24 أكتوبر 2024
آن الأوان لتأسيس وضع فلسطيني جديد
مرّ أكثر من عقد على الصراع الدموي الفلسطيني ـ الفلسطيني الذي حسم الصراع في قطاع غزة لمصلحة حركة حماس، وقسّم الأراضي الفلسطينية إلى قسمين، واحد تحت حكم "حماس"، والآخر في الضفة الغربية تحت حكم حركة فتح، والسلطتان يطوقهما الاحتلال الإسرائيلي من كل جانب. ويمكن اعتبار ما جرى كارثة كبرى في تاريخ التجربة الفلسطينية، ففي تاريخها المعاصر لم تنحدر العلاقات الداخلية الفلسطينية إلى هذا الدرك من السوء، وبأيدٍ فلسطينية تعتبر نفسها الأكثر حرصا على المصلحة الوطنية الفلسطينية، ولم يردع الصراع المحتدم مع الاحتلال الإسرائيلي الذي ينفذ مخططاته أمام أعين الفلسطينيين في قضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس من الاحتكام إلى السلاح لحل الخلاف بين الطرفين.
بعد أكثر من عقد على كارثة الاقتتال الداخلي الفلسطيني، يمكن القول إن الصراع الداخلي الفلسطيني لم يكن وليد لحظة الانفجار الذي وقع، لكنه وليد عدم الرغبة في قبول حل الخلافات الداخلية الفلسطينية عن طريق العملية الديمقراطية والحوار. وتكرار فشل الحوارات التي جرت لتجاوز الانقسام، المرة بعد الأخرى، يؤكد ذلك. ومن مفارقات التجربة الفلسطينية أن الصراع الدموي لم يأتِ نتيجة غياب التجربة الديمقراطية في الساحة الفلسطينية، ما أدى إلى وصل
الاحتقان الداخلي إلى الصدام الدموي، بل على العكس، جاء بعد تجربة ديمقراطية (انتخابات العام 2006) اعترف كل العالم بنزاهتها. لذلك يمكن التأكيد على أن الطرفين الرئيسيين لم يكونا يرغبان في حل الخلافات الداخلية بالوسائل الديمقراطية والحوارية، إنما كانت هذه الوسائل استمرارا للصراع وليست قواعد لحله. وفي هذه الحالة، شكل التحريض والشحن الداخلي المدخل الذي أوصل الحالة إلى الصدام الدموي. وعندما تغيب الوسائل الحوارية، وعندما يكون السلاح هو لغة السياسة، يصبح الذهاب إلى الصراع الدموي مسألة وقت، وهذا ما كان واضحاً قبل الصدام بفترة وجيزة، على الرغم من تصريحات الطرفين الصاخبة في ذلك الوقت عن حرمة الدم الفلسطيني على السلاح الفلسطيني.
السؤال المطروح اليوم، هل كان من الممكن الوصول إلى حل سياسي بعيداً عن الصدام المسلح، واللجوء إلى وسائل سلمية لحل الصراع بين الطرفين؟ وهل لو تم اللجوء إلى وسائل أخرى، كان الوضع الفلسطيني سيكون مختلفا اليوم؟ وهل كان يمكن تجاوز الانقسام بعد وقوع الصدام المسلح وترتيب البيت الفلسطيني من جديد؟
يعتبر المدافعون عن الأحداث التي جرت، أن الصدام كان ممراً إجباريا، واعتبرت حركة حماس أن الحسم العسكري فرض عليها فرضاً، ولم تختره بإرادتها. واعتبرت "فتح" ما جرى انقلابا معدا سلفا من "حماس" ضد السلطة الفلسطينية. وكل طرف دافع عن موقفه وحمّل المسؤولية للطرف الآخر. وهناك من اعتبر أن ما جرى كان حتميا بحكم الواقع الفلسطيني الذي كان يعيشه الطرفان.
قد تكون ادعاءات هذا الطرف أو ذاك صحيحة، لكن الآثار المدمرة للواقع الفلسطيني، كان يجب أن تدفع الطرفين سريعا إلى محاولة الخروج من الواقع الأليم الذي كرسه الانقسام الفلسطيني، خصوصا وأن الطرفين اعترفا بأنه كان لما جرى هذه الآثار المدمرة على الفلسطينيين وقضيتهم. ولكن لم نرَ سياسة تتحرّك على أرض الواقع من أجل تجاوز هذا الواقع المدمر من الأطراف التي تعترف بذلك، وبيدها الحل، ونحن على بعد عقد من تلك الأحداث المدمرة.
وأي تحليل منطقي لمجريات ما حدث يقول إنه كان يمكن تجنب ذلك الاقتتال الدموي. وبالتالي، تجنيب القضية الفلسطينية الأوضاع الكارثية التي تعيشها اليوم، هذا لا يعني أن الأوضاع كانت نموذجيةً قبل الصراع الدموي، لكنها لم تكن بهذا السوء الذي يعيشه الواقع الفلسطيني اليوم. كانت الخيارات السياسية والقرارات السياسية بالتصعيد والتحشيد والتحريض كلها مكتوبة على الجدار. وقرأ محللون العنوان، وحذروا منه قبل وقوعه. وعلى الرغم من نفي القوى السياسية، وتصريحاتها عن حرمة الدم الفلسطيني، حذر محللون فلسطينيون من أن ما جرى، بعد الانتخابات التشريعية، يقود إلى الصدام المسلح. لكن أحدا لم يكن يريد أن يسمع هذا الكلام، واعتبر كل طرف أنه يملك الحقيقة والحق، وبما أن الخطابات باتت مطلقة من الطرفين، فكان كل شيء يقود إلى الصدام المسلح. وهناك من يرجع الصدام المسلح إلى التدخلات الإقليمية، وهناك من يتحدث عن نظرية المؤامرة، ولا شك في أن التدخلات الإقليمية، وحتى المؤامرات، لعبت دورا في الوصول إلى ما وصلت إليه الساحة الفلسطينية، لكن ذلك ما كان يمكن أن يفعل فعله، لولا الجاهزية الفلسطينية الداخلية، فطوال تاريخه كان الوضع الفلسطيني مجالاً للمؤامرات والتدخلات الدولية والإقليمية، لكنه كان يصمد في وجه ذلك كله عندما يكون الوضع الداخلي متماسكا. ولكن الوضع الفلسطيني لم يكن كذلك في لحظة الصدام الدموي.
وإجابة على السؤال الثاني، نقول إن الوضع الفلسطيني كان سيكون أفضل، وكان وضع
الأطراف المتصارعة سيكون أفضل، لو أن الطرفين جنبا الشعب الفلسطيني المعمعة التي أدخلوه فيها. فعلى الرغم من كل الحديث الذي دار في تبرير ما جرى أو تجريمه، فإن أيا من الطرفين لم يراجع هذه التجربة بشكل جدي، وينتقدها بوصفه أحد أطرافها، وأن يعترف بخطئه، حتى تكون مدخلاً لإصلاح الوضع الفلسطيني، ووضعه على سكة المخرج.
ولا يجافي الصواب القول اليوم إنه، منذ ما قبل الانقسام، يدير الطرفان سياسات تقوم على الأوهام، فمن سار وراء وهم المفاوضات يحتاج إلى معجزة للحصول على حل مقبول مع الإسرائيليين، وهو ما يقوله المفاوضون الفلسطينيون أنفسهم. ومن سار وراء وهم توازن الرعب، كما ساد في خطاب "حماس"، في الوقت الذي تقضم إسرائيل أراضي الضفة الغربية والقدس، أدار وهماً لا يقل خطورة عن الأول. منع هذان الوهمان الوصول إلى حل للوضع المأساوي الذي يعيشه الفلسطينيون، والذي لن يُخرجهم الآخرون منه. ولأن الأوهام ما زالت معششة في الرؤوس، فشلت كل محاولات المصالحة، على الرغم من كل التحولات التي شهدتها المنطقة طوال العقد المنصرم.
بعد عقد من الصراع الدموي، من المعيب على الجميع في الساحة الفلسطينية أن يبقى الوضع الانقسامي على حاله، وهذا ما يؤسس لأعوام مقبلة تشير إلى البقاء على هذه الحالة، سنة بعد أخرى، وما يجعل الوضع الفلسطيني يتدحرج على شكل مهزلة.
آن الأوان للعمل على بناء وضع فلسطيني جديد، لا يبقى أسير الثنائية القائمة في الحالة الفلسطينية، فهو يحتاج إلى حالة جديدة تملك الحساسية تجاه آلام الفلسطينيين، وتعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني الذي بات من الواضح أن طرفي الصراع الفلسطيني لم يعودا مشغولين به جديا، وهذا ما يتطلب العمل خارج الصيغ البالية التي ما زال الطرفان يعتمدان عليها في قبضهم على الوضع الفلسطيني.
بعد أكثر من عقد على كارثة الاقتتال الداخلي الفلسطيني، يمكن القول إن الصراع الداخلي الفلسطيني لم يكن وليد لحظة الانفجار الذي وقع، لكنه وليد عدم الرغبة في قبول حل الخلافات الداخلية الفلسطينية عن طريق العملية الديمقراطية والحوار. وتكرار فشل الحوارات التي جرت لتجاوز الانقسام، المرة بعد الأخرى، يؤكد ذلك. ومن مفارقات التجربة الفلسطينية أن الصراع الدموي لم يأتِ نتيجة غياب التجربة الديمقراطية في الساحة الفلسطينية، ما أدى إلى وصل
السؤال المطروح اليوم، هل كان من الممكن الوصول إلى حل سياسي بعيداً عن الصدام المسلح، واللجوء إلى وسائل سلمية لحل الصراع بين الطرفين؟ وهل لو تم اللجوء إلى وسائل أخرى، كان الوضع الفلسطيني سيكون مختلفا اليوم؟ وهل كان يمكن تجاوز الانقسام بعد وقوع الصدام المسلح وترتيب البيت الفلسطيني من جديد؟
يعتبر المدافعون عن الأحداث التي جرت، أن الصدام كان ممراً إجباريا، واعتبرت حركة حماس أن الحسم العسكري فرض عليها فرضاً، ولم تختره بإرادتها. واعتبرت "فتح" ما جرى انقلابا معدا سلفا من "حماس" ضد السلطة الفلسطينية. وكل طرف دافع عن موقفه وحمّل المسؤولية للطرف الآخر. وهناك من اعتبر أن ما جرى كان حتميا بحكم الواقع الفلسطيني الذي كان يعيشه الطرفان.
قد تكون ادعاءات هذا الطرف أو ذاك صحيحة، لكن الآثار المدمرة للواقع الفلسطيني، كان يجب أن تدفع الطرفين سريعا إلى محاولة الخروج من الواقع الأليم الذي كرسه الانقسام الفلسطيني، خصوصا وأن الطرفين اعترفا بأنه كان لما جرى هذه الآثار المدمرة على الفلسطينيين وقضيتهم. ولكن لم نرَ سياسة تتحرّك على أرض الواقع من أجل تجاوز هذا الواقع المدمر من الأطراف التي تعترف بذلك، وبيدها الحل، ونحن على بعد عقد من تلك الأحداث المدمرة.
وأي تحليل منطقي لمجريات ما حدث يقول إنه كان يمكن تجنب ذلك الاقتتال الدموي. وبالتالي، تجنيب القضية الفلسطينية الأوضاع الكارثية التي تعيشها اليوم، هذا لا يعني أن الأوضاع كانت نموذجيةً قبل الصراع الدموي، لكنها لم تكن بهذا السوء الذي يعيشه الواقع الفلسطيني اليوم. كانت الخيارات السياسية والقرارات السياسية بالتصعيد والتحشيد والتحريض كلها مكتوبة على الجدار. وقرأ محللون العنوان، وحذروا منه قبل وقوعه. وعلى الرغم من نفي القوى السياسية، وتصريحاتها عن حرمة الدم الفلسطيني، حذر محللون فلسطينيون من أن ما جرى، بعد الانتخابات التشريعية، يقود إلى الصدام المسلح. لكن أحدا لم يكن يريد أن يسمع هذا الكلام، واعتبر كل طرف أنه يملك الحقيقة والحق، وبما أن الخطابات باتت مطلقة من الطرفين، فكان كل شيء يقود إلى الصدام المسلح. وهناك من يرجع الصدام المسلح إلى التدخلات الإقليمية، وهناك من يتحدث عن نظرية المؤامرة، ولا شك في أن التدخلات الإقليمية، وحتى المؤامرات، لعبت دورا في الوصول إلى ما وصلت إليه الساحة الفلسطينية، لكن ذلك ما كان يمكن أن يفعل فعله، لولا الجاهزية الفلسطينية الداخلية، فطوال تاريخه كان الوضع الفلسطيني مجالاً للمؤامرات والتدخلات الدولية والإقليمية، لكنه كان يصمد في وجه ذلك كله عندما يكون الوضع الداخلي متماسكا. ولكن الوضع الفلسطيني لم يكن كذلك في لحظة الصدام الدموي.
وإجابة على السؤال الثاني، نقول إن الوضع الفلسطيني كان سيكون أفضل، وكان وضع
ولا يجافي الصواب القول اليوم إنه، منذ ما قبل الانقسام، يدير الطرفان سياسات تقوم على الأوهام، فمن سار وراء وهم المفاوضات يحتاج إلى معجزة للحصول على حل مقبول مع الإسرائيليين، وهو ما يقوله المفاوضون الفلسطينيون أنفسهم. ومن سار وراء وهم توازن الرعب، كما ساد في خطاب "حماس"، في الوقت الذي تقضم إسرائيل أراضي الضفة الغربية والقدس، أدار وهماً لا يقل خطورة عن الأول. منع هذان الوهمان الوصول إلى حل للوضع المأساوي الذي يعيشه الفلسطينيون، والذي لن يُخرجهم الآخرون منه. ولأن الأوهام ما زالت معششة في الرؤوس، فشلت كل محاولات المصالحة، على الرغم من كل التحولات التي شهدتها المنطقة طوال العقد المنصرم.
بعد عقد من الصراع الدموي، من المعيب على الجميع في الساحة الفلسطينية أن يبقى الوضع الانقسامي على حاله، وهذا ما يؤسس لأعوام مقبلة تشير إلى البقاء على هذه الحالة، سنة بعد أخرى، وما يجعل الوضع الفلسطيني يتدحرج على شكل مهزلة.
آن الأوان للعمل على بناء وضع فلسطيني جديد، لا يبقى أسير الثنائية القائمة في الحالة الفلسطينية، فهو يحتاج إلى حالة جديدة تملك الحساسية تجاه آلام الفلسطينيين، وتعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني الذي بات من الواضح أن طرفي الصراع الفلسطيني لم يعودا مشغولين به جديا، وهذا ما يتطلب العمل خارج الصيغ البالية التي ما زال الطرفان يعتمدان عليها في قبضهم على الوضع الفلسطيني.