في شارع الواد ببلدة القدس القديمة والمفضي إلى المسجد الأقصى، وجد المستوطنون ما كانوا يتطلعون إليه على نحو يتسبب بأكبر أذى ممكن لمشاعر المقدسيين، سواء تجار السوق أو الآلاف من المارين من هناك إلى المسجد الأقصى، بافتتاحهم مقهى ترفيهياً لجنود الاحتلال وحراس أمنهم. وجاء المقهى كمكافأة لأولئك الجنود الذين يوفرون للمستوطنين الحماية والمرافقة الأمنية على مدار الساعة في هذا الشارع. وهو يعد شريان الحركة اليومية للآلاف من الفلسطينيين، ولبضع مئات من المستوطنين الذين يقطنون في نحو 80 بؤرة استيطانية موزعة على أحياء البلدة القديمة المختلفة.
ويقع هذا المقهى، كما يقول خبير الاستيطان والعقارات في البلدة القديمة، هايل صندوقة، لـ"العربي الجديد"، في محل تجاري قديم كان يشكل جزءاً من مبنى ضخم استولى عليه رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، أرييل شارون، في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي. ومنذ ذلك الحين، تحول المكان إلى مقر للمستوطنين ولحراس الأمن الإسرائيليين، ونقطة انطلاق نحو البؤر الاستيطانية المنتشرة في المنطقة.
ولا يخفي تجار شارع الواد ريبتهم من الأهداف الحقيقية لافتتاح "المقهى الترفيهي" الاستيطاني بجوار محلاتهم. والخطوة تتجاوز فكرة التعبير عن شكر المستوطنين لجنود الاحتلال، الذين ما انفكوا ينكلون بالمارين الفلسطينيين بوسط الشارع، لا سيما الشبان.
وعلى مقربة من هذا المقهى تقع عدة محال لبيع الحلويات. وتعود ملكيتها لعائلة وأقرباء منفذ عملية القدس الأخيرة قبل عدة أسابيع، الشهيد مصباح أبو صبيح. وقد يفضي الوجود الدائم للمستوطنين في هذا المقهى إلى صدامات خطيرة مع المواطنين المقدسيين، لا سيما حين ينتشر جنود الاحتلال وحراس المستوطنين بوسط الشارع، كما يقول صاحب محل لبيع الأقمشة، عبد العجلوني.
ويشير العجلوني إلى أن فترة الأعياد اليهودية الأخيرة شهدت تجمعات استفزازية للمستوطنين في هذا الشارع. وتحول المبنى الذي استولى عليه شارون إلى نقطة انطلاق لتعديات على المواطنين وممتلكاتهم، بحسب تأكيده.
وكان المواطنون المقدسيون في شارع الواد، وبعد العملية التي نفذها الشهيد الحلبي العام الماضي، والتي أشعلت انتفاضة القدس المتواصلة، قد قرروا تغيير اسم الشارع ليحمل اسم الشهيد الحلبي. وهو ما أغاظ سلطات الاحتلال وبلديتها التي سارعت إلى محو شعارات كتبت هناك على جدران المحال التجارية، بما في ذلك على البوابة المحصنة التي تم تشييدها أمام "المقهى الترفيهي"، في تحد من قبل شبان البلدة القديمة. واعتقل خمسة من الشبان على الأقل. ووجهت لهم تهمة كتابة الشعارات تلك، بعدما تتبعتهم عشرات كاميرات المراقبة وآلات التصوير المتطورة المقامة في أنحاء البلدة القديمة من القدس.
ويقول قوس "في الأسابيع القليلة الماضية وتحديداً في فترة الأعياد اليهودية (الغفران) و(المظلة) صعّد المستوطنون بحماية قوات الاحتلال من اعتداءاتهم على المواطنين المقدسيين في البلدة القديمة. ولم يستغرب افتتاح المقهى، لما يمارسه المستوطنون وجنود الاحتلال بحق المقدسيين، مشيراً إلى أن احتجاز الفتية والشبان والتنكيل بهم على مرأى من المستوطنين بات حدثاً يومياً، ومعتبراً أن ما سيقدم في هذا المقهى للجنود هو مكافأة من المستوطنين لهم وتشجيعاً على ارتكاب المزيد من الاعتداءات.
على المستوى الرسمي الفلسطيني، يرى محافظ القدس ووزير شؤونها بالحكومة الفلسطينية، عدنان الحسيني، أن افتتاح مقهى يديره مستوطنون ليكافئوا به جنود الاحتلال، يمثل صورة بشعة لاستفزازات هؤلاء المتطرفين ويشكل تحريضاً من قبلهم ليواصل جنود الاحتلال ممارساتهم القمعية ضد شبان البلدة القديمة، والاستمرار في حملات الدهم والاعتقال. ويشدد على أن ذلك سيشكل مرحلة جديدة من التصعيد الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى، قد تقود إلى مواجهات شاملة، علماً بأن هذا التصعيد متواصل ومستمر وعلى أكثر من مستوى وصعيد.