أبناؤنا والعقوق

28 نوفمبر 2017
+ الخط -
من أروع ما قيل: "لا تخبر الرجل الذي يحملك أنه أعرج"، ويحمل هذا المثل على بساطته فلسفةً بديعة في الحياة. يظن الشاب الفتي أن والده الذي احدودب ظهره قد ظلمه، إذ لم يؤسس له حياةً وارفة الظلال، يظل هذا الفريق من الشباب ساخطًا على أهله وناقمًا على مجتمعه؛ مما يجعله يدور في حلقةٍ مفرغة. فإن كان لهؤلاء مسكةٌ من عقل، لتوقفوا عن جلد أهليهم، ولبذلوا ما في وسعهم لإسعاد أنفسهم وبناء مستقبلهم من دون الإتكال على الآباء الذين لم يبخلوا ولم يقصروا.
يظن بعض من شبابنا أن وظيفة الوالد في الحياة أن يحقق لأبنائه الآمال العريضة بأي شكلٍ كان، كأن الوالد خُلِقَ ليكدح نيابةً عن أبنائه، ولا ينفك لسانه يردد لكل واحد منهم: "اطلب واتمنى". فإن أعدنا قراءة الواقع من خلال الكلمات البسيطة لهذا المثل؛ لأدرك الشاب أن والده يحمله، لا سيما في ظل البطالة والأزمات الطاحنة التي تمر بها البلاد العربية حاليًا، وهو ما يستلزم أن يستشعر الشاب الحرج من نفسه؛ فإما أن يجد لنفسه عملًا يحقق له طموحاته العريضة وآماله المديدة، وإلا عليه أن يصبر ويحتسب وأن يحترم الكهل الذي يحمله من دون أن يتبرم.
الفراغ سبب كلِّ بلاء؛ فإنك لا ترى شابًا عاملًا يختلق المشكلات في محيطه، فهو يبحث طول الوقت عما يفيده، ويرفع قدره. الإتكالية من سمات الشاب الذي قعدت به همته عن كلِّ مكرمة؛ فتراه يدمن الشكوى والصراخ، من دون أن يرسم لنفسه هدفًا أو يحرز تقدمًا، أينما توجهه لا يأتي بخير، فقط لسانه الذي لا يتوقف عن الضجيج والعجيج. كان جعفر بن أبي طالبٍ أول سفير في تاريخ الإسلام كله، وهو ابن الثانية والعشرين، ومصعب بن عمير أول سفراء الإسلام إلى يثرب، وهو ابن الثانية والعشرين أيضًا، وكثير من الصحابة الأجلاء كانوا في سن الشباب، وقد أسسوا للدين دولة فتية، ولم يتعذر أحدهم بحداثة سنه أو قلة خبرته!
الذين يتوهمون أن الأب خُلِقَ ليشقى، وهم على الأسرةِ يتقلبون، وأمام شاشات التلفاز وأجهزة الهاتف يجاهدون الوقت بالتسلية والترفيه، هؤلاء لم يفهموا للحياة مبنى، ولا للسعادة معنى. الشمس تملأ النهار في وسطه، بقوتها وفورتها، وهي أقل تأثيرًا وتوهجهًا في أوله وآخره؛ فليجتهد الذين اتكلوا على آبائهم وقعدوا. فيا أيها الشاب الذي نام عن واجبه تجاه نفسه. يا من آثرت الدعة واستحسنت الراحة، لِم لا تنجح أنت في حياتك، وتكون عصاميًا تفخر بنفسك، ويفخر بك أهلك، ومن نفث في روعك أن تحقيق أحلامك وطموحاتك يجب أن يحققه لك غيرك؟ أليس من حقك من آثرك على نفسه في صغرك، ليشتد عودك أن تُكرِمه في كهولته؟ أم أنك أكرم منه نفسًا وأسمى منه قدرًا وأعلى منه منزلة؟
الشباب أمل الأمم والشعوب، والشاب الذي يثابر ويعافر الأمور خليقٌ بالثقة والتقدير؛ فهو يتحمل المسؤولية، ويؤدي دوره على الوجه الذي ينبغي، أما الكسالى فلا يمكنهم النهوض بالعبء، ولا يزيد هؤلاء عن أن يكونوا من سقط المتاع. الوالدان ملزمان بتربية أبنائهم وتزويدهم بما يجابهون به مصاعب الحياة، وليس منطقيا أن يحارب كلَّ والدٍ عن أبنائه طول العمر، وإلا فما هو دور الأبناء في الحياة؟ إننا مقصرون في حق أهلينا بكل صراحة، ونحتاج لمراجعة أنفسنا وتغيير سلوكنا الذي نُثقل به كواهلهم في وقتٍ يحتاجون فيه لكلمةٍ طيبة ولمسة حانية؛ فقد انبرى عمرهما، وهما يتلمَّسان راحتنا وسعادتنا بكل ما يستطيعون، ولا تخبر الرجل الذي يحملك أنه أعرج.
D14DCC9E-4695-4E3F-AF5D-957B3D79F68C
D14DCC9E-4695-4E3F-AF5D-957B3D79F68C
محمد الشبراوي (مصر)
محمد الشبراوي (مصر)