بعد أكثر من ستّين عاماً على نشر أجزاء منه في مجلّة "البدائع" المصرية، صدر مؤخّراً عن "دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع" كتاب "هوارتيوس الناقد" الذي ترجم نصوصه عن اللاتينية أستاذ اللغات السامية والباحث محمود علي الغول (1923 - 1983).
يُظهر الكتاب تطوّر اشتغالات الغول البحثية في مجال الدراسات القديمة، إذ يبدو أن مترجم "الإينياذة" لـ فرجيل عن نصّها اللاتيني الأصلي، الصادر عن مشروع "كلمة"( 2015)، قد بدأ مسيرته في الترجمة والبحث من خلال نافذة هوراتيوس، فنقل بعضاً من سيرته ونصوصه إلى الصحافة العربية، قبل أن يغادره إلى دراسة شخصيات وأعلام رومانية أخرى، إضافة إلى مؤلّفاته في تاريخ المنطقة ونقوشها ولهجاتها.
يقدّم الغول في ترجمته هذه النصوص النقدية التي كتبها في القرن الأول قبل الميلاد الكاتب الروماني كوينتس هوراتيوس فلاكوس المعروف اختصاراً باسم هوراتيوس، ومن أبرزها نصه "الصنعة الشعرية"، والذي بيّن فيه معاييره للشعر الجيد، وتحدّث فيه عن العلاقة في الأدب ما بين القديم والجديد، وقال إن الادب الجيد لا ينبغي أن يكون قديماً أو أن يحتذي القديم ضرورة، إنما يحدّد جودته ما يتّسم به من جمال.
تتضمّن مقدمة الكتاب مقاربةً بين مقولات هوراتيوس عن العلاقة بين القديم والجديد في الأدبين اليوناني والروماني وبين العلاقة – كما يراها المترجم- بين القديم والجديد في الأدب العربي.
في تقديمه للعمل، يشير أستاذ النقد العربي إبراهيم السعافين إلى أن نصوص هوراتيوس تكشف عن آرائه في الانسجام والوحدة المتآلفة في الصنعة التي تظهر في تمام العمل، إذ يُعلي من شأن الدقة والذوق في الصياغة، ويتناول الألفاظ المبتكرة والصياغة الحديثة في انسجام واتزان، ويقف عند طبيعة التغيير؛ فالأدب قابل للتغيير كما تغيّر الأشجار أوراقها، ولا ينسى ثقافة الشاعر ومعرفته ووجوب أن يسعى للتعلّم دوماً.
يوضح السعافين أن هوراتيوس التفت إلى أن الجمال وحده في الشعر لا يكفي، فلا بدّ من السحر والجاذبية والدهشة – بحسب تنظيراته- ولا بدّ من الاهتمام بمطالع الأعمال وبداياتها، والاهتمام بالحواس لاسيما حاسة السمع، ورأى أن المسرحية يجب ألاّ تزيد عن خمسة مشاهد أو تنقص عنها، ورفض السخرية العنيفة والكلمات النابية.
تتحدّث النصوص، كذلك، عن الوصايا الفنية والأخلاقية التي قدّمها هوراتيوس للشعراء في بناء قصائدهم ومسرحياتهم، ورأى أن الكوميديا هي الأخرى في حاجة إلى جهد في صياغة التجربة، وضرورة ربط الفن بالتجربة والواقع والتعبير عن مستويات الناس وأعمارهم المختلفة، وقد بدا من كلامه أنه يرفع الشعر فوق النثر.
يُذكر أن الغول ولد في قرية سلوان قرب القدس المحتلة، ونال الدكتوراه في اللغات السامية من جامعة لندن عام 1962. له مؤلّفات وأبحاث عديدة؛ من بينها: "غزة في نقوش جنوب جزيرة العرب"، و"مكانة نقوش اليمن القديمة في تراث اللغة العربية الفصحى"، و"المعجم السبئي".