رغم وجود العديد من النزاعات الحدوديّة البحرية بين بعض الدول، إلا أن جميعها تقوم باستغلال ثرواتها النفطيّة بأقلّ الأضرار الممكنة. إلا أن ذلك لا ينطبق على لبنان والعدو الإسرائيلي، كونهما في حالة حرب، الأمر الذي يترتب عليه اللجوء إلى وساطة دوليّة من أجل ترسيم الحدود الجنوبية اللبنانية والانطلاق نحو استخراج ثروات طال انتظارها. فكيف بدأ هذا النزاع وأين يقف اليوم؟
يعود أساس هذا النزاع إلى عام 2007، حيث توجّه وفدٌ من الحكومة اللبنانية، بعد رسم الحدود البحرية وفق اتفاقية قانون البحار الموقعة مسبقاً إلى قبرص من أجل ترسيم المنطقة الاقتصاديّة الخالصة بين البلدين. وبعد أخذ وردّ، توصّل الوفدان إلى اتفاقية اعتبرت بمثابة كارثة للجانب اللبناني الذي استفاق متأخراً بعد توقيعها، وتمكن المجلس النيابي من توقيف إبرامها. وتقوم الاتفاقية المذكورة، بضرورة الاعتماد على خط "مبهم البداية" و"مبهم النهاية" بحجّة موافقة الطرف الثالث (أي إسرائيل) وتحديد النقطة متساوية الأبعاد ما بين قبرص ولبنان وفلسطين المحتلة (Tripoint)، التي عرفت بالنقطة 23، في مكان يعلو عشرة أميال شمال النقطة المحدّدة في القانون الدّولي والموجب اعتمادها. ما يعني السماح للعدو الإسرائيلي، وعبر سياسة القضم المنظمة، باقتناص الفرصة خلال المفاوضات مع الجانب القبرصي، الذي أهداه ترسيماً للحدود يثبّت النقطة 23 في مكانها ويحرم لبنان من مساحة 860 كيلومتراً مربعاً من مياهه الإقليمية. مساحة يتوقع أن تحتوي على مكامن نفطية هامة وتسمح للعدو بالاستثمار فيها من دون أن يضطرّ إلى تقاسمها مع لبنان.
اقــرأ أيضاً
أمام عدم قدرة الجانبين على القيام بمباحثات ثنائية لوجودهما في حالة حرب، وأمام عدم القدرة في مقاضاة إسرائيل لهذا الخرق، لعدم توقيعها على اتفاقية قانون البحار الدولية، اعتبرت الأمم المتحدة أن مساحة 860 كيلومتراً مربعاً هي منطقة متنازع عليها (بين لبنان وإسرائيل) ولا يحق لأي من البلدين استثمارها، ولا يمكن لها المساهمة في ترسيم الحدود إلا بموافقة الطرفين، الأمر الذي رفضته إسرائيل. فبدأت منذ ذلك الحين الوساطات الدّولية، وكُرّس الجانب الأميركي كوسيط مفاوض، وذلك من خلال نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة، فريدريك هوف، وخليفته آموس هوكشتاين. وقد قام هذا الأخير بعدّة زيارات إلى بيروت، التقى خلالها كبار المسؤولين، آخرها في الأول من تموز/يوليو الماضي، حيث أشار إلى أن التطورات في العالم تفرض على لبنان دخول اللعبة الآن، لافتاً إلى أنه حان الوقت للحكومة للاجتماع وحل الخلافات. إلّا أن هوكشتاين لم يقدّم جديداً يذكر مقارنة بطروحاته السابقة، التي تعطي لبنان مساحة 468 كيلومتراً مربعاً من المساحة المعتدى عليها، فيما يبقي لإسرائيل 392 كيلومتراً مربعاً. طرحٌ قابله، ولأوّل مرة، موقف لبناني موحّد بين مختلف الأطراف، شدّد على ضرورة التمسك بكامل الحدود البحرية، وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام حق لبنان في الاستفادة من ثروته النفطية والطّلب من الأمم المتحدة المساعدة في إنجاز الترسيم.
مقابل هذا الموقف اللبناني، دعا الأميركيون الحكومة اللبنانية، إلى العمل على تثبيت معادلة الاستقرار في المياه اللبنانية وجوارها من خلال البدء بتنفيذ بعض الخطوات العملية، عبر إقرار المرسومين العالقين في مجلس الوزراء، وتعهّد الوسيط القيام بما يلزم لتطبيق طرحهم المبدئي. هوكشتاين، يهودي الأصل، حمل معه خلال زيارته الأخيرة، خرائط لمكامن نفطية عابرة للحدود البحرية اللبنانية ـ الفلسطينية في محاولة لإغراء لبنان للوصول إلى تسوية مع العدو حول هذا الخلاف المزمن. إن عودة الحديث إلى الواجهة اليوم، والطرح لترسيم الحدود، بإعطاء لبنان حوالي 130 كيلومتراً مربعاً إضافياً عن 468 كيلومتراً مربعاً، والبقاء على 260 كيلومتراً مربعاً لإسرائيل، يجعلنا نسأل عن جدية هذا الطرح، وهل سيكون بمثابة حل وسط بين المتنازعين؟
السؤال الأهم، إذا ما تعذّر الاتفاق، هل يمكن أن تكون شرارة الحرب المقبلة بين لبنان وإسرائيل "نفطيّة"؟ ابحثوا عن هوكشتاين!
