كان السوري حسام البيروتي، يخشى أن تلد زوجته في القبو بمدينة حرستا في الغوطة الشرقية المحاصرة، حيث لا أطباء ولا دواء ولا طعام، فأصر أن تخرج في أول دفعة مهجرين من المدينة على أن يلحق بها في الدفعة الثانية.
لم يكن البيروتي، وهو رئيس المجلس المحلي في حرستا، يعلم أن وليدته "هبة الله" لن تنتظر وصول أمها إلى إدلب، ففي منتصف الطريق شعرت الزوجة بمخاض الولادة في الحافلة، وكان ممنوعا عليها النزول، لكن ماذا تفعل وليس في الحافلة أي مستلزمات للولادة.
يروي البيروتي، لـ"العربي الجديد": "في منطقة بانياس أخبر النساء سائق الحافلة أن هناك حالة ولادة، وأنه يجب نقل زوجتي إلى المستشفى. خشي السائق أن يقف، وبعد نصف ساعة من الأخذ والرد، وقفت الحافلة، وأتت سيارة الإسعاف لتنقلها إلى المشفى. أرادوا أن تذهب إلى المشفى وحيدة، لكن والدتها أصرت على الذهاب معها، وبعد جدل وافقوا على أن ترافقها".
وأضاف "في المشفى تم إعطاؤها عدة حقن محرضة على الولادة لتتم العملية بأسرع وقت ممكن، ما شكل تهديدا كبيرا على حياتها وحياة المولودة، ولاحقا امتنعوا لساعتين أن يخبروها بوضع المولودة، أو يسمحوا لهم برؤيتها، حتى أنها سمعت من بعضهم أنها لن تأخذها معها. ما أثار استغرابي أن هذا التعامل السيئ كان من الكادر الطبي من دون مراعاة للحالة الإنسانية والصحية. بعدها تم نقلها بعد أكثر من ساعتين من العذاب في المشفى عبر سيارة إسعاف تتبع للهلال الأحمر إلى معبر قلعة المضيق".
وتابع "عندما علمت بما حدث، اختلطت المشاعر لدي، فأنا سعيد أني رزقت بطفلتي هبة الله، ولكن لدي غصة ستبقى العمر كله، لأن زوجتي ولدت في الغربة وعلى طريق التهجير، وزادت غصتي عندما علمت كيف تمت معاملتها، فنحن أبناء هذا الوطن نعامل كالغرباء، وللأسف كل العالم صامت ومتكالب علينا".
أما عن رحلة تهجيره، فقال إنها "كانت متعبة جدا. تقرر إجباري على ترك أرضي ومنزلي إلى مكان مجهول، إنه قرار بالنفي، رغم أن إدلب جزء من بلدنا وأهلها أهلنا. لكن يبقى مجهولا بعد نحو خمس سنوات من الحصار، كان النظام يقصد أن يجعلنا نمر بمناطق موالية، وكان أهلها ينتظروننا لتوجيه الإهانات إلينا".
ويضيف أن "معظم أحاديث طريق التهجير كانت: ماذا بعد أن نصل إلى إدلب؟ كيف يمكن أن نؤمن الناس ونخفف المعاناة عنهم؟ كيف سنؤمن منازل؟ كيف سنبدأ حياتنا من جديد؟".
اليوم يقيم البيروتي مع عائلته في منزل يتشاركه مع 7 عائلات أخرى في كفرتخاريم، وحسب ما قاله فإنها "بلدة جميلة بها أناس كرماء وطيبون، وكأننا نعرفهم من 20 سنة، ساعدونا في تأمين المنازل والاحتياجات، والأمر الأهم هو مواساتنا في مصيبة التهجير. نحاول أن نبحث عن منزل لكي نتوسع قليلا، في حين باقي الأمور متوفرة، خصوصا العلاج والمواد الغذائية، والأهم وجود حليب الأطفال".
وينشغل حسام، ومثله أعضاء المجلس المحلي، بالبحث عن سبل لتأمين المأوى والمساعدات الإنسانية لنحو 1200 عائلة مهجرة من حرستا إلى أن يستطيعوا تأمين حياتهم الجديدة، مشددا على أن "المجلس المحلي لا نية لحله، وغالبا سيكون له مقر جديد، لنستأنف العمل في خدمة أهل حرستا".
وحول حياته الخاصة، يقول إن "أفكاراً كثيرة تدور في رأسي، منها السفر، أو تأسيس عمل خاص، ولكن هذا رهن بالظروف والأيام المقبلة".