ليس ثمة أدنى شك في أن الجالية اللبنانية في فرنسا، هي الأكثر اندماجاً وانضباطاً، في البلد، مقارنة بالجاليات العربية الأخرى. وقد شهد لبنان في تاريخه ثلاث موجات كبيرة من الهجرات، منذ نهاية القرن التاسع عشر.
وعلى الرغم من فسيفساء هذه الجالية، ومن الصراعات التي تخترقها في لبنان، والتي كانت الحرب الأهلية سنة 1975 التجلي الأكبر لها، إلا أنها متضامنة وملتحمة في فرنسا، بشكل يثير الإعجاب. فليس سوى في أحضان هذه الجالية، يمكن أن يلتقي المسلم والمسيحي، المؤمن وغير المؤمن، في انسجام ومودة كبيريْن.
نجاح الاندماج اللبناني في فرنسا يُشيد به، في آن واحد، السلطات الفرنسية وأيضا المواطنون الفرنسيون، وليس فيه أي شعور بالدونية. فاللبنانيون حريصون على تميّزهم الثقافي والفكري والإبداعي، لكن من دون أي انطواء ثقافي على الذات.
لقد اختار لبنانيو فرنسا المراهنة على ورقة "اللا مرئية"، حتى يندمجوا، بشكل أفضل، في بيئتهم الجديدة، لكن من دون نسيان الوشائج مع بلدهم الأصلي، الذي يحتفظون على روابط تعلق ومحبة قوية له، وهو ما يلقنونه، بشكل دائم لأبنائهم، الذين ولدوا خارجه.
ربما العدد الكبير للمغاربيين في فرنسا، عدة ملايين، يجعل منهم أقلية "مرئية"، وهو ما يجلب لهم كثيرا من المشاكل والتمييز، في حين أن اللبنانيين اختاروا، طريقا عكس ذلك.
اقــرأ أيضاً
وتشير المؤرخة اللبنانية ليليان ناصر، إلى غياب شبه كامل لجمعيات ومنظمات لبنانية، صِرفة، على التراب الفرنسي. لأن الإقامة والعيش في فرنسا، بالنسبة للبناني، كما تقول السيدة ناصر: "يمر عبد اندماج قوي في الشبكات الجمعوية والثقافية والرياضية والسياسية والفكرية". في حين أن اللبنانيين، كما يقول الأكاديمي أمين معلوف: "كائنات حدوديّة"، أي لهم القدرة على لعب دور الوسيط بين ثقافات عربية وغربية.
وهذا الاندماج الفعال هو ما يجعل اللبنانيين يتأقلمون مع بلد الاستقبال، وهو ما يجعلهم 400 جمعية، تقول عن نفسها بأنها لبنانية، تقدم نفسها تحت يافطة: "فرنسية- لبنانية". اللبنانيون أكثر انفتاحا على تقبل قوانين وثقافة بلدان الاستقبال.
ولا تتوفر الأرقام الدقيقة عن حجم التواجد اللبناني في فرنسا، لولا أن العديد من المصادر تتحدث عن نحو 150 ألف شخص، أغلبيتهم الساحقة من حاملي الجنسيتين الفرنسية واللبنانية، أي المندمجين، بقوة، والفاعلين في السياسة الفرنسية.
ومن أجل معرفة تاريخ الوجود اللبناني في فرنسا، ومعرفة ظروف اللبنانيين وأيضا الفرنسيين المنحدرين من أصول لبنانية، تحرص العديد من الجمعيات اللبنانية، بالتنسيق مع السفارة اللبنانية ومجموعة الصداقة الفرنسية اللبنانية في مجلس النواب الفرنسي، منذ عدة سنوات، على تنظيم "أيام لبنانية في باريس"، تشهد إقبالا كبيرا من العرب والفرنسيين، وهو ما لا تفعله الجاليات العربية الأخرى، للأسف.
الجالية اللبنانية جالية مثقفة في أغلبها، وبالتالي فهي "أنيقة"، خلافا لحالة الجاليات المغاربية، التي كان معظم أفرادها، في البدايات، أميين قدموا للعمل في المصانع والمناجم وفي تشييد المترو الباريسي.
