وقد دخل إعلام التواصل الاجتماعي، وعلى رأسه "واتس آب"، بقوة على خط المواجهة مع إسرائيل، في ظل عدوانها على غزة، وباتت أصوات إسرائيلية تستجدي الإسرائيليين، بعدم تناقل الرسائل حول خسائر جيش الاحتلال وقتلاه، قبل إعلانها رسمياً، لما يشكّله ذلك من أعباء نفسية واهتزازات معنوية في المجتمع الإسرائيلي، فضلاً عن المعلومات التي يمكن أن تستفيد منها المقاومة الفلسطينية.
ويرى الكاتب الإسرائيلي، درور جلوبرمان، أن الجيش الإسرائيلي يخسر المعركة أمام "واتس آب" الذي يوجّه له ضربات قوية كلما تأخر في الاعلان عن الحقائق. فالحقيقة في نهاية الأمر ستظهر، وهكذا يكتسب "واتس آب" مصداقية أكثر على حساب الناطق بلسان الجيش والجهات الرسمية، وهذا ما حدث قبل ثلاثة أيام من إعلان اسرائيل عدوانها على غزة، فصدق "واتس آب" الذي وصلت عبره الرسائل للناس، وكذب الناطق بلسان الجيش الذي أنكر ذلك قبل انطلاق العدوان.
ولفت الكاتب، عبر موقع "ماكو"، إلى أن الصحافيين الإسرائيليين يعرفون حقائق كثيرة، ومنها ما يتعلق بالقتلى في صفوف الجيش ولا يستطيعون نشرها بسبب الرقابة العسكرية، في حين يتم تناقلها عبر الاعلام الاجتماعي والفضائيات العربية والعالمية.
وأضاف الكاتب أنه من الأجدى أن تجد الجهات الرسمية الحلول قبل وصول المعلومات التي لا يمكن إيقافها ولا التحكّم بها من خلال هذه الوسائل، "بدل إبقاء الناطق بلسان الجيش كالحبل المجرور من خلف العربة".
مراسلون ينقلون عن "واتس آب" و"فيسبوك"
إلا أن الأصوات التي تعلو في إسرائيل ليست تلك المطالبة بإيجاد الحلول وإنما التي تستجدي الرحمة من الجمهور، بعدم تناقل الرسائل، التي باتت تؤرق المسؤولين الإسرائيليين وعائلات الجنود.
ونقل موقع "كيكار هشابات"، الذي يخاطب اليهود الحريديم، عن مسؤول في مستوطنة "العاد"، انتقد فيها بشدة الإسرائيليين الذين تناقلوا الرسائل حول القتلى الـ13 في صفوف الجيش قبل إعلان إسرائيل رسمياً عن مقتلهم قبل أيام، معتبراً إياها مجرد شائعات "تفيد العدو وتحبط الروح المعنوية الوطنية المترهلة أصلاً بدون هذه الرسائل"، ومناشداً: "من فضلكم أوقفوا الشائعات"، التي تبيّن لاحقا أنها معلومات صحيحة.
وانتقد آخرون قيام وسائل إعلام إسرائيلية بنشر أخبار وصلت إلى مراسليها من خلال "واتس آب" و"فيسبوك" في ظل غياب المصادر الرسمية، معتبرين ذلك عملاً غير مسؤول، يزيد من حالة التوتر في المجتمع الإسرائيلي.
وبين الأصوات التي برزت لمناشدة الإسرائيليين بتحمّل المسؤولية، البروفيسور آسا كشير، المحاضر في مجال أخلاقيات المهنة في جامعة تل أبيب، متحدثاً من خلال موقع "نيكستير" الإسرائيلي، عن وقع الرسائل على عائلات الجنود، وعن الضرر الذي تتسبّب به للجبهة الداخلية الإسرائيلية، مضيفاً أن "على الجميع التعامل مع الوضع على أنهم في مناصب مسؤولة، والحفاظ على وتيرة الحياة العادية بقدر المستطاع، وأن يعلموا أن رسائل من هذا النوع تؤثر سلباً على الجبهة الداخلية، وأحيانا تساعد العدو، لذلك لا بد من الانضباط وعدم مشاركة كل العالم بالمعلومات التي تصلهم. فعلى الناس أن يتعلّموا الصمت حين تكون المعلومات حساسة، وهذا يمنحنا القوة".
الإعلام الجديد
ترى الصحافية، رشا حلوة، الخبيرة والمدربة في مجال الاعلام الاجتماعي، أن "كل محاولات إسرائيل في إخفاء الحقيقة والمعلومات، هي محاولات فاشلة في عصر الإعلام الجديد، لأن الحرب الإعلامية ليست بين قوات إعلامية تقليدية كبيرة، إنما هي بين الناس على الأرض وبين الماكينات الإعلامية. لا يمكن لإسرائيل أن تخفي معلومة في ظل توفر آلية إعلامية جديدة تمنح كل شخص إمكانية نقل الحقيقة من بيته وموقعه بسرعة وسهولة وبلا رقابة".
وتؤكد حلوة، في حديثها مع "العربي الجديد"، أن اسرائيل تسعى في هذه المرحلة لمحاربة الإعلام الاجتماعي، في محاولة لعدم خسارة الحرب النفسية في ظل عدوانها على غزة. ولفتت إلى أنه "في أيار 2010، بعد مجزرة أسطول الحرية التي نفذها الاحتلال، اكتشفت إسرائيل، بشكل أوبآخر، أهمية وحجم تأثير الإعلام الجديد على الرأي العام العالمي، هذا الاكتشاف أدى إلى وضع مجهود لا يقل شراسة عن مجهود إعلامها الرسمي في نقل روايتها إلى العالم".
وتتابع كلامها بقولها: "إن الإعلام الجديد ساحة معركة إضافية، فيها عدد هائل من مزودي المعلومات والحقائق والأخبار، سواء كانوا صحافيين أم لا، وبرغم الكم الهائل من المعلومات، منها ما هو متضارب، إلا أن هنالك أخلاقيات استخدام نشأت عبر تراكم الخبرة، جعلت هذه المنصة والعديد من مستخدميها بمثابة مرجعية معلوماتية وإعلامية للناس ولكثير من وسائل الإعلام التقليدية، غير الحاضرة في الحدث ساعة حدوثه، على سبيل المثال".
وأضافت حلوة أن "إسرائيل، كما كل نظام استعماري وعنصري وقمعي، تجنّد ماكيناتها الإعلامية التقليدية لنقل صوتها، سواء على المستوى المحلي أو العالمي، وكانت ترغب لو استطاعت أن تفرض سيطرتها الكاملة على كل ما يصدر من أخبار متعلقة بشأنها، إلا أن هذا مستحيل في هذا العصر، إلا إذا قطعت الإنترنت مثلا! لكنها أخيراً، تقوم بمطالبة الإسرائيليين بعدم نشر "شائعات" عبر مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي".
وتختم: "من الطبيعي أن تتنشر الشائعات في زمن الحرب، خاصة حين ترتكز الحرب في جزء كبير منها على الحرب النفسية، لكن مشكلة إسرائيل ليست بنشر الشائعات بقدر ما هي في نشر ما لا يخدم عدوانها الفاشي على قطاع غزة وأهلها وسياستها في كل فلسطين، وهذا ما يقوم به مستخدمو الإعلام الجديد الفلسطيني والمتضامنون مع القضية الفلسطينية في العالم. هم يفضحونها كلّ لحظة وبكلّ اللغات".