"الخوف هو التخلي عن المنطق. التخلي الإرادي عن الأنماط العقلانية. ولا خيار أمامنا، إلا أن نستسلم له، أو أن نحاربه. لا يمكننا أبدا أن نقف موقف الحياد منه" (شيرلي جاكسون).
عُرض مسلسل The Haunting of Hill House بحلقاتهِ العشر لأول على مرة على "نتفليكس" بتاريخ 12 أكتوبر/تشرين الأول من العام الحالي (موسم الهالوين).
يأتي العمل ضمن تصنيف مسلسلات الدراما والرعب والغموض. بُني المسلسل على رواية تحمل نفس الاسم للكتابة الأميركية شيرلي جاكسون، وتعد الرواية من كلاسيكيات الأدب الأميركي من القرن العشرين. تدور الحبكة حول منزلٍ مسكون (منزل آل هِل) يتغذّى على آلام وجروح وأرواح من يسكنون فيهِ، ويحيلهم إلى الجنون للدرجة التي يدفعهم فيها إلى أخذ أرواحهم بأيديهم ليصيروا سُكنى دائمين في المنزل. في صيفٍ ما، قررت عائلة هيو كراين (المكونة من سبعة أفراد مع الأب والأم) أن تشتري المنزل وترممه لتبيعه في نهاية الصيف بهامش ربحٍ مُعين. لكن وفورَ انتقالهم إليه، يبدأ المنزل بالعبث مع أفراد العائلة، كل منهم على انفراد؛ ما يقودهم في النهاية إلى الهرب منه، ولكن المنزل يستمر في العبث معهم حتى وهم خارجه، وبعد مرور أكثر من 20 عاماً على تركهم له.
حقق المسلسل نجاحاً كبيراً، سواء على صعيد النقاد (90 في المائة على موقع روتين توميتوز) أو المشاهدين، وحقق أرقاماً قياسية بالنسبة لمسلسل رُعب، واستطاع أن يحصد مشاهدين من كل الأطياف؛ فالرعب ليس الثيمة الرئيسية للمسلسل، وإنما محسن بديعي الكاتب/المخرج استخدمه لإيصال رسالته. ونشر كاتب الرعب الشهير ستيفن كينغ عبر حسابه على تويتر تغريدة عن المسلسل: "لا أميل عادة إلى الأعمال التعديلية (التي تعدل على رواية قديمة بما يتناسب مع عصرنا الحديث)، لكن مسلسل سُكنى منزل آل هِل أقرب ما يكون إلى العبقرية، وأعتقد أن شيرلي جاكسون كانت لتوافق على الإنتاج، لستُ متأكداً، ولكن هذا رأيي".
اقــرأ أيضاً
مشي بين زمنين
يعتمد المسلسل بشكل عامٍ على طريقة تصوير اللقطة الواحدة Single Shot؛ حيث يجري تصوير كامل المشاهد بلقطة واحدة طويلة بكاميرا واحدة ومرة واحدة من دون الحاجة إلى القطع أو التروي، وهذا يعني أن كل المَشاهِد تكون مُتصلة وأي خلل في تصوير أحد المشاهد، يعني بدء التصوير من جديد. ومن بين كل الحلقات، أظهرت الحلقة السادسة (عاصفتان Two Storms) قدرة المخرج والطاقم التصويري على التفرّد، إذ تم تصوير عدة مشاهد (17 دقيقة)، تدور أحداثها بين الماضي والحاضر مرة واحدة.
وقال مخرج وكاتب السيناريو مايك فلانغين إنه، وفي أثناء كتابة النص، أدرك أن عليهِ تضمين كاريوغرافيا الكاميرا في المسودة، لأنه سيكون عليهم تصوير 18 صفحة (سيناريو) من دون أي قطعٍ أبدًا. وأضاف فلانغين: "أردت لحلقة ما أن تكون في الوقت الفعلي للمسلسل وأن تظهر وتصور على طريقة اللقطة الواحدة، ولكن الأمر تحوّل بالنسبة لي إلى تحدٍ تقني لم أجربه قبلاً. فكان يجب بناء مكان التصوير وتجهيزه بما يتلاءم مع طريقة التصوير، لأن بعض اللقطات ستتطلب منا أن نمشي في البيت على طولهِ سواء في الماضي أو الحاضر".
