"مكفولة بنت إبراهيم" تواجه مجتمعا يشكك في أهدافها

18 أكتوبر 2014
تدافع عن النساء في مجتمع ذكوري (خديجة الطيّب)
+ الخط -
شُجاعة هي الناشطة الحقوقيّة الموريتانيّة مكفولة بنت إبراهيم، التي تواجه عوائق كثيرة ورفضاً شديداً لآرائها الجريئة يصل أحياناً إلى حدّ التهديد بالقتل. وهي، وعلى الرغم من ذلك، تُصرّ على المضيّ في توعية النساء بحقوقهنّ في مجتمع منغلق ومحافظ، ترزح فئات منه تحت ثقل التقاليد المحليّة، وتعاني أخرى من عدم تنفيذ القوانين وتفاقم مظاهر التمييز ضد المرأة.
بالنسبة إلى مكفولة (47 عاماً)، "قضيّة المرأة هي قضيتي، وأنا تأخرت كثيراً في اتخاذ قراري بإسماع صوتي، الذي أصبح بالفعل نشازاً في مجتمع- عن جهل أو عن قصد- يواصل السير بحسب ما تمليه العقليّة المتوارثة من جهة، والارتهان إلى ثقافة وافدة لا ترى في المرأة إلا جسداً من جهة أخرى. فأصبحنا كالمستجير من الرمضاء بالنار".
وُلدت مكفولة في قرية الطواز شمال موريتانيا، وعاشت حياتها متنقلة بين جدّتها وأمها، وهما كانتا امرأتَين كادحتَين استطاعتا النجاة بها من مخالب الفقر الذي قضى على طموح كثيرين في التعلم ونيل شهادات. و"هاتان المرأتان الحديديتان صنعتا مني فتاة متمرّدة تتقن التحدّي وتكره التبعيّة". فسافرَت لإكمال تعليمها الجامعي في الجزائر، وعادت إلى البلاد بإجازة من معهد البيولوجيا الجزئيّة في منتصف تسعينيات القرن الماضي. عملت في وزارة الصحة، و"ازداد إحساسي بالظلم الذي يمارس بحقّ المرأة. اصطدمت بالتقاليد الجائرة التي تبقيها في المؤخرة، حتى في الوظائف الحكوميّة، مما جعلني أرى الأشياء من خلال مجهر آخر وليس مجهر المختبر الذي كنت أعمل فيه... فعرفت الداء وقرّرت خوض تجربة العلاج، بالعمل في المجال التطوّعي الأهلي ثم المجال الحقوقي".
تُصرّ مكفولة على رفض "الارتهان للواقع، باعتبار أننا نملك نفس ما يملكه الرجل من المؤهلات، ولا نرى سبباً لبقائنا في المؤخرة ندفع ثمن عقليات بائدة ويتحكم الفقر والجهل في قراراتنا". وجرأتها هي في قول حقيقة يرفض المجتمع كله قولها حتى عبر الأمثال الشعبيّة، "فالحقّ لا يقال كاملاً".
تدافع مكفولة عن المرأة الموريتانيّة التي تتعرّض للختان في الصغر، وتلك التي تُرغَم على الزواج وهي قاصر ويصادر حقها في اختيار الزوج باشتراط "كفاءة النسب القبلي" الذي يحرم عدداً كبيراً من الموريتانيات من الارتباط بمن يخترن، وتلك التي حين تترمّل تتحكّم عائلة الزوج في مصير أبنائها بقوة القانون.
لا تجد مكفولة تفسيراً لاستمرار منع المرأة الموريتانيّة من العمل كقاضية، والعالمات من الانتساب إلى رابطات العلماء، وحرمانهنّ من الظهور الإعلامي، ومن إصدار الفتاوى. والتمييز لا يقتصر على هؤلاء، بل يطال مجال المال والأعمال، إذ تُحرَم اللواتي يعملن في التجارة من الحصول على قروض كبيرة وامتيازات تُمنح لرجال الأعمال.
لكن الحملات التي تقوم بها مكفولة لتوعية النساء بحقوقهنّ وبسلبيّة التقاليد والأعراف الظالمة لهنّ، وكذلك للانتصار للقرويات والأميات في وجه الإقصاء والتهميش، أزعجت بعض الجهات القبليّة. فهوجمت أثناء إحدى حملاتها في الأرياف بداعي أنها تحمل "أفكاراً مستوردة هدّامة".
خلال تنقلها بين محافظات الداخل، "انتهزت الفرصة للتحدّث إلى النساء عن ضرورة مشاركتهنّ في المجتمع. وكنت أركّز دائماً على ضرورة الاستقلال المادي والعمل، لأن ذلك يمكّن المرأة من الاحتفاظ بقرارها وبأسرتها أيضاً. لكن بعض الرجال عبّروا لي عن امتعاضهم، لأن ذلك سيجعل المرأة تتمرّد على أوامرهم. وهاجموني بشدّة".
على الرغم مما حققته الحركة النسائيّة في موريتانيا من نجاحات في المناصب السياسيّة والانتخابات، إلا أن مكفولة ترى أن ثمّة تراجعاً في هذه المكتسبات؛ بسبب وجود مناهضي حقوق المرأة في المراكز العليا لصنع القرار. "ثمّة حملة حالياً ضدّ وصول المرأة إلى مراكز القرار. وبعض الشخصيات تدعو صراحة إلى تحجيم دور المرأة، وحظر سفرها من دون محرم، ومنعها من تقلّد مناصب عليا، والترشّح للانتخابات. وأكثر من ذلك، ثمّة دعوة إلى إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
وكانت مكفولة قد تعرّضت لحملة تشويه واسعة النطاق، وتلقّت عشرات التهديدات بالقتل والاختطاف، وقدّمت شكوى إلى الشرطة بخصوصها. "في الحقيقة أمضيت شهرَين أخرج متخفية. وأحسست في بعض اللحظات أننا كمواطنين لا نحصل على الأمان في وطننا. وتساءلتُ هل يستحقّ هذا العمل أن أمضي به؟". لم يتوقّف الأمر على ذلك، فثمّة جهات "أرادت أن تكفّرني، ودعت إلى تظاهرات ضدّي، لكنها فشلت. وثمّة أشخاص اتصلوا بعائلتي، مدّعين أن ما أقوم به يتسبّب في تشويه سمعة الأسرة والقبيلة. لكن العائلة تفهّمت دوري كحقوقيّة".
دلالات
المساهمون