أثار طرح شركة جنوب الوادي المصرية مزايدةً عالمية للبحث والتنقيب عن البترول والغاز في حلايب، حفيظة وزارة النفط السودانية، وسارعت إلى إصدار بيان شديد اللهجة وصفت فيه الخطوة المصرية بأنها تدخّل سافر في صلاحياتها.
ويأتي تحرّك القاهرة الأخير نحو ضخ استثمارات نفطية في حلايب وسط تصاعد لهجة الخطاب الرسمية بين مصر والسودان حول تبعية كل من حلايب وشلاتين، خلال الفترة الأخيرة، إذ تؤكد القاهرة أنها أراض مصرية ومن حقها ممارسة كافة الأنشطة الاقتصادية بها، في حين تؤكد الخرطوم أن لها استثمارات بالفعل في حلايب، ولا سيما في القطاع النفطي.
ورغم أن بيان وزير الدولة بوزارة النفط والغاز السودانية، سعد الدين البشري، الذي صدر أول من أمس، فتح الباب للعمل المشترك بين البلدين في المنطقة المتنازع عليها، إلا أنه أكد تمسّك الخرطوم بتبعية حلايب للسودان.
وفي هذا السياق، قال وزير النفط والغاز السوداني إسحاق بشير جماع، لـ"العربي الجديد"، إن وزارته بصدد رفع مذكرة لرئيس الوزراء محمد طاهر أيلا، بالإجراءات والتجاوزات التي قامت بها شركة جنوب الوادي المصرية.
وأشار جماع إلى أن الشركة المصرية خططت للاستثمار في بعض المربعات، رغم الخلافات حول حلايب، قائلا إن الحكومة السودانية لديها مربع (16) على الأرض مطروح للاستثمار في المنطقة.
وتابع أن وزارته ستحيل القضية إلى الآلية الحكومية المشتركة لحل المشاكل بين السودان ومصر، للتوصل فيها إلى حل جذري، مشيرا إلى أن وزارته لن تكون طرفا في نشوب نزاع بين البلدين بسبب هذه المشكلة.
وقال النائب في المجلس الوطني السوداني (البرلمان) عن دائرة منطقة حلايب، أحمد عيسى، لـ "العربي الجديد"، إن الإجراء الذي قامت به الشركة المصرية مرفوض وفيه تعدٍ على موارد وسيادة السودان باعتبار تبعية المنطقة للسودان.
وكشف عن اتجاه لاستدعاء وزير الخارجية السوداني واللجنة السودانية المصرية المشتركة، للتباحث معها حول الخطوة المقبلة للتصدي لهذا التدخل المصري في المنطقة.
وفي المقابل، قالت وزارة البترول المصرية على موقعها الرسمي، إن طرح المناقصة يأتي "في إطار تنفيذ استراتيجية وزارة البترول لتحقيق الاستفادة الاقتصادية المثلى من جميع الإمكانات والثروات الطبيعية للمساهمة في التنمية المستدامة لمصر".
ووفقا للوزارة المصرية، فقد "تم طرح المزايدة بخريطة موضحة المناطق، وأن نموذج الاتفاقيات سيكون طبقاً لاقتسام الإنتاج المعمول به في مصر". وحددت أول أغسطس/آب 2019 موعدا نهائيا لتلقي العروض وإقفال المزايدة".
وكانت شركة جنوب الوادي المصرية القابضة للبترول أعلنت، في وقت سابق من شهر مارس/آذار الجاري، عن طرح مزايدة عالمية للبحث والتنقيب عن البترول والغاز في 10 قطاعات في البحر الأحمر.
وقالت مصادر دبلوماسية سودانية، لـ"العربي الجديد"، إن الخرطوم تقدمت باحتجاج رسمي لوزارتي الخارجية والدفاع المصريتين، عقب كشْف مصر عن المزايدة، مؤكدةً أن مناطق التنقيب عن النفط والغاز التي عرضتها مصر في مثلث حلايب على الطرف الأفريقي للبحر الأحمر تعتبر تدخلا مباشرا في الأراضي السودانية، وتدخلا في صلاحيات وزارة الغاز والنفط السودانية في منح تراخيص التنقيب.