وللبنانيين محام كبيرٌ، يعرفه الجميع في العالَم وقرأوه بجميع اللغات، وهو جبران خليل جبران. ولم يكن، من محض الصدفة أن الدورة الأخيرة من "الأيام اللبنانية"، هذا العام، أطلق عليها دورة جبران خليل جبران. واختتمت الأيامُ بإطلاق وعد نصب تمثال لهذا العملاق، في باريس، قريبا.
الصورة الجيدة التي تتمتع بها هذه الجالية العربية تمنحها القدرة على أن تلعب دور الوسيط بين العرب وغيرهم.
وليس فقط المطبخ والحلويات اللبنانية (اللذان يعرفان إقبالا كبيرا في فرنسا) ما يسيل لُعابَ الفرنسيين، بل إنّ الثقافة اللبنانية، بمختلف تجلياتها، تمنح لهذا الحضور قوة وإشعاعا كبيرين.
ويكفي شرفا لهذه الجالية أن يتم انتخاب الروائي والباحث أمين معلوف عضوا في الأكاديمية الفرنسية (مجمع الخالدين)، بعد انتخاب زميلته الجزائرية الراحلة آسيا جبار، وهو الذي أغنى المكتبة الفرنسية بمؤلفات في التاريخ وفي التسامح، عن الحروب الصليبية وعن الهويات القاتلة وعن سلاليم الشرق، وأخيرا بكتاب رائع عن تاريخ هذه الأكاديمية الفرنسية العريقة.
هذا هو الإدماج الحقيقي، لأن قوة الثقافة وتأثيرها لا معادل لها.
ونكتفي بمثالين دالّيْن على اندماج اللبنانيين في فرنسا، جيلا بعد آخَر، الأول هو مثال عائلة الشاعرة الكبيرة أندريه شديد، من أصول سورية- لبنانية، والتي رحلت عنا، 6 فبراير/شباط 2011، في باريس. وقد أنجبت ابنها لوي، المغني المعروف، والذي أنجب ماتيو، الموسيقي الفرنسي اللامع، والذي يتقرب إليه كبار مغني فرنسا، ومنهم جان هوليداي. كما أن ابنة ماتيو، بيلي شديد، تمتلك هي الأخرى موهبة الغناء. والمثال الثاني هو الموسيقي إبراهيم معلوف، عازف البوق، ابن عازف البوق نسيم معلوف وعازفة البيانو ندى معلوف، ابن شقيق الكاتب المعروف، أمين معلوف.
اقــرأ أيضاً
وعلى الرغم من فسيفساء هذه الجالية، ومن الصراعات التي تخترقها في لبنان، والتي كانت الحرب الأهلية سنة 1975 التجلي الأكبر لها، إلا أنها متضامنة وملتحمة في فرنسا، بشكل يثير الإعجاب. فليس سوى في أحضان هذه الجالية، يمكن أن يلتقي المسلم والمسيحي، المؤمن وغير المؤمن، في انسجام ومودة كبيريْن.
نجاح الاندماج اللبناني في فرنسا يُشيد به، في آن واحد، السلطات الفرنسية وأيضا المواطنون الفرنسيون، وليس فيه أي شعور بالدونية. فاللبنانيون حريصون على تميّزهم الثقافي والفكري والإبداعي، لكن من دون أي انطواء ثقافي على الذات.
لقد اختار لبنانيو فرنسا المراهنة على ورقة "اللا مرئية"، حتى يندمجوا، بشكل أفضل، في بيئتهم الجديدة، لكن من دون نسيان الوشائج مع بلدهم الأصلي، الذي يحتفظون على روابط تعلق ومحبة قوية له، وهو ما يلقنونه، بشكل دائم لأبنائهم، الذين ولدوا خارجه.
ربما العدد الكبير للمغاربيين في فرنسا، عدة ملايين، يجعل منهم أقلية "مرئية"، وهو ما يجلب لهم كثيرا من المشاكل والتمييز، في حين أن اللبنانيين اختاروا، طريقا عكس ذلك.
