فيلم "العجز الكبير" للمخرج الكوميدي آدام ماكاي أحد أجمل الأفلام عن الأزمة المالية. لكنه أيضاً أعقدها وأكثرها غموضاً ومعالجة.
هو أحد الأفلام التي لا تفصح عن مضمونها بسهولة كبيرة، ولا يمكن أن توجّه سؤالاً عن مضمونه، بسرد أحداث تسير بطريقة سهلة ومفهومة من الوهلة الأولى.
يبدأ ماكاي فيلمه بخطاب للراوي جاريد فينيت (راين غوزلينغ)، يكسر فيه الحاجز بين الجمهور والممثل، إذْ يقدِّم بداية أزمة سوق العقار في أميركا قبل ثلاثين عاماً، عندما اقترح لويس ريناري شكلاً جديداً للقروض الثلاثية، التي تُمكّن المستثمرين من مضاعفة أرباحهم.
بعد الصعود الخيالي للعقار وأرباحه، جاءت الأزمة الكبرى، وانهار كل شيء، بعد عجز الناس عن دفع أقساطهم.
لم يكن أحدٌ يعلم ما يحصل بالضبط. الجميع يثقون بنظام المعاملات المصرفية، التي كانت في الواقع تسير إلى الهاوية. هذا الخلل يلخِّص قصة الفيلم. فالأحداث تقدِّم ثلاثة أطراف، تسبق الناس في فهم مسألة السقوط الوشيك.
أول من عرف خلل نظام المعاملات المصرفية هو مدير الاستثمارات مايكل بورّي (كريستيان بايل): عبقري لا يغادر مكتبه لساعات طويلة، يرتدي ـ على خلاف من هم في منصبه ـ ملابس رياضية، ويقضي وقته في العزف على آلة الـ "درامز".
يُدرك، بعد اطّلاع دقيق على تفاصيل سندات القروض، أن هذا النظام آيل إلى السقوط، فيحاول إيجاد صيغ مصرفية تضمن تأمينات على أموال مستثمريه، إذا انهارت سوق المعاملات في قطاع السكن.
جاريد فينيت، الذي يضطلع بدور الراوي، أحد الذين حاولوا الاستفادة من هذا الانهيار، بعد أن علم بفرضية بورّي، وبحث فيها بعمق، لأنه مصرفيّ يعلم خبايا المجال هذا. بحث فينيت عن شركة استثمار تتبنّى فكرته، يقوده إلى مارك بوم (ستيف كاريل، في دور يمتلك جاذبية أدائية كبيرة). هناك طرف ثالث، يتمثّل بشابين يودّان شقّ طريقهما في عالم المال، بعد وصول حجم معاملة شركتهما إلى أكثر من 20 مليون دولار أميركي. أثناء بحثهما عن مساعدة، يلتقيان بِنْ ريكيرت (براد بيت).
يحاول الجميع الاستفادة من سقوط النظام المصرفي، من خلال المراهنة على انهيار سوق المعاملات العقارية، وهي أصدق صورة عن التشبّع بمبادئ الرأسمالية. ريكيرت يلخّص هذه المسألة في مشهد من الفيلم، عندما يتوجّه إلى الشابين الفرحين بأرباحهما المرتقبة، وعلامات الحزن تعلو وجهه، ويقول لهما: "نحن سنربح، لكن كثيرين سيفقدون منازلهم".
من المتحمّسين للربح القذر، يظهر مارك بوم بمظهر الساخط على نظام المعاملات. تصفه زوجته سينتيا (ماريزا تومي) بأنه يحاول إصلاح كلّ خطأ في العالم. ينتقد نظام المصارف، الذي يسرق أموال الناس. في النهاية، رغم أن كلّ ثروته كانت مهدّدة، لم يقتنع ببيع أسهمه إلاّ على مضض. كان يرى أن الاستفادة من أزمة الآخرين أمرٌ غير أخلاقي. ن
جح ستيف كاريل كثيراً في تقديم هذه الشخصية، وكلّ نظرة منه تعبّر عن سخط إزاء المجتمع الذي يعيش فيه. ثم إنه، في حواراته، يستحضر دائماً الطبقات الفقيرة، كقوله مثلاً: "لديّ شعور أنه، بعد سنوات عديدة، سيقوم الناس بما يقومون به دائماً في الاقتصاد: سيلقون اللوم على الفقراء والمهاجرين".
السيناريو الفائز بجائزة "أوسكار" في فئة الاقتباس (2016)، نجح في نقل كتاب مايكل لويس بالعنوان نفسه إلى الشاشة الكبيرة، واستطاع تقديم إحاطة شاملة بموضوع الفساد المالي والمصرفي، وجعل الجمهور يفكّر بطريقة المصرفيين أنفسهم، كما أبرز الوجه البشع للفكر الرأسمالي، الذي يؤمن بأن المال بلا رائحة، فلا تهمّ طريقة تحصيله.
يقترح المخرج آدام ماكاي كوميديا سوداء، موغلة في تقصّي تفاصيل قاسية في النظام الرأسمالي.
هذا الاتجاه وإن بدأ يظهر مؤخّراً في أفلام كثيرة، يقدّمه ماكاي في منبعه الأول، حيث الجشع والتلاعب والاحتيال.
من جهة أخرى، يبدو الفيلم مغالياً في إقحام معجم اقتصادي خاص جداً، ما صعّب على الجمهور -غير الملم بهذا المجال- فهم الكثير من مساراته. لكنه أشار، في الوقت نفسه، إلى أن هذا التضليل هو الذي أوقع الناس في هذه الأزمة.