قالت الممثلة كارلا غاجينو التي تمثل دور الأم في المسلسل: "كان يجب على جميع الطاقم سواء التصويري أو التمثيلي أن يكونوا في تزامنٍ تام، وأي خلل في هذا التزامن، يعني أن علينا بدء التصوير من جديد". قال الممثل ميشيل هوزمان والذي يمثل دور الأخ الأكبر ستيفن كراين: "هذا العمل من أكثر الأعمال تشويقاً وتعقيداً التي عملت فيها"، وهو الممثل الذي ظهر في مسلسل "لعبة العروش" بدور داريو نهاريس.
استُخدم اللون كأداة رئيسية في التمييز بين الماضي والحاضر في القصة؛ فلقطات الماضي (الارتجاع الفني) ولقطات الحاضر تبدوان كأنهما من مسلسلين مختلفين. تظهر لقطات الماضي بألوان أكثر دفئاً وحيوية، ولكن عندما نرى أطفال آل كراين البالغين في الوقت الحاضر، فكل شيء يبدو بارداً وُمفرغاً من معناه. استخدام اللون يضاعف سيكولوجية المسلسل، حيث يتعامل الأشقاء البالغون غير السعداء مع شياطين تنبع مباشرة من ماضيهم كأطفال سعداء. وبصورة موضوعية، يمكنك استخراج قيمة المعنى ورسالة المخرج من الفرق في اللون بين العالمين.
اقــرأ أيضاً
بطولة جماعية
من الصعب لأي مسلسل أن يقدّم أكثر من شخصية رئيسية واحدة وينجح في جعلنا نرتبط معهم جميعاً، إلا أن مسلسل "سُكنى منزل آل هِل" ينجح في ذلك؛ إذ يكون أبناء عائلة آل كراين وأبوهم (ستفين كراين، وشيرلي كراين، وثيودورا كراين، ونيللي كراين، ولوك كراين، وهيو كراين) هم الشخصيات الرئيسية من دون تفضيل لأي شخصية على حساب الأخرى.
ومن أجل إنجاح ذلك، اعتمد المسلسل على تجهيز حلقة لكل شخصية ليروي لنا ما يحصل معها في الماضي، مروراً إلى الحاضر، ليجعلنا نعيش مكانها، ونتفهم غضبها وخوفها، ولنعرف سبب تصرفها وتوقع مآلها. بهذه التقنية، تمكّن مايك فلانغين من جعلنا نعيش مع العائلة كأننا فرد من أفرادها خلال 10 حلقات فقط، وهو أمر يتطلب في أي مسلسل آخر إعادة المشاهدة أكثر من مرة، إلا أن مسلسل "سُكنى منزل آل هل"، بطاقات الممثلين العظيمة وبقدرتهم على جعلك تتقمص أدوارهم، أقنعوك بأن تُعجب بشخصيات المسلسل كلها من دون أن تميل لواحدة دون الأخرى، فكلهم أحسنوا وأتقنوا الدور المنوط بهم.
الموت
يُناقش المسلسل ثيمة الموت بشكل رئيسي، ويدور في فلك تقبّله أو إنكاره أو الخوف منه، ويمر المسلسل مع كل شخصية، بمرحلة من مراحل الحزن الخمس (الإنكار/الغضب/المساومة/الاكتئاب/التقبّل)، بل وأكثر من ذلك، فكل شخصية من أبناء آل كراين، تمثل مرحلة من المراحل المذكورة، ويبدأ هذا بالظهور من أول حلقة.
فشخصية ستيفن كراين، الكاتب المرموق الذي يرى أن كل عائلته مريضة بأمراض عقلية ولا وجود لأي أشباح، بل وحتى حين يراهم يحاول إقناع نفسه بأن كل ما يراه محض هلوسات، ويتهم أمه بأنها انتحرت وتركتهم، فهو هنا يمثل المرحلة الأولى، وهي الإنكار.
أما شيرلي التي أخذت مكان الأم في البيت بين إخوانها، فهي تمثل دور السلطويّ المتحكم، وأي شيء يخرج عن نظامها يثير غضبها، فنراها غاضبة على أخيها الأكبر لأنه كتب عن مأساتهم في كتابهِ، وعلى أختها لأنها أخذت جزءًا من أرباح الكتاب وعلى زوجها وعلى غيرها من الشخصيات، وهي بذلك تمثل المرحلة الثانية: الغضب. وباقي الشخصيات (ثيودورا: المساومة – لوك: الاكتئاب – نيلي: التقبّل).
