ارتبط اسم شوبان بمدينة وارسو التي نشأ فيها قبل أن ينتقل منها إلى فيينا في سن العشرين ومنها إلى باريس التي عاش فيها حتى رحيله، وكان قد أدّى طفلاً مقطوعة موسيقية من تأليفه في القصر الجمهوري، لكنه ظلّ متعلّقاً بها على نحو رومانسي، خاصة أن بلاده عاشت اضطرابات عديدة وتعرّضت أيضاً إلى عدّة احتلالات.
اهتمّ الباحثون دراسة المؤلّف البولندي الفرنسي (1810 – 1849) في جوانب مختلفة، منها الاكتشاف مؤخراً أنه رحل في التاسعة والثلاثين نتيجة مضاعفات نادرة من السل المزمن، إضافة إلى تأثير الأفكار السياسية حول تشكّل الدولة القومية في أوروبا عليه.
تضيء المؤلّفة تأثّره بعدد من الموسيقيين الأوروبيين وفي صدارتهم باخ
"ملاحقة شوبان: رحلة موسيقية عبر ثلاثة قرون وأربعة بلدان ونصف دزينة من الثورات" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً للكاتبة والفنانة الأميركية أنك لافارج عن منشورات "سايمون آند شوستر" التي تحاول التركيز على شخصية أخرى لشوبان غير تلك الرومانسية والحزينة والمريضة التي تمّ تداولها في معظم المؤلفات حول سيرته.
تتناول المؤلّفة مسائل حول روحه الوطنية الثائرة التي انعكست في عدّة مواقف، وعلاقة الحب الأبرز في حياته، وتأثّره بعدد من الموسيقيين الأوروبيين وفي صدارتهم باخ، خاصة بين عاميْ 1837 و1840، عندما قام بتأليف "مسيرة الجنازة" مستنداً إلى الموضوعات الرئيسية في حياته: ارتباط عميق بموطنه البولندي، وعلاقته المعقدة مع الكاتبة الفرنسية جورج ساند التي سافر معها إلى جزيرة مايوركا الإسبانية وهناك ألّف مقطوعة "أوبوس 35".
كما تشير خلفيات تأليف هذه المقطوعة إلى موقفه المعارض لثورة باريس 1830، التي شهدت الإطاحة بالملك الفرنسي شارل العاشر، وصعود ابن عمه لويس فيليب الأول دوق أورليانز، وشكّلت انقلاباً على الملكية الدستورية، وتبرز أيضاً صداقاته مع عدد من الفنانين مثل أوجين ديلاكروا وماركيز دي كوستين.
زارت لافارج خلال بحثها صانعي البيانو والآثار والكنائس والمحفوظات والأرشيفات التي تضمّ وثائق مهمة حول شوبان، وتحدثت إلى عدد من المتخصّصين في النقد والتاريخ الموسيقي، وموسيقيّي الجاز، ومدرسي الموسيقى، ومديري عدد من المسارح في أوروبا، وبالطبع العشرات من عازفي البيانو؛ الآلة التي تميّز بها شوبان.
تصل المؤلّفة إلى عام 1831 حين سُحقت الثورة في بولندا، وتأثير ذلك الكبير عليه، كما تتبّع الأمكنة التي كان يرتادها لفهم حضورها في عوالمه الموسيقية، وكذلك ترصد الصداقات التي جمعته مع عديدين وإعجابه ببعض الشخصيات التي كانت تعبر حينها سيئة السمعة.