(متخصص في الهندسة النفطية)
اقــرأ أيضاً
يعود أساس هذا النزاع إلى عام 2007، حيث توجّه وفدٌ من الحكومة اللبنانية، بعد رسم الحدود البحرية وفق اتفاقية قانون البحار الموقعة مسبقاً إلى قبرص من أجل ترسيم المنطقة الاقتصاديّة الخالصة بين البلدين. وبعد أخذ وردّ، توصّل الوفدان إلى اتفاقية اعتبرت بمثابة كارثة للجانب اللبناني الذي استفاق متأخراً بعد توقيعها، وتمكن المجلس النيابي من توقيف إبرامها. وتقوم الاتفاقية المذكورة، بضرورة الاعتماد على خط "مبهم البداية" و"مبهم النهاية" بحجّة موافقة الطرف الثالث (أي إسرائيل) وتحديد النقطة متساوية الأبعاد ما بين قبرص ولبنان وفلسطين المحتلة (Tripoint)، التي عرفت بالنقطة 23، في مكان يعلو عشرة أميال شمال النقطة المحدّدة في القانون الدّولي والموجب اعتمادها. ما يعني السماح للعدو الإسرائيلي، وعبر سياسة القضم المنظمة، باقتناص الفرصة خلال المفاوضات مع الجانب القبرصي، الذي أهداه ترسيماً للحدود يثبّت النقطة 23 في مكانها ويحرم لبنان من مساحة 860 كيلومتراً مربعاً من مياهه الإقليمية. مساحة يتوقع أن تحتوي على مكامن نفطية هامة وتسمح للعدو بالاستثمار فيها من دون أن يضطرّ إلى تقاسمها مع لبنان.
أمام عدم قدرة الجانبين على القيام بمباحثات ثنائية لوجودهما في حالة حرب، وأمام عدم القدرة في مقاضاة إسرائيل لهذا الخرق، لعدم توقيعها على اتفاقية قانون البحار الدولية، اعتبرت الأمم المتحدة أن مساحة 860 كيلومتراً مربعاً هي منطقة متنازع عليها (بين لبنان وإسرائيل) ولا يحق لأي من البلدين استثمارها، ولا يمكن لها المساهمة في ترسيم الحدود إلا بموافقة الطرفين، الأمر الذي رفضته إسرائيل. فبدأت منذ ذلك الحين الوساطات الدّولية، وكُرّس الجانب الأميركي كوسيط مفاوض، وذلك من خلال نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة، فريدريك هوف، وخليفته آموس هوكشتاين. وقد قام هذا الأخير بعدّة زيارات إلى بيروت، التقى خلالها كبار المسؤولين، آخرها في الأول من تموز/يوليو الماضي، حيث أشار إلى أن التطورات في العالم تفرض على لبنان دخول اللعبة الآن، لافتاً إلى أنه حان الوقت للحكومة للاجتماع وحل الخلافات. إلّا أن هوكشتاين لم يقدّم جديداً يذكر مقارنة بطروحاته السابقة، التي تعطي لبنان مساحة 468 كيلومتراً مربعاً من المساحة المعتدى عليها، فيما يبقي لإسرائيل 392 كيلومتراً مربعاً. طرحٌ قابله، ولأوّل مرة، موقف لبناني موحّد بين مختلف الأطراف، شدّد على ضرورة التمسك بكامل الحدود البحرية، وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام حق لبنان في الاستفادة من ثروته النفطية والطّلب من الأمم المتحدة المساعدة في إنجاز الترسيم.
مقابل هذا الموقف اللبناني، دعا الأميركيون الحكومة اللبنانية، إلى العمل على تثبيت معادلة الاستقرار في المياه اللبنانية وجوارها من خلال البدء بتنفيذ بعض الخطوات العملية، عبر إقرار المرسومين العالقين في مجلس الوزراء، وتعهّد الوسيط القيام بما يلزم لتطبيق طرحهم المبدئي. هوكشتاين، يهودي الأصل، حمل معه خلال زيارته الأخيرة، خرائط لمكامن نفطية عابرة للحدود البحرية اللبنانية ـ الفلسطينية في محاولة لإغراء لبنان للوصول إلى تسوية مع العدو حول هذا الخلاف المزمن. إن عودة الحديث إلى الواجهة اليوم، والطرح لترسيم الحدود، بإعطاء لبنان حوالي 130 كيلومتراً مربعاً إضافياً عن 468 كيلومتراً مربعاً، والبقاء على 260 كيلومتراً مربعاً لإسرائيل، يجعلنا نسأل عن جدية هذا الطرح، وهل سيكون بمثابة حل وسط بين المتنازعين؟
السؤال الأهم، إذا ما تعذّر الاتفاق، هل يمكن أن تكون شرارة الحرب المقبلة بين لبنان وإسرائيل "نفطيّة"؟ ابحثوا عن هوكشتاين!
(متخصص في الهندسة النفطية)