عُرض مسلسل The Haunting of Hill House بحلقاتهِ العشر لأول على مرة على "نتفليكس" بتاريخ 12 أكتوبر/تشرين الأول من العام الحالي (موسم الهالوين).
يأتي العمل ضمن تصنيف مسلسلات الدراما والرعب والغموض. بُني المسلسل على رواية تحمل نفس الاسم للكتابة الأميركية شيرلي جاكسون، وتعد الرواية من كلاسيكيات الأدب الأميركي من القرن العشرين. تدور الحبكة حول منزلٍ مسكون (منزل آل هِل) يتغذّى على آلام وجروح وأرواح من يسكنون فيهِ، ويحيلهم إلى الجنون للدرجة التي يدفعهم فيها إلى أخذ أرواحهم بأيديهم ليصيروا سُكنى دائمين في المنزل. في صيفٍ ما، قررت عائلة هيو كراين (المكونة من سبعة أفراد مع الأب والأم) أن تشتري المنزل وترممه لتبيعه في نهاية الصيف بهامش ربحٍ مُعين. لكن وفورَ انتقالهم إليه، يبدأ المنزل بالعبث مع أفراد العائلة، كل منهم على انفراد؛ ما يقودهم في النهاية إلى الهرب منه، ولكن المنزل يستمر في العبث معهم حتى وهم خارجه، وبعد مرور أكثر من 20 عاماً على تركهم له.
حقق المسلسل نجاحاً كبيراً، سواء على صعيد النقاد (90 في المائة على موقع روتين توميتوز) أو المشاهدين، وحقق أرقاماً قياسية بالنسبة لمسلسل رُعب، واستطاع أن يحصد مشاهدين من كل الأطياف؛ فالرعب ليس الثيمة الرئيسية للمسلسل، وإنما محسن بديعي الكاتب/المخرج استخدمه لإيصال رسالته. ونشر كاتب الرعب الشهير ستيفن كينغ عبر حسابه على تويتر تغريدة عن المسلسل: "لا أميل عادة إلى الأعمال التعديلية (التي تعدل على رواية قديمة بما يتناسب مع عصرنا الحديث)، لكن مسلسل سُكنى منزل آل هِل أقرب ما يكون إلى العبقرية، وأعتقد أن شيرلي جاكسون كانت لتوافق على الإنتاج، لستُ متأكداً، ولكن هذا رأيي".
مشي بين زمنين
يعتمد المسلسل بشكل عامٍ على طريقة تصوير اللقطة الواحدة Single Shot؛ حيث يجري تصوير كامل المشاهد بلقطة واحدة طويلة بكاميرا واحدة ومرة واحدة من دون الحاجة إلى القطع أو التروي، وهذا يعني أن كل المَشاهِد تكون مُتصلة وأي خلل في تصوير أحد المشاهد، يعني بدء التصوير من جديد. ومن بين كل الحلقات، أظهرت الحلقة السادسة (عاصفتان Two Storms) قدرة المخرج والطاقم التصويري على التفرّد، إذ تم تصوير عدة مشاهد (17 دقيقة)، تدور أحداثها بين الماضي والحاضر مرة واحدة.
وقال مخرج وكاتب السيناريو مايك فلانغين إنه، وفي أثناء كتابة النص، أدرك أن عليهِ تضمين كاريوغرافيا الكاميرا في المسودة، لأنه سيكون عليهم تصوير 18 صفحة (سيناريو) من دون أي قطعٍ أبدًا. وأضاف فلانغين: "أردت لحلقة ما أن تكون في الوقت الفعلي للمسلسل وأن تظهر وتصور على طريقة اللقطة الواحدة، ولكن الأمر تحوّل بالنسبة لي إلى تحدٍ تقني لم أجربه قبلاً. فكان يجب بناء مكان التصوير وتجهيزه بما يتلاءم مع طريقة التصوير، لأن بعض اللقطات ستتطلب منا أن نمشي في البيت على طولهِ سواء في الماضي أو الحاضر".
