بدأت حديثها قائلة: "أنا آمنة أحمد القبلاوي. في النكبة، خرجت من فلسطين في السادسة عشرة من عمري. كنت وعائلتي نحيا في فلسطين حياة جميلة. نقصد البحر ونصطاد السمك. وكنا نذهب إلى السهول والبساتين لقطاف الليمون (البرتقال) والمشمش والحامض (الليمون). أبي كان يعمل لحاماً. كنا عشرة أخوة في البيت: خمسة صبيان وخمس بنات. وكان وضعنا المادي جيداً. اشترى والدي قطعة أرض وكان يزرعها بطيخاً وخياراً وغيرها من الخضار والفاكهة. كما حفر في الأرض بئراً. كنا نعيش أجمل حياة".
تنتقل للحديث عن الأعراس. "لم يكن هناك أجمل من حفلات الأعراس التي كانت تُقام في فلسطين. تبدأ الاحتفالات قبل ثلاثة أيام من العرس. أهل العريس أو العروس يدعون النساء اللواتي يبدأن الغناء والرقص. كنا سعداء بعيشتنا". آمنة من بلدة الزيب بفلسطين، جارة البحر كما تقول. لم تذهب إلى المدرسة، لكنها كانت سعيدة بحياتها مع عائلتها في بلدتها، إلى أن حان وقت اللجوء. "كنا في بيوتنا، وإذ بالصهاينة يأتون نحو بلدتنا من البحر. وحين وصلوا، قالوا لنا: نحن عسكر ونريد أن نكشف على البيوت والمحلات. خاف الأهالي وطلب أبي من أمي أن تخرج بنا من البلد على أن يلحق بنا. خرجنا من دون أن نحمل شيئاً ظناً منا أننا سنعود. سرنا على أقدامنا إلى بلدة قانا، جنوب لبنان. لم يكن جنود الاحتلال يعيقون طريقنا".
وتروي آمنة أنّه كان هناك شخص يدعى يونس خطاب، وذهب إلى عكا لنقل الخضار بسيارته فقتلوه. تضيف أن الصهاينة وضعوا لغماً في أرض قريبة من بلدهم لقتل فدائيين. إلا أنه انفجر بسيارة لجنود العدو، فاتهموا أهل الزيب وهجموا عليها وقتلوا عدداً من رجالها. وتتابع: "وصلنا إلى قانا ونمنا تحت الشجر. وقال لنا البعض: لا نستطيع إطعامكم لأنكم فلسطينيون. بعدها، تركنا المنطقة وتوجهنا إلى منطقة صور. هناك، كانت الباصات في انتظارنا. وصار الناس يصعدون إليها للذهاب إلى المخيمات. وصلنا إلى مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، وأعطونا شادراً لنسكنه بعدما كنا نسكن بيوتاً واسعة". وتشير إلى أن درجة الحرارة كانت مرتفعة جداً. "كنا نخرج لنجلس تحت الشجر حتى نجد بعض الفيء. نسمع وعوداً بأننا سنعود إلى فلسطين، فنرقص فرحاً. لكن تلك الوعود كانت كاذبة، وما زالت حتى اليوم. بعد 71 عاماً، ما زلنا في لبنان وقد نموت في هذه البلاد... في بلاد الغربة".
تجدر الإشارة إلى أنّ آمنة تزوجت حين كانت في العشرين من عمرها. وكان زوجها عاملاً في أحد البساتين، وينكش الأرض، ويزرعها، ويقطف الثمار. وأنجبت أولادها في لبنان، وقد باتت وحيدة بعدما تزوج أولادها.
وتعود آمنة إلى الماضي البعيد: "لم يملك شبابنا السلاح. عندما دخل الصهاينة إلى البلاد، وصاروا يطلقون النار يمنة ويسرة، بدأ الشباب بالهرب، لكن الصهاينة لم يتركوهم، بل صاروا يطلقون النار عليهم. حتى إن جارتنا فقدت ثلاثة أولاد". تختم قائلة: "كان بيتنا مؤلفاً من طبقتين، وكان أخي سيتزوج ويسكن في الطبقة الثانية. لكن دخل علينا اليهود. تركنا كل شيء خلفنا. تركنا كل الذكريات الجميلة ولجأنا".