هم آخر الشعراء، إذ رأوا الشعر يموت من بعدهم مخليا، مع الثورة المسلحة، محله لهدير البنادق. حلم الثورة السوداء في الولايات المتحدة كان يخفت، وزعماؤها يُغتالون، فيما حماس المبشرين بها ينزوي مع انغماس السود في أوهام تعيد إنتاج وضعيتهم المتدنية الأقرب إلى العبودية، وقد ضاعف من إحباطهم أن نضالات حركة الحقوق المدنية والحركة القومية للسود لم تثمر شيئا. تلونت غضبة هذه الأصوات الأدبية الجديدة والمدهشة بلغة صادمة، هرعت بنقدهم السياسي وتعبيرهم الساخط إلى الشوارع.
كان من أبرزهم جيلان كين، وغيل سكوت هيرون وفليبو لسيانو، وجاري بايرد، ولاحقا انضمت إليهم مجموعة ضمت سارة جونز وعمر بن حسين وجلال منصور نور الدين (آلافيا بوديم) وسليمان الهادي. الأسماء ذات الجذور المشرقية والإفريقية التي انتحلها بعضهم محل أسمائهم الغربية، كانت إعلانا عن رغبة عارمة في العودة إلى الجذور وأسماء تعرفها البلاد التي جُلب منها جدودهم.
اللحن الذي صاحب هذه الكلمات جاء بدوره ثوريا، يحمل خلاصة إبداع عبقري لعدد من الموسيقيين المتمردين مثل نيلاجا أوبابي، ممن قدموا نغمات هادرة تبعث حالة انفعالية غاضبة وراقصة. باجتماع هذه النخبة من الأدباء والموسيقيين في خلال عقدي الستينيات والسبعينيات، قدم آخر الشعراء تجربة ملهمة استهدفت إيقاظ الوعي الأسود، في شرقي حي هارلم الشهير بكتلته البشرية التي يغلب عليها الأميركيون من أصول أفريقية، وهي التجربة التي تعد اليوم أصل فن الراب الاحتجاجي وغناء الهيب هوب. وقد عبر تأثيرهم الملهم صوب الجهة الأخرى من القارة، محفزا مجموعات أخرى من شعراء الاحتجاج من السود بطول الساحل الغربي على تقليدهم، ومنها مجموعة "أنبياء حي واتس".
اشتهرت أغاني وقصائد عدة من أعمال "آخر الشعراء" واحتل بعضها قمة قوائم الاستماع. ولعل أبرز ما رسخ في ذاكرة السود الأميركيين منها قصيدة "استيقظ أيها الزنجي"، و"الثورة لن تبث على التليفزيون"، و"عندما تجيء الثورة"، وهي قصائد غلبت عليها الروح المتحرّقة إلى التغيير الراديكالي والداعية لانتهاج الثورة المسلحة سبيلا لمناهضة التمييز بحق السود. وقد حوت لغتها ملامح النقد الحاد اللاذع لنمط معيشة السود وسلبيتهم إزاء التغيير. بالطبع أثارت الشهرة السريعة التي حظي بها هؤلاء المبدعين أجهزة الأمن؛ فقامت إدارة مكافحة التمرد بالمخابرات الأميركية بإدراجهم على قوائم المراقبة، ونشطت أجهزة الأمن الداخلي الأميركية في ملاحقتهم، وهو الأمر الذي زاد بحدة في خلال عهد ريتشارد نيسكون.
تمثل قصيدة "عندما تجيء الثورة" المكتوبة بالعامية الأميركية والمعروفة بشدة في أوساط السود في الساحل الشرقي مثالا لهذا اللون الشعري. تقول:
عندما تجيء الثورة / عندما تجيء الثورة/ عندما تجيء الثورة/ قد يشاهدها بعضنا على شاشة التلفزيون/ وقضمة من دجاج تتدلى من فمه/ إنها الثورة/ ستدرك هذا حين لا تقطع مشاهدتك الإعلانات/ عندما تجيء الثورة/ سيقَّسم الوعاظ القوادون المشهد وقارورة النبيذ معلقة في جيوبهم/ أما المهرجون فسيفقدون في لحظتها قدرتهم علي إضحاك الناس/ أما المساطيل فسيلقون لفائف الحشيش/ وستغشاهم يقظة/عندما تجيء الثورة.
عندما تجيء الثورة/ ستسحق القطارات رجال الشرطة العابرين بعد أن تُنزع أسلحتهم/ والدماء في شوارع هارلم ستتدفق لتغرق أي شيء بلا قيمة/عندما تجيء الثورة/ عندما تجيء الثورة؛ ستُخلع أسنان بيضاء لؤلؤية من تلك الأفواه التي تتحدث عن الثورة دون تقديس/ تكلفة الثورة تبلغ 360 درجة من الفهم في دورة أبدية لن تنتهي/ فهم أن البداية تكون النهاية/ سيستحيل ما هو بين بين، باستثناء فضاء وزمن نخصصه لنرتبط أو لا نرتبط بالعالم الذي يوجد خارج عقلي وعقلك/ اصمت، لا تتكلم عن الثورة ما لم تكن مستعدا لأكل الفئران كي تبقى على قيد الحياة.
عندما تجيء الثورة / عندما تجيء الثورة.
عندما تجيء الثورة؛ ستحل معها البنادق والمسدسات محل القصائد والمقالات/ وستصبح المراكز الثقافية للسود موائل تزود الثوار بالطعام والسلاح/عندما تجيء الثورة. عندما تجيء الثورة؛ سيلون الموت الأبيض جدران المتاحف والكنائس ليحطم أكاذيب استعبدت أمهاتنا / عندما تجيء الثورة. عندما تجيء الثورة/ سينتصب يسوع المسيح بهامته عند التقاطع بين جادة لينوكس والشارع 125 محاولا استيقاف أول تاكسي يقوده غجري خارجا من هارلم/ عندما تجيء الثورة؟ عندما تجيء الثورة؛ سيوزع التجار اليهود كرات اللحم وأسماك الجفليكا مجانا لأي عابر تظهر ملامحه الأفريقية/فرانك شيفن سيمنح آبولو لأول شخص يلمحه مرتديا جلباب "دشيكي" زرقاء/عندما تجيء الثورة./ عندما تجيء الثورة؛ سيضبط الأفارقة رؤوسهم/ والرؤوس المضبوطة ستطير مع محاولة ارتداء الملابس الأفريقية/ عندما تجيء الثورة؛ عندما تجيء الثورة/ وحتى يحين هذا ستظل مدركا، وأنا كذلك، أن الزنوج سيحتفلون ويسخفون ويحتفلون ويسخفون ويحتفلون ويسخفون. وربما سيموت بعضنا قبل أن تجيء الثورة.
(مصر)