يصعب تجاهل نتائج مسابقات رسمية في المهرجانات السينمائية. بعض متابعي المهرجانات مهتمٌّ بأفلام وسينمائيين أكثر من النتائج، إذْ يرى في هذه الأخيرة لحظة عابرة، ربما تؤثّر في توزيع الفيلم ورواجه، قليلاً أو كثيرًا، إنْ تُمنح الجوائز من مهرجانات دولية. مع هذا، فإن تعليقات على النتائج مُحمّلة بتفضيل فيلم على آخر، أو بانتقاد قرار لجنة تحكيم، أو بتساؤل عن سبب منح هذا الفيلم دون ذاك جائزة أو أكثر. فالمسابقات تضمّ أفلامًا تستحق التكريم، لكنها تخرج من التنافس مكتفية بكونها أفلامًا سينمائية جديرة بالمُشاهدة والنقاش والانتباه والاهتمام.
هذا حاصلٌ في ختام الدورة الـ8 (5 ـ 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2018) لـ"مهرجان مالمو للسينما العربية" في السويد. لجنتا تحكيم تختاران أفلامًا تريانها الأنسب، وبعض المختار جديرٌ بجوائز، وبعض آخر غير مُستحقّ. اللجنة الأولى، الخاصّة بالأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، مؤلّفة من المغربي حسن بنجلون (مخرج ومنتج) والمصرية منّة شلبي (ممثلة) واللبناني هوفيك حبشيان (ناقد سينمائي). اللجنة الثانية، المختصّة بالأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة، متشكّلة من العراقية السويسرية عايدة شليفر (مخرجة) والإماراتية نجوم الغانم (شاعرة وسينمائية) والمصري محمود سليمان (مخرج ومنتج وكاتب).
المفارقة أنّ مصر ـ المختارة كـ"ضيف شرف" في الدورة الـ8 هذه، إذْ يُعرض فيلمان مصريان في "ليال عربية" هما "بلاش تبوسني" لأحمد عامر و"فوتوكوبي" لتامر عشري، الحاصل على جائزة جمهور مالمو، وقيمتها المالية تساوي 25 ألف كرون سويدي (2750 دولاراً أميركياً) ممنوحة من بلدية المدينة؛ بالإضافة إلى أفلامٍ قليلة للغاية في المسابقات الرسمية ـ غير فائزة بأية جائزة، رغم أن "ورد مسموم" للمصري أحمد فوزي صالح مؤهّل لفوز جائزة أساسية، في مقابل أفلامٍ أقلّ أهمية منه تنال جوائز. لذا، هل يُمكن اعتبار غياب منّة شلبي عن حفلة الختام ردًّا على ذلك، هي التي كانت موجودة في بهو الفندق بُعيد انتهاء توزيع الجوائز في صالة "بانورا"، ما يعني أنها غير مُصابة بعارض صحي مفاجئ يحول دون حضورها الحفلة تلك؟
هذا جدل مُكرَّر في غالبية المهرجانات السينمائية العربية. لكنه يبقى في إطار ضيّق، إذْ لن تحجب جائزةٌ القيمَ الحقيقية للصنيع السينمائي، كما أن منحها لن يُعلي من شأن عملٍ غير مستحق إياها. فالمنح والحجب مرتبطان بأمزجة أعضاء لجان التحكيم، المنبثقة (الأمزجة) من هواجس وثقافات وآليات اشتغال ووجهات نظر وأحاسيس لن تُرضي الجميع. والنتائج محكومة بنقاشات داخلية يُفترض بها أن تتّسع للآراء كلّها. لكن حجب جائزة أفضل سيناريو روائي طويل غير مفهوم وغير مُبرَّر، ولجنة التحكيم غير قائلة سبب ذلك. التساؤل يتفاعل إزاء وجود أفلام تستحق ذلك، كـ"ورد مسموم" لفوزي صالح و"بنزين" للتونسية سارة العبيدي مثلاً (علمًا أن الفيلم التونسي سينال جائزة أفضل ممثل لعلي يحياوي).
إلى ذلك، يُمنح مبلغٌ ماليّ بقيمة 1000 يورو لـ"واجب" لآن ـ ماري جاسر (فلسطين) ضمن جائزة مُستحدثة هذا العام، تحمل اسم "جائزة النقّاد العرب"، التي تمنحها الصحيفة اليومية الكويتية "النهار". بينما تبلغ القيمة المالية لجائزة "الاتحاد العام للفنانين العرب" 2000 يورو، وتُمنح لـ"مسافر حلب إسطنبول" للتركية أنداش هازندار أوغلو. لكن، هل يكفي أن يتناول فيلم أوغلو قصص لاجئين سوريين في تركيا كي يُصنَّف فيلمًا عربيًا، بينما الغالبية الساحقة من منتجيه أتراك؟ هل يكفي أن تؤدي الأردنية صبا مبارك الدور الأساسي فيه، كي يُحمَّل الفيلم تعبير "عربي"؟ وهل يُعقل أن "ينافس" الفيلم ـ برداءته المتنوّعة الجوانب (كتابة وتمثيلاً وإخراجًا وتقنياتٍ) ـ أفلامًا لن يستحقّ منافستها لخلله وسطحيته؛ وأن يُمنح جائزة مالية كهذه من اتحاد عربيّ لفنانين لن يكونوا جميعهم سينمائيين؟
رغم هذا كلّه، فإن أفلامًا فائزة تمتلك خصوصيات جمالية مختلفة، وأفلامًا أخرى تمتلك خصوصيات كهذه أيضًا تبقى حاضرة في وعي مشاهدين ومهتمين من دون أن تحصل على جوائز.
أما النتائج، فهي: أفضل وثائقي قصير لـ"الناجون من ساحة الفردوس" لعادل خالد (العراق)، وجائزة أفضل وثائقي طويل لـ"في الظل" لندى مازني حفيظي (تونس). في فئة الروائي، هناك تنويه للفيلم القصير "يوميات السفّاح" لوليد أيوب (المغرب)، بينما نال "بلاك مامبا" لآمال قلاتي (تونس) جائزة لجنة التحكيم، و"آخر أيام رجل الغد" لفادي باقي (لبنان) جائزة أفضل روائي قصير. أما جوائز الروائي الطويل، فممنوحة إلى علي يحياوي كأفضل ممثل عن دوره في "بنزين" لسارة عبيدي (تونس)، وزهراء غندور كأفضل ممثلة عن دورها في "الرحلة" لمحمد الدراجي (العراق) الحاصل على جائزة أفضل مخرج أيضًا، ونال "واجب" جائزة أفضل فيلم، و"وليلي" لفوزي بنسعيدي (المغرب) جائزة لجنة التحكيم.