للعام الثاني على التوالي، تمنع وزارة الداخلية الأردنية إقامة حفل فني لفرقة "مشروع ليلى". منع برر في المرتين بالحفاظ على النظام العام، لما تسببه حفلات الفرقة من استفزاز كبير لمشاعر الأردنيين وانقسام كبير بين صفوفهم، تجاوز في المرتين حدود المنتج الفني الذي تقدمه الفرقة إلى مساحة التراشق بأقسى عبارات الاتهام بين المعارضين والمؤيدين لإقامة الحفل.
كل من يؤيد إقامة الحفل ويدافع عما تقدمه الفرقة، أصبح في نظر المعارضين بين خيارات لا تتعدى كونه شاذاً أو منحلاً أو من عبدة الشيطان، وكذلك فإن معارضي إقامة الحفل ليسوا أكثر من متطرفين أو "داعشيين" أو ظلاميين لدى خصومهم. الأصل، أن يكون لكل إنسان مطلق الحرية في تحديد ذائقته الفنية، والتعبير عنها من دون خوف من جمهور المخالفين، وكذلك لكل معارض لما تقدمه الفرقة، أو أي فرقة، أن يعبر عن رأيه بمطلق الحرية من دون أن يجد نفسه محاصراً بالتهم، وكذلك للمتدينين الذين يعارضون جميع أشكال الفنون أن يقولوا كلمتهم. ولا يحق لأحد في المعادلة أن ينصب نفسه وصياً على الآخرين، وحارساً على الوعي أو الحداثة أو الأخلاق العامة، فكلها عناوين لقيم نسبية لا إجماع عليها، حتى بين أصحاب المواقف والتوجهات المتقاربة أو المتشابهة.
في مرتي المنع، ثبت عدم اتفاق السلطة في الأردن على مفهوم النظام العام والآداب العامة. وفي المرتين كان ممثل للسلطة يسهل إقامة الحفل ويوفر له الدعم لاعتباره أن الفرقة تقدم فناً راقياً يلاقي رواجاً واسعاً، وآخر من نفس السلطة يمنع الحفل، على اعتبار أنه يهدد السلم المجتمعي لمعارضته العادات والتقاليد الأردنية وينافي الأخلاق ويسيء للأديان. في التنافس بين المؤيدين والمعارضين على أي قضية تطرح للنقاش في الأردن، ينتصر الخلاف دائماً، ويكون الفوز حليف أصحاب الصوت المرتفع، الذين يفرضون على السلطة قرارها، وبل يجبرونها أن تصم آذانها عن أصوات الآخرين مهما كان وزنها. قبل حسم الجدل حول "مشروع ليلى"، فإن السلطة مطالبة بحسم مفهوم واضح للنظام العام والآداب العامة، لا يخضع للصوت المرتفع.