يوم خرج إبراهيم العلي (أبو خليل) من قرية البصّة شماليّ فلسطين مع أهله خلال نكبة عام 1948، كان في الثالثة عشرة من عمره. ومذ وصل إلى لبنان لاجئاً، لم يملّ من سرد حكاية رحلة اللجوء، وراح يخبر كيف "بدأ الصهاينة باحتلال المدن والبلدات والقرى، فيما نحن بقينا في البصّة وهي آخر قرية سقطت في أيديهم. لم نغادرها حتى يوم 13 مايو/ أيار 1948، فرجال القرية راحوا يقاومون قوات الاحتلال، إلى أن استشهد منهم من استشهد وغادر من غادر بعد نفاد الذخيرة".
بفخر، يحكي أبو خليل كيف "اشترى والدي بندقية بسعر 150 جنيهاً بريطانياً، وهذا المبلغ كان يكفي لشراء قطعة أرض في ذلك الوقت. كذلك اشترى عدداً قليلاً من الطلقات الناريّة، سرعان ما نفدت. حينها صارت البندقية كالعصا، لا فائدة منها. فخرجنا في اتجاه بلدة الناقورة (جنوبيّ لبنان) وأقمنا تحت شجر الخرّوب، إذ إنّنا كنّا نظنّ أنّ العودة إلى ديارنا قريبة. فنحن سمعنا أنّ جحافل الجيوش العربية اتّجهت نحو فلسطين". يتابع أبو خليل أنّ "جدّتي بقيت في فلسطين، وبعد ثلاثة أيام أرسلت لنا بيضاً مع أحد الأشخاص الذين قصدوا القرية ليلاً ليحضروا حاجياتهم. بعد ذلك، اختفت جدّتي ولم نعد نعلم عنها شيئاً. وعندما حلّ فصل الشتاء، قصدنا قرية المنصوري (جنوب) حيث أقمنا في بيت من الصفيح وبقينا فيه حتى انتهاء فصل الشتاء. في وقت لاحق، قصدنا مزرعة أم الرُّب على الحدود اللبنانية - الفلسطينية، حيث عملنا في الزراعة حتى عام 1956. وخلال العدوان الثلاثي على مصر، مُنِع وجود أيّ فلسطيني في المنطقة الحدودية، فتوجّهنا إلى مخيّم الرشيدية (جنوب) في عام 1958 واشترينا بيتاً من الخشب والصفيح وأقمنا فيه". في خطوة لاحقة، حاول أبو خليل العمل في بيروت كسائق، وراح يقصد الرشيدية أسبوعياً، "إذ كان والدي مريضاً حينها. وعندما توفي، عدت إلى العمل في مدينة صور (جنوب) حتى أكون قريباً من والدتي وأخواتي".
خلال ستينيات القرن الماضي، عندما تأسّست منظمة التحرير الفلسطينية، "طُلب من الفلسطينيين تنظيم الشعب الفلسطيني من خلال الاتحادات الكشفية والعمّالية كي يكونوا أقوياء. جرى تأسيس اتحاد عمال وكشّاف وكنت أنا المسؤول عن الكشاف الذين فاق عددهم 300 ما عدا الصغار. كذلك، كنت مدرّب الكشاف في جنوب لبنان، وكنت حينها في حركة القوميين العرب". بقي أبو خليل ينشط في الحركة الكشفية إلى أن "شاركنا في احتفال أقيم في الملعب البلدي في بيروت، حضره السفير الأميركي في لبنان في ذلك الوقت. وبعدما شاهد فرقنا الكشفية ومدى تنظيمها، قال للسلطات اللبنانية: هؤلاء ليسوا بفرق كشفية بل جيشاً من الفلسطينيين. فسحبت السلطات الترخيص منّا، وتوقّف العمل الكشفي وقتها. حينها، انتسبنا إلى التنظيمات الفلسطينية لنمارس النضال ضدّ العدو الصهيوني". يضيف أنّه "بعدما بدأت المضايقات تستهدف المقاتلين الفلسطينيين، سافرتُ إلى ليبيا للعمل بهدف تأسيس عائلتي وتعليم أولادي".
في أواخر التسعينيات، عاد أبو خليل برفقة عائلته إلى مخيّم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان. وراح يهتمّ بقطعة أرض صغيرة هناك فيزرعها، على الرغم من المرض الذي أنهكه. وفي السنوات الأخيرة، لطالما كانت الحسرة ظاهرة في عينيه، كأنّما شعر بأنّه لن يعود إلى أرضه وسوف يموت غريباً في مخيّمات اللجوء. خشيته تلك كانت في محلّها، فقد وافته المنيّة قبل أيام لكنّها حرّرته. هو لم يعد لاجئاً اليوم.