قالت الممثلة كارلا غاجينو التي تمثل دور الأم في المسلسل: "كان يجب على جميع الطاقم سواء التصويري أو التمثيلي أن يكونوا في تزامنٍ تام، وأي خلل في هذا التزامن، يعني أن علينا بدء التصوير من جديد". قال الممثل ميشيل هوزمان والذي يمثل دور الأخ الأكبر ستيفن كراين: "هذا العمل من أكثر الأعمال تشويقاً وتعقيداً التي عملت فيها"، وهو الممثل الذي ظهر في مسلسل "لعبة العروش" بدور داريو نهاريس.
استُخدم اللون كأداة رئيسية في التمييز بين الماضي والحاضر في القصة؛ فلقطات الماضي (الارتجاع الفني) ولقطات الحاضر تبدوان كأنهما من مسلسلين مختلفين. تظهر لقطات الماضي بألوان أكثر دفئاً وحيوية، ولكن عندما نرى أطفال آل كراين البالغين في الوقت الحاضر، فكل شيء يبدو بارداً وُمفرغاً من معناه. استخدام اللون يضاعف سيكولوجية المسلسل، حيث يتعامل الأشقاء البالغون غير السعداء مع شياطين تنبع مباشرة من ماضيهم كأطفال سعداء. وبصورة موضوعية، يمكنك استخراج قيمة المعنى ورسالة المخرج من الفرق في اللون بين العالمين.
بطولة جماعية
من الصعب لأي مسلسل أن يقدّم أكثر من شخصية رئيسية واحدة وينجح في جعلنا نرتبط معهم جميعاً، إلا أن مسلسل "سُكنى منزل آل هِل" ينجح في ذلك؛ إذ يكون أبناء عائلة آل كراين وأبوهم (ستفين كراين، وشيرلي كراين، وثيودورا كراين، ونيللي كراين، ولوك كراين، وهيو كراين) هم الشخصيات الرئيسية من دون تفضيل لأي شخصية على حساب الأخرى.
ومن أجل إنجاح ذلك، اعتمد المسلسل على تجهيز حلقة لكل شخصية ليروي لنا ما يحصل معها في الماضي، مروراً إلى الحاضر، ليجعلنا نعيش مكانها، ونتفهم غضبها وخوفها، ولنعرف سبب تصرفها وتوقع مآلها. بهذه التقنية، تمكّن مايك فلانغين من جعلنا نعيش مع العائلة كأننا فرد من أفرادها خلال 10 حلقات فقط، وهو أمر يتطلب في أي مسلسل آخر إعادة المشاهدة أكثر من مرة، إلا أن مسلسل "سُكنى منزل آل هل"، بطاقات الممثلين العظيمة وبقدرتهم على جعلك تتقمص أدوارهم، أقنعوك بأن تُعجب بشخصيات المسلسل كلها من دون أن تميل لواحدة دون الأخرى، فكلهم أحسنوا وأتقنوا الدور المنوط بهم.
الموت
يُناقش المسلسل ثيمة الموت بشكل رئيسي، ويدور في فلك تقبّله أو إنكاره أو الخوف منه، ويمر المسلسل مع كل شخصية، بمرحلة من مراحل الحزن الخمس (الإنكار/الغضب/المساومة/الاكتئاب/التقبّل)، بل وأكثر من ذلك، فكل شخصية من أبناء آل كراين، تمثل مرحلة من المراحل المذكورة، ويبدأ هذا بالظهور من أول حلقة.
فشخصية ستيفن كراين، الكاتب المرموق الذي يرى أن كل عائلته مريضة بأمراض عقلية ولا وجود لأي أشباح، بل وحتى حين يراهم يحاول إقناع نفسه بأن كل ما يراه محض هلوسات، ويتهم أمه بأنها انتحرت وتركتهم، فهو هنا يمثل المرحلة الأولى، وهي الإنكار.
أما شيرلي التي أخذت مكان الأم في البيت بين إخوانها، فهي تمثل دور السلطويّ المتحكم، وأي شيء يخرج عن نظامها يثير غضبها، فنراها غاضبة على أخيها الأكبر لأنه كتب عن مأساتهم في كتابهِ، وعلى أختها لأنها أخذت جزءًا من أرباح الكتاب وعلى زوجها وعلى غيرها من الشخصيات، وهي بذلك تمثل المرحلة الثانية: الغضب. وباقي الشخصيات (ثيودورا: المساومة – لوك: الاكتئاب – نيلي: التقبّل).