وحسب مصادر حكومية مصرية، فإنه "سيتم الرد على الجانب السوداني بشأن الملاحظات التي تقدم بها، بشكل واضح، لأن المزايدة مطروحة على أراضٍ مصرية 100%"، مضيفة "للأسف، الموقف السوداني يعطل المصالح المصرية، لأن ذلك الرفض سيجعل الشركات العالمية تمتنع عن التقدم، لأن الاستثمار الأجنبي يخشى الدخول إلى مناطق عليها نزاعات".
ومن جانبه، قال وزير النفط والغاز الأسبق، عبد الرحمن عثمان، لـ "العربي الجديد"، إن الإجراء الذي قامت به شركة وادي النيل هو محاولة لتقنين الوجود المصري بمنطقة حلايب ووضع يدها على الموارد المعدنية، رغم الخلاف بين البلدين حول تبعية المنطقة.
وقال عثمان إن التنقيب في مربع (13) بحلايب مرخص لشركة (آي ـ تي ـ سي) السويدية الأصل، بناء على اتفاق سابق للاستثمار طويل الأجل مع وزارة النفط السودانية، ومن المفترض أن تتحرك الشركة السويدية وفقا لهذه المستجدات لتفعيل حقوقها في المربع.
ودعا عثمان، وزارة النفط السودانية، إلى طرح بيان توضيحي حول الإجراء الذي قامت به الشركة المصرية لتكشف للشركات العالمية الراغبة في الاستثمار بالمنطقة بأنها محل نزاع وخلاف بين البلدين.
وكان وزير الدولة بوزارة النفط والغاز السودانية، سعد الدين البشري، قال في بيان صدر أول من أمس، إن امتياز منطقة حلايب يقع تحت دائرة صلاحيات وزارة النفط والغاز السودانية وفق الخرائط المعتمدة من قبل الهيئة العامة للمساحة السودانية ووزارة الدفاع.
وطالب الوزير، الشركات والمكاتب الاستشارية ومكاتب الدراسات، بوقف أي عمل في هذه المنطقة، لأنه يعتبر غير قانوني وتترتب عليه آثار قانونية سوف تتحملها الجهة التي تقوم بهذا العمل، موضحاً عدم ممانعة وزارة النفط والغاز السودانية من أي عمل مشترك للتنقيب عن الغاز والنفط في منطقة البحر الأحمر، على أن يكون هذا العمل وفق اتفاقيات مشتركة وموقعة بين البلدان.
وحسب تقارير رسمية في السودان، تذخر منطقة حلايب بثروات معدنية تشمل اليورانيوم والذهب والغرانيت والفوسفات والنحاس والفضة والبترول والماغنسيوم والكروم والحديد والمنجنيز. وتتميز حلايب بخصوبة أراضيها التي تعتمد في ريها على كل من المياه الجوفية والأمطار. وتوجد في المنطقة محمية جبل علبة جنوب شرقي مثلث حلايب، وتعد من أكبر المحميات الطبيعية على مستوى العالم.
ولفت الرئيس السوداني، عمر البشير، مؤخراً، لدى لقائه قيادات قبائل البشاريين في الخرطوم، إلى أن قضية حلايب ظلت وستظل حاضرة في كافة لقاءاته مع القيادة السياسية المصرية"، مضيفاً: "لدينا من الوثائق ما يثبت سودانية حلايب تاريخيا".
لكن القاهرة تؤكد أنها أراضٍ مصرية، ورفضت الحكومة في عام 2016 طلبا من الخرطوم لبدء مفاوضات لتحديد الأحقية في السيادة على مثلث حلايب أو السعي إلى التحكيم الدولي.
يأتي هذا في الوقت الذي كشفت فيه مصادر دبلوماسية مصرية، رفضت ذكر اسمها، عن إلغاء الاجتماع الخاص بسد النهضة، والذي كان مقررا عقده في القاهرة مارس/آذار الجاري، على مستوى وزراء خارجية ومياه مصر والسودان وإثيوبيا، بعد اعتراض الجانب الإثيوبي على عقده في هذا التوقيت.