بعد معركة القلمون، وهو ما يعني وعد قهوجي بهذا المنصب في حال لبى مطالب الحزب.
أما الخطوة الأخيرة في هذا المخطط، فهي السماح لما بقي من مسلحين بممرات صوب منطقة الزبداني، حيث يوجد الجيش الحرّ، بحيث يُخلق صراع بين "الحرّ" و"النصرة". وهو ما يتقاطع مع السعي لضرب كل المناطق المتبقية للجيش الحرّ عبر إغراقها بمقاتلين متشددين.
اقرأ أيضاً: النظام السوري يُخلي طريق درعا لضرب "الحرّ" بـ"داعش"