وهذا الاندماج الفعال هو ما يجعل اللبنانيين يتأقلمون مع بلد الاستقبال، وهو ما يجعلهم 400 جمعية، تقول عن نفسها بأنها لبنانية، تقدم نفسها تحت يافطة: "فرنسية- لبنانية". اللبنانيون أكثر انفتاحا على تقبل قوانين وثقافة بلدان الاستقبال.
ولا تتوفر الأرقام الدقيقة عن حجم التواجد اللبناني في فرنسا، لولا أن العديد من المصادر تتحدث عن نحو 150 ألف شخص، أغلبيتهم الساحقة من حاملي الجنسيتين الفرنسية واللبنانية، أي المندمجين، بقوة، والفاعلين في السياسة الفرنسية.
ومن أجل معرفة تاريخ الوجود اللبناني في فرنسا، ومعرفة ظروف اللبنانيين وأيضا الفرنسيين المنحدرين من أصول لبنانية، تحرص العديد من الجمعيات اللبنانية، بالتنسيق مع السفارة اللبنانية ومجموعة الصداقة الفرنسية اللبنانية في مجلس النواب الفرنسي، منذ عدة سنوات، على تنظيم "أيام لبنانية في باريس"، تشهد إقبالا كبيرا من العرب والفرنسيين، وهو ما لا تفعله الجاليات العربية الأخرى، للأسف.
الجالية اللبنانية جالية مثقفة في أغلبها، وبالتالي فهي "أنيقة"، خلافا لحالة الجاليات المغاربية، التي كان معظم أفرادها، في البدايات، أميين قدموا للعمل في المصانع والمناجم وفي تشييد المترو الباريسي.
وللبنانيين محام كبيرٌ، يعرفه الجميع في العالَم وقرأوه بجميع اللغات، وهو جبران خليل جبران. ولم يكن، من محض الصدفة أن الدورة الأخيرة من "الأيام اللبنانية"، هذا العام، أطلق عليها دورة جبران خليل جبران. واختتمت الأيامُ بإطلاق وعد نصب تمثال لهذا العملاق، في باريس، قريبا.
الصورة الجيدة التي تتمتع بها هذه الجالية العربية تمنحها القدرة على أن تلعب دور الوسيط بين العرب وغيرهم.
وليس فقط المطبخ والحلويات اللبنانية (اللذان يعرفان إقبالا كبيرا في فرنسا) ما يسيل لُعابَ الفرنسيين، بل إنّ الثقافة اللبنانية، بمختلف تجلياتها، تمنح لهذا الحضور قوة وإشعاعا كبيرين.
ويكفي شرفا لهذه الجالية أن يتم انتخاب الروائي والباحث أمين معلوف عضوا في الأكاديمية الفرنسية (مجمع الخالدين)، بعد انتخاب زميلته الجزائرية الراحلة آسيا جبار، وهو الذي أغنى المكتبة الفرنسية بمؤلفات في التاريخ وفي التسامح، عن الحروب الصليبية وعن الهويات القاتلة وعن سلاليم الشرق، وأخيرا بكتاب رائع عن تاريخ هذه الأكاديمية الفرنسية العريقة.
هذا هو الإدماج الحقيقي، لأن قوة الثقافة وتأثيرها لا معادل لها.
ونكتفي بمثالين دالّيْن على اندماج اللبنانيين في فرنسا، جيلا بعد آخَر، الأول هو مثال عائلة الشاعرة الكبيرة أندريه شديد، من أصول سورية- لبنانية، والتي رحلت عنا، 6 فبراير/شباط 2011، في باريس. وقد أنجبت ابنها لوي، المغني المعروف، والذي أنجب ماتيو، الموسيقي الفرنسي اللامع، والذي يتقرب إليه كبار مغني فرنسا، ومنهم جان هوليداي. كما أن ابنة ماتيو، بيلي شديد، تمتلك هي الأخرى موهبة الغناء. والمثال الثاني هو الموسيقي إبراهيم معلوف، عازف البوق، ابن عازف البوق نسيم معلوف وعازفة البيانو ندى معلوف، ابن شقيق الكاتب المعروف، أمين معلوف.