تجاوزت أزمة مدينة الرمادي، الجوانب العسكرية في معاركها الأخيرة، والسياسية في مناقشات استردادها، إلى أزمة إنسانية أخلاقية سياسية طائفية على تخوم العاصمة بغداد، حيث يرزح بضعة آلاف من النازحين، الفاريّن من بطش الصواريخ وقذائف المدافع العمياء، التي غطت سماء عاصمة الأنبار. ومنذ سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على المدينة، يوم الجمعة، قُتل خمسة من النازحين، بينهم أطفال، بفعل وجودهم في الصحراء تحت حرارة تجاوزت الـ51 درجة مئوية. كما أنجبت إحدى السيدات طفلاً، تحت أفياء شجرة نخيل، بعد أن أحاطت بها النساء لسترها عن أعين الجنود العراقيين وعناصر المليشيات، الذين تفرّجوا على المشهد من دون فعل شيء.
وتمتنع الحكومة العراقية لليوم الخامس على التوالي، عن السماح للعائلات بدخول العاصمة، كما تفرض خريطة المعارك واقعاً مأساوياً عليهم، ولا مجال للعودة من حيث أتوا، فبنادق القنّاصة من كلا الطرفين، فتكت بعائلتين تجرأتا على العودة إلى الأنبار، مفضّلة الموت على الذلّ. وذكرت شرطة مدينة العامرية (جنوب شرق الفلوجة) أنه قُتل 18 مدنياً، بينهم تسعة أطفال، بنيران استهدفت سيارتين دخلتا منطقة اشتباكات بين الأمن و"داعش". وتتذرّع الحكومة العراقية في منع إدخال نحو 8 آلاف شخص، من بينهم 6145 طفلاً وامرأة، بـ "عدم الاستعداد لاستقبال هذا العدد مرة واحدة، ولعدم جهوزية المخيمات". في وقتٍ تؤكد فيه حكومة الأنبار المحلية، ونواب بالبرلمان، أن "النازحين لا يحتاجون سوى إلى إدخالهم، فلديهم أقرباء وأصدقاء يقفون على الجانب الثاني، لاستضافتهم فضلاً عن أن كثيراً منهم يملكون المال للإقامة في الفنادق والمجمّعات السكنية".
ويتجمّع النازحون حالياً في منطقة تُعرف باسم "جسر بزيبز"، والذي يعني باللهجة العراقية "الأرض الجرداء الحارة". تبعد المنطقة نحو كيلومتر واحد عن بوابة بغداد، عبر جسر صغير، بات معتمداً في الانتقال للعاصمة، بعد إسقاط "داعش" جميع الطرق الأخرى. ولم تُقدّم الحكومة أي بديل للنازحين حتى الآن، باستثناء منعهم من الدخول، فلم تنصب لهم خيماً أو تُخصص لهم مناطق إيواء تقيهم الحرّ والغبار. كما شهدت المنطقة ثلاث محاولات انتحار، اثنتين منها لفتيات في مطلع العقد الثاني من العمر، بينما شهدت المنطقة هجوماً من قبل قوات الجيش على بعض النازحين، وأبرحوهم ضرباً بأعقاب البنادق، وفقاً لشاكر العيساوي رئيس بلدية العامرية. وأكد العيساوي في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أن "نازحين تعرّضوا للضرب على يد ضابط يرافقه جنود". وطالب الحكومة بـ "فتح تحقيق بالحادث". وأفاد أحد النازحين، مروان خالد (47 عاماً)، لـ "العربي الجديد"، أنه بات في الصحراء منذ خمسة أيام مع زوجته ووالدته وأطفاله الخمسة. ويقول "أردتُ العودة ولم أستطع، وأمي تموت أمام عيني، ولا مكان للاختباء إذا أردنا قضاء حاجتنا. كله صحراء وأرض مفتوحة".
اقرأ أيضاً العراق: استياء وغضب شعبي لاعتداء ضابط على نازحين
حاولت التحدث مع أحد الضباط فضربني، لقد نفد الكعك والخبز وكل شيء. عندنا فقط السماء يمكن لها أن تستقبلنا الآن". وحول موضوع النازحين وخلفياته، يقول عضو "مجلس شيوخ عشائر الأنبار" الشيخ محمد الجميلي لـ "العربي الجديد"، إن "مجموع الفارين من الرمادي يبلغ نحو 40 ألفاً، تفرّقوا بين الحبانية والخالدية، بينما توجّه آخرون إلى بغداد، يوم الجمعة، وما زالوا يتواجدون فيها والجيش يشهر بنادقه عليهم". وأضاف أن "العدد الإجمالي لهم يبلغ نحو 12 ألفاً، لكن زهاء 4 آلاف منهم، تمكنوا من استغلال المدارس والمساجد ومعمل مهجور للجوء إليها، وظلّ الباقون من دون مكان لهم، ليبقوا في العراء".
من جانبه، يقول النائب بالبرلمان العراقي محمد الدليمي، إن "منع مواطنين من دخول منطقة ببلادهم، إلا بواسطة كفيل، كبديل عن تأشيرة دخول تتعامل فيها الدول عادة لا داخل البلد نفسه، ثم يتمّ تطوير المعادلة إلى حدّ المنع النهائي، وتركهم يموتون في العراء، هو عار للعراق ولم يحصل قط في تاريخ البشرية". ويضيف الدليمي في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أن "البرلمان وقادة كتل سياسية، يسعون لمعرفة السبب الحقيقي وراء عدم إدخال النازحين، إلا أنهم لا يحصلون على جواب، ورئيس الحكومة حيدر العبادي، يرفض الردّ على الهاتف أو الرسائل، كما تمتنع وزارة الدفاع عن التعليق، وتضع الأمر على عاتق رئيس الوزراء".
وكشف الدليمي أنه حاول مع ستة نواب أن يتكفّلوا بعائلات، "وذهبنا للمنطقة، إلا أن الجيش رفض، وعدنا إلى بغداد من دون نتيجة، وحاولنا إدخال النساء والأطفال فقط، لكنهم رفضوا أيضاً". وتابع "كل ما تمكنا من فعله هو توزيع ماء عليهم، لم يكن بارداً كفاية لإنعاشهم"، واصفاً حالتهم بـ "المزرية". واعتبر أن "الموضوع يُثبت أكثر من أي وقت مضى، طائفية النظام العراقي". من جهته، أوضح النائب العراقي طالب الخربيط في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "النواب لا يستطيعون إدخال النازحين، لأن السلطات الأمنية لا تقبل، ولديها تعليمات صادرة من القيادات العليا، من دون أن نعلم السبب".
بدوره، قال وكيل وزارة الهجرة والمهجرين العراقية سلام الخفاجي، في مؤتمر صحافي مقتضب "أعرف أن النساء والأطفال تأذوا، لقد رأيتهم بعينيّ، وتحدثت مع القادة الأمنيين، الذين لديهم أوامر بعدم إدخالهم، ولم يعد في وسعي فعل شيء".
أما رئيس منظمة "السلام لحقوق الإنسان" العراقية، محمد علي فذكر لـ "العربي الجديد"، أن "ما يحدث كارثة ومخز بشكل لا يمكن وصفه". وأوضح علي أن "ثلاث منظمات تبرعت بتوفير مأوى لهم داخل بغداد، لكن الحكومة رفضت ولا نعلم السبب حتى الآن". وتساءل "هل يصعب على الحكومة إدخال 8 آلاف نازح لبغداد، للسكن في بيوت أقربائهم وأصدقائهم وفي فنادق بأموالهم، في وقتٍ يسهل على الحكومة، الإعلان عن استقبال عشرة ملايين زائر بمناسبة وفاة الإمام الكاظم (التي اختُتمت في 14 مايو/أيار)، من بينهم 200 ألف أجنبي إيراني وخليجي ولبناني وباكستاني بلا تأشيرة دخول حتى؟ نعتقد أن الموضوع بات طائفياً، ورئيس الحكومة كما أبلغنا، مغلوب على أمره والأمر أضحى بيد المليشيات (الحشد الشعبي)". وطالب علي "حكومات دول عربية مجاورة، كالأردن والسعودية، بإدخال النازحين وتوفير مأوى لهم، بعد أن رفضتهم حكومة بلادهم".
اقرأ أيضاً مستنقع الأنبار: استنزاف جماعي وسيناريوهات مفتوحة
وتمتنع الحكومة العراقية لليوم الخامس على التوالي، عن السماح للعائلات بدخول العاصمة، كما تفرض خريطة المعارك واقعاً مأساوياً عليهم، ولا مجال للعودة من حيث أتوا، فبنادق القنّاصة من كلا الطرفين، فتكت بعائلتين تجرأتا على العودة إلى الأنبار، مفضّلة الموت على الذلّ. وذكرت شرطة مدينة العامرية (جنوب شرق الفلوجة) أنه قُتل 18 مدنياً، بينهم تسعة أطفال، بنيران استهدفت سيارتين دخلتا منطقة اشتباكات بين الأمن و"داعش". وتتذرّع الحكومة العراقية في منع إدخال نحو 8 آلاف شخص، من بينهم 6145 طفلاً وامرأة، بـ "عدم الاستعداد لاستقبال هذا العدد مرة واحدة، ولعدم جهوزية المخيمات". في وقتٍ تؤكد فيه حكومة الأنبار المحلية، ونواب بالبرلمان، أن "النازحين لا يحتاجون سوى إلى إدخالهم، فلديهم أقرباء وأصدقاء يقفون على الجانب الثاني، لاستضافتهم فضلاً عن أن كثيراً منهم يملكون المال للإقامة في الفنادق والمجمّعات السكنية".
اقرأ أيضاً العراق: استياء وغضب شعبي لاعتداء ضابط على نازحين
حاولت التحدث مع أحد الضباط فضربني، لقد نفد الكعك والخبز وكل شيء. عندنا فقط السماء يمكن لها أن تستقبلنا الآن". وحول موضوع النازحين وخلفياته، يقول عضو "مجلس شيوخ عشائر الأنبار" الشيخ محمد الجميلي لـ "العربي الجديد"، إن "مجموع الفارين من الرمادي يبلغ نحو 40 ألفاً، تفرّقوا بين الحبانية والخالدية، بينما توجّه آخرون إلى بغداد، يوم الجمعة، وما زالوا يتواجدون فيها والجيش يشهر بنادقه عليهم". وأضاف أن "العدد الإجمالي لهم يبلغ نحو 12 ألفاً، لكن زهاء 4 آلاف منهم، تمكنوا من استغلال المدارس والمساجد ومعمل مهجور للجوء إليها، وظلّ الباقون من دون مكان لهم، ليبقوا في العراء".
من جانبه، يقول النائب بالبرلمان العراقي محمد الدليمي، إن "منع مواطنين من دخول منطقة ببلادهم، إلا بواسطة كفيل، كبديل عن تأشيرة دخول تتعامل فيها الدول عادة لا داخل البلد نفسه، ثم يتمّ تطوير المعادلة إلى حدّ المنع النهائي، وتركهم يموتون في العراء، هو عار للعراق ولم يحصل قط في تاريخ البشرية". ويضيف الدليمي في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أن "البرلمان وقادة كتل سياسية، يسعون لمعرفة السبب الحقيقي وراء عدم إدخال النازحين، إلا أنهم لا يحصلون على جواب، ورئيس الحكومة حيدر العبادي، يرفض الردّ على الهاتف أو الرسائل، كما تمتنع وزارة الدفاع عن التعليق، وتضع الأمر على عاتق رئيس الوزراء".
بدوره، قال وكيل وزارة الهجرة والمهجرين العراقية سلام الخفاجي، في مؤتمر صحافي مقتضب "أعرف أن النساء والأطفال تأذوا، لقد رأيتهم بعينيّ، وتحدثت مع القادة الأمنيين، الذين لديهم أوامر بعدم إدخالهم، ولم يعد في وسعي فعل شيء".
أما رئيس منظمة "السلام لحقوق الإنسان" العراقية، محمد علي فذكر لـ "العربي الجديد"، أن "ما يحدث كارثة ومخز بشكل لا يمكن وصفه". وأوضح علي أن "ثلاث منظمات تبرعت بتوفير مأوى لهم داخل بغداد، لكن الحكومة رفضت ولا نعلم السبب حتى الآن". وتساءل "هل يصعب على الحكومة إدخال 8 آلاف نازح لبغداد، للسكن في بيوت أقربائهم وأصدقائهم وفي فنادق بأموالهم، في وقتٍ يسهل على الحكومة، الإعلان عن استقبال عشرة ملايين زائر بمناسبة وفاة الإمام الكاظم (التي اختُتمت في 14 مايو/أيار)، من بينهم 200 ألف أجنبي إيراني وخليجي ولبناني وباكستاني بلا تأشيرة دخول حتى؟ نعتقد أن الموضوع بات طائفياً، ورئيس الحكومة كما أبلغنا، مغلوب على أمره والأمر أضحى بيد المليشيات (الحشد الشعبي)". وطالب علي "حكومات دول عربية مجاورة، كالأردن والسعودية، بإدخال النازحين وتوفير مأوى لهم، بعد أن رفضتهم حكومة بلادهم".
اقرأ أيضاً مستنقع الأنبار: استنزاف جماعي وسيناريوهات